للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ إنَّ «خَيَّاطًا دَعَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِطَعَامٍ صَنَعَهُ قَالَ أَنَسٌ فَذَهَبْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى ذَلِكَ الطَّعَامِ فَقَرَّبَ إلَيْهِ خُبْزًا مِنْ شَعِيرٍ وَمَرَقًا فِيهِ دُبَّاءُ قَالَ أَنَسٌ فَرَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوْلِ الْقَصْعَةِ فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ» ) .

ــ

[المنتقى]

الْأَغْنِيَاءُ دُونَ الْمَسَاكِينِ لِمَا فِي دُعَاءِ الْمَسَاكِينِ مِنْ ابْتِذَالِ الْمَنْزِلِ وَالْوِطَاءِ وَالْمَكَانِ فَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَجْعَلُهُ شَرَّ الطَّعَامِ لِأَنَّ خَيْرَ الطَّعَامِ وَأَكْثَرَهُ أَجْرًا مَا يُدْعَى إلَيْهِ الْمَسَاكِينُ لِحَاجَتِهِمْ إلَيْهِ وَلِمَا فِي الصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ مِنْ سَدِّ خُلَّتِهِمْ وَإِشْبَاعِ جَوْعَتِهِمْ فَأَمَّا إطْعَامُ الْأَغْنِيَاءِ فَلَيْسَ فِيهِ هَذَا الْمَعْنَى وَإِنَّمَا فِيهِ نَوْعٌ مِنْ الْمُهَادَاةِ وَالتَّوَدُّدِ إذَا سَلِمَ مِنْ السُّمْعَةِ.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دَعَا فِي وَلِيمَتِهِ الْأَغْنِيَاءَ وَالْفُقَرَاءَ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ لِلْفُقَرَاءِ هَاهُنَا لَا تُفْسِدُوا عَلَيْهِمْ ثِيَابَهُمْ فَإِنَّا نُطْعِمُكُمْ مِمَّا يَأْكُلُونَ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَقْتَضِي وُجُوبَ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ طَعَامِ الْوَلِيمَةِ، وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَمَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ إلَى طَعَامِ الْوَلِيمَةِ وَعَلَى ذَلِكَ تَأَوَّلَ جَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ.

وَقَدْ نَصَّ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى وُجُوبِ إتْيَانِ طَعَامِ الْوَلِيمَةِ لِمَنْ دُعِيَ إلَيْهَا وَصِفَةُ الدَّعْوَةِ الَّتِي تَجِبُ بِهَا الْإِجَابَةُ أَنْ يَلْقَى صَاحِبُ الْعُرْسِ الرَّجُلَ فَيَدْعُوَهُ أَوْ يَقُولَ لِغَيْرِهِ اُدْعُ لِي فُلَانًا فَيُعَيِّنَّهُ فَإِنْ قَالَ اُدْعُ لِي مَنْ لَقِيت فَلَا بَأْسَ عَلَى مَنْ دُعِيَ بِمِثْلِ هَذَا أَنْ يَتَخَلَّفَ لِأَنَّ صَاحِبَ الطَّعَامِ لَمْ يُعَيِّنْهُ وَلَا عَرَّفَهُ وَذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا احْتَجَّ بِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى النَّاسِ إتْيَانُ الْعُرْسِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالدَّعْوَةِ، وَالدَّعْوَةُ مُخْتَصَّةٌ بِصَاحِبِ الْعُرْسِ فَإِذَا عَيَّنَهُ لَزِمَهُ إتْيَانُ الدَّعْوَةِ لِتَوَجُّهِهَا مِمَّنْ تَخْتَصُّ بِهِ الدَّعْوَةُ وَلَهُ أَنْ لَا يُعَيِّنَ الْمَدْعُوَّ، فَيَدْعُو مَنْ شَاءَ وَيَمْنَعُ مَنْ شَاءَ وَإِذَا لَمْ يُعَيِّنْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِذَا لَزِمَهُ إتْيَانُ الدَّعْوَةِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْأَكْلُ أَمْ لَا لَمْ أَجِدْ فِيهِ نَصًّا جَلِيًّا لِأَصْحَابِنَا وَفِي الْمَذْهَبِ مَسَائِلُ تَقْتَضِي الْقَوْلَيْنِ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَرَى أَنْ يُجِيبَ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ أَوْ كَانَ صَائِمًا قَالَ أَصْبَغُ لَيْسَ ذَلِكَ بِالْوَكِيدِ وَإِنَّهُ لَخَفِيفٌ فَقَوْلُ مَالِكٍ مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُوبِ إتْيَانِ الدَّعْوَةِ وَأَنَّ الْأَكْلَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلِذَلِكَ أَوْجَبَ الْإِتْيَانَ عَلَى مَنْ لَا يُرِيدُ الْأَكْلَ أَوْ مَنْ يَصُومُ وَقَوْلُ أَصْبَغَ مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُوبِ الْأَكْلِ وَلِذَلِكَ أَسْقَطَ وُجُوبَ الْإِتْيَانِ عَنْ الصَّائِمِ الَّذِي لَا يَأْكُلُ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِنْ كَانَ فِي الْوَلِيمَةِ زِحَامٌ أَوْ غُلِقَ الْبَابُ دُونَهُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ هُوَ فِي سَعَةٍ إذَا تَخَلَّفَ عَنْهَا أَوْ رَجَعَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الِابْتِذَالُ فِي الزِّحَامِ وَتَكَلُّفُ الِامْتِهَانِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَثْلِمُ الْمُرُوءَةَ وَالتَّصَاوُنَ وَيُسْقِطُ الْوَقَارَ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ بِهِ عُذْرُ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِنْ كَانَ فِي الْعُرْسِ لَهْوٌ غَيْرُ مُبَاحٍ كَالْعُودِ وَالطُّنْبُورِ وَالْمِزْهَرِ الْمُرَبَّعِ لَمْ يَلْزَمْهُ إتْيَانُهُ وَأَمَّا الدُّفُّ الْمُدَوَّرُ أَوْ الْكَبَرُ فَمُبَاحٌ فِي الْعُرْسِ.

وَقَالَ أَصْبَغُ فِي الْمُزَنِيَّة وَيَكُونُ ذَلِكَ عِنْدَ النِّسَاءِ دُونَ الرِّجَالِ وَلَا يَكُونُ مَعَهُ عَزْفٌ وَلَا غِنَاءٌ إلَّا الرَّجَزَ الْمُرْسَلَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى وَبَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ مِمَّا يَقُولُهُ النِّسَاءُ

أَتَيْنَاكُمْ أَتَيْنَاكُمْ ... فَحَيَّوْنَا نُحَيِّيكُمْ

وَلَوْلَا الْحَبَّةُ السَّمْرَا ... ءُ لَمْ نَحْلُلْ بِوَادِيكُمْ

فَإِنْ كَانَ فِي الْوَلِيمَةِ لَهْوٌ مَحْظُورٌ أَبْطَلَ وُجُوبَ إتْيَانِهَا فَمَنْ جَاءَ الْوَلِيمَةَ فَوَجَدَ ذَلِكَ فِيهَا فَلْيَرْجِعْ وَعَلَى هَذَا جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا بَأْسَ أَنْ يَقْعُدَ وَيَأْكُلَ وَقَوْلُ الْجَمَاعَةِ أَوْلَى.

(ش) : أَدْخَلَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الْحَدِيثَ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي الْوَلِيمَةِ وَلَيْسَ فِي ظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطَّعَامَ طَعَامُ وَلِيمَةٍ وَلَا غَيْرِهَا وَلَكِنَّهُ لَمَّا احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ وَكَانَ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِذِي الْفَضْلِ وَالْهَيْئَةِ الْإِجَابَةُ إلَى طَعَامٍ صُنِعَ لِغَيْرِ سَبَبٍ أَدْخَلَ هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>