قلت: وسبق في أوائل الفصل العاشر من الباب الرابع ما يقتضي أن هذه البئر عند مسجد قباء، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أول مقدمه قباء أناخ على غدة عندها، وقدمنا أن الظاهر أن تصحيف؛ لمخالفته لما هو المعروف في محل هذه البئر.
وقال ابن النجار: هذه البئر بينها وبين مسجد قباء نحو نصف ميل، هي في وسط الصحراء، وقد حربها السيل وطمّها، وفيها ماء أخضر، إلا أنه عذب طيب، وريحه الغالب عليه الأجون.
قال: وذرعتها فكان طولها سبعة أذرع شافة منها ذراعان ماء وعرضها عشرة أذرع.
قال المطري: وهي اليوم ملك لبعض أهل المدينة، وكانت قد خربت فجددت بعد السبعمائة، وهي كثيرة الماء، وعرضها عشرة أذرع، وطولها يزيد على ذلك، وماؤها يغلب عليه الخضرة، وهو طيب عذب.
قلت: وقد خربت بعد ذلك، فابتاعها وما حولها صاحبنا الشيخ العلامة المقيد خواجا حسين بن الجواد المحسن الخواجكي الشيخ شهاب الدين أحمد القاواني، أثابه الله تعالى، وعمرها وحوط عليها حديقة، وجعل لها درجة ينزل إليها منها من داخل الحديقة وخارجها، وأنشأ بجانبها مسجدّا لطيفا، ووقفها، تقبّل الله منه، وذلك في سنة اثنتين وثمانين وثمانمائة.
بئر القراصة: لم يذكرها وما بعدها ابن النجار ومن بعده، ولم أر من ضبطها، ولعلها بالقاف وبالراء كما في بعض النسخ، وفي بعضها بالعين بدل القاف.
وروى ابن زبالة عن جابر بن عبد الله قال: لما استشهد أبي عبد الله بن عمرو بن حرام عرضت على غرمائه القراصة، وكانت له، أصلها وثمرها بما عليه من الدين، فأبوا أن يقبلوا ذلك منه، إلا أن يقوّموها قيمة ويرجعوا عليه بما بقي من الدين، قال: فشكا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: دعهم، حتى إذا كان جدادها فجدّها في أصولها، ثم ائتني فأعلمني، فلما حان جدادها جدّها في أصولها ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعلمه، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه، فبصق في بئرها، ودعا الله أن يؤدي عن عبد الله بن عمرو، وقال: اذهب يا جابر إلى غرماء أبيك فشارطهم على سعر وائت بهم فأوفهم، فخرج جابر فشارطهم على سعر، وقال: انطلقوا حتى أوفيكم حقوقكم، وكان أكبرهم اليهود، قال: فقال بعضهم لبعض: أما تعجبون من صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن صاحبه، عرض أصله وثمره فأبينا، ويزعم أنه يوفينا من ثمره، قال: فجاء بهم حتى أوفاهم حقوقهم، وفضل منها مثل ما كانوا يجدون كل سنة.
قلت: وهذه البئر غير معروفة اليوم، إلا أن جهتها جهة مسجد الخربة، وهي في غربي