واحد، رواه ابن شبة، ثم روى بسند جيد عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال:
دفن مع أبي رجل يوم أحد في القبر فلم تطب نفسي حتى أخرجته فدفنته على حدة.
قلت: يحتمل أن سبب الإخراج ما تقدّم من أمر السيل، ووافق ذلك ما في نفس جابر؛ فتكون القصة واحدة، لكن روى البخاري في صحيحه خبر جابر مطولا، وفيه ما لفظه «قال: ودفنت معه آخر في قبره، فلم تطب نفسي أن أتركه مع أحد، فاستخرجته بعد ستة أشهر، فإذا هو كيوم وضعته غير هنية عند أذنه» .
فقوله:«بعد ستة أشهر» يقتضي أن ذلك ليس هو قصة أمر السيل؛ لأن المدة في تلك ست وأربعون سنة.
وروى ابن شبة عن جابر أيضا قال: صرخ بنا إلى قتلانا يوم أحد حين أجرى معاوية العين، فأتيناهم فأخرجناهم رطابا تتثنّى أجسادهم، قال سعيد بن عامر أحد رواته: وبين الوقتين أربعون سنة.
وقال ابن إسحاق: حدثني أبي عن رجال من بني سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال- حين أصيب عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو يوم أحد- اجمعوا بينهما؛ فإنهما كانا متصافيين في الدنيا، قال أبي: فحدثني أشياخ من الأنصار قالوا: لما ضرب معاوية عينه التي مرت على قبور الشهداء استصرخنا عليهم، وقد انفجرت العين عليهما في قبورهما، فجئنا فأخرجناهما وعليهما بردتان قد غطّى بهما وجوههما، وعلى أقدامهما شيء من نبات الأرض، فأخرجناهما يتثنيان تثنيا كأنهما دفنا بالأمس، نقله البيهقي في دلائل النبوة.
وعن جابر من حديث طويل قال: فبينا أنا في النظارين إذا جاءت عمّتي بأبي وخالتي عادلتهما على ناضح، فدخلت بهما المدينة لتدفنهما في مقابرنا إذ لحق رجل ينادي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمركم أن ترجعوا بالقتلى، فيدفنوا في مصارعهم حيث قتلوا، فرجعناهما، فدفنّاهما حيث قتلا، فبينا أنا في خلافة معاوية بن أبي سفيان إذ جاءني رجل فقال: يا جابر، لقد أثار أباك عمال معاوية، فخرج طائفة منه، فأتيته فوجدته على النحو الذي دفنته لم يتغير إلا ما لم يدع القتل أو القتال، فواريته، الحديث، رواه أحمد برجال الصحيح خلا نبيح الغنوي وهو ثقة.
قلت: فهذه قصة ثالثة؛ فيؤخذ من مجموع ذلك أن جابرا حفر عن أبيه ثلاث مرات:
الأولى: لعدم طيب نفسه بدفنه مع غيره، ولعله استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فأذن له؛ لما يترتب عليه من ظهور ما يشهد لحياة الشهداء وسلامة أبدانهم، وكان دفنهم مجتمعين للضرورة واتساع الوقت ففعله، وكأنه لما أخرجه دفنه بإزاء قبر صاحبه وصهره محافظة على القرب من مصرعه، فقد جاء الأمر بدفنهم في مصارعهم.