وروى ابن زبالة عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينزل بذي الحليفة حين يعتمر، وفي حجته حين حج، تحت سمرة في موضع المسجد الذي بذي الحليفة.
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد الشجرة إلى الأسطوانة الوسطى، استقبلها، وكانت موضع الشجرة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إليها.
وعن أنس بن مالك قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة الظهر أربعا، والعصر بذي الحليفة ركعتين.
وعن ابن عمر أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم أناخ بالبطحاء التي بذي الحليفة وصلى بها.
قلت: المعنيّ بذلك موضع المسجد المذكور، فإنه كان موضع نزوله صلى الله عليه وسلم، وبنى في موضع الشجرة التي كانت هناك، وبها سمي «مسجد الشجرة» وهي السّمرة التي ذكر في حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينزل تحتها بذي الحليفة كما في الصحيح.
وفي صحيح مسلم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوت به راحلته قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهلّ فقال: لبّيك اللهم لبيك، الحديث.
وفي رواية له: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركع بذي الحليفة ركعتين، ثم إذا استوت به الناقة قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهلّ بهؤلاء الكلمات.
ويتحصل من صحيح الروايات أنه صلى الله عليه وسلم خرج لحجته نهارا، وبات بذي الحليفة، وأحرم في اليوم الثاني من عند المسجد، فيظهر أن صلواته صلى الله عليه وسلم في تلك المدة كانت كلها به، ولم أقف على اغتساله صلى الله عليه وسلم لإحرامه بذي الحليفة.
وفي باب «ما يلبس المحرم» من البخاري عن ابن عباس قال: انطلق النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة بعد ما ترجّل وادّهن ولبس إزاره ورداءه هو وأصحابه الحديث، وليس فيه تصريح بالاغتسال، لكن في طبقات ابن سعد أنه صلى الله عليه وسلم خرج في حجة الوداع من المدينة مغتسلا متدهنا مترجّلا متجرّدا في ثوبين سحاريين إزار ورداء، وذلك يوم السبت لخمس ليال بقين من ذي القعدة.
وفي كتاب التنبيهات للقاضي عياض: ظاهر المذهب أن المستحب الاغتسال بالمدينة، ثم يسير من فوره، وبذلك فسّره سحنون وابن الماجشون، وهو الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم، كما استحب أن يلبس حينئذ ثياب إحرامه، وكذلك فعل عليه الصلاة والسلام، انتهى.
قلت: ولم يتعرض أصحابنا لذلك، لكن قالوا: إن من اغتسل في التنعيم في الإحرام أجزأه عن الغسل لدخول مكة للقرب، فيؤخذ منه اعتبار القرب، وهو مناف لظاهر ما نقل عنه صلى الله عليه وسلم، إذ لم يحرم من ذي الحليفة إلا في اليوم الثاني، فيحتمل أنه أعاد الغسل حينئذ بذي الحليفة. أما لو كان الإحرام عقب الوضوء إلى ذي الحليفة ونحوه فلا يبعد القول به عندنا، كما ذكروا في الغسل للجمعة من الفجر، وعدم اشتراطهم لاتصاله بالرّواح.