للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ إذَا افْتَدَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا بِشَيْءٍ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا فَطَلَّقَهَا طَلَاقًا مُتَتَابِعًا نَسَقًا فَذَلِكَ ثَابِتٌ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ صُمَاتٌ فَمَا أَتْبَعَهُ بَعْدَ الصُّمَاتِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ) .

ــ

[المنتقى]

عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْمُبَارِئَةَ هِيَ الَّتِي لَا تَأْخُذُ شَيْئًا وَلَا تُعْطِي، وَالْمُخْتَلِعَةَ هِيَ الَّتِي تُعْطِي، وَهَذَا كُلُّهُ يَكُونُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ فَمَا كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا عِدَّةَ فِيهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ الْأَرْبَعَةُ تَعُودُ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ صِفَاتُهَا مِنْ جِهَةِ الْإِيقَاعِ وَفَسَّرَهَا بِمَا قَدَّمْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فِي الْمُفْتَدِيَةِ: إنَّهَا لَا تَرْجِعُ إلَى زَوْجِهَا إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ يَقْتَضِي فَصْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ طَلَاقَهُ لَيْسَ بِرَجْعِيٍّ بَلْ هُوَ بَائِنٌ خِلَافًا لِأَبِي ثَوْرٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهَا إنَّمَا أَعْطَتْهُ الْعِوَضَ لِتَمْلِكَ نَفْسَهَا، وَلَوْ كَانَ طَلَاقُ الْخُلْعِ رَجْعِيًّا لَمْ تَمْلِكْ نَفْسَهَا وَلَمْ تَنْتَفِعْ بِهِ وَلَاجْتَمَعَ لِلزَّوْجِ الْعِوَضُ، وَالْمُعَوَّضُ عَنْهُ، وَالْفَصْلُ الثَّانِي أَنَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ فِي الْعِدَّةِ وَبَعْدَهَا فَأَمَّا بَعْدَ الْعِدَّةِ فَهُوَ أَحَدُ الْخُطَّابِ، وَأَمَّا فِي الْعِدَّةِ، فَإِنَّ الْعِدَّةَ مِنْهُ فَلَا تَمْنَعُهُ عَقْدَ النِّكَاحِ، وَإِنَّمَا تَمْنَعُ غَيْرَهُ، فَإِنْ كَانَتْ حَائِلًا فَذَلِكَ مُبَاحٌ لَهُ فِي جَمِيعِ أَوْقَاتِ الْعِدَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَذَلِكَ لَهُ مَا لَمْ يَثْقُلْ حِمْلُهَا فَتَكُونُ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ مَنْ تَزَوَّجَ مَرِيضَةً وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَهَذَا مَعَ إطْلَاقِ الْعَقْدِ، وَلَوْ بَذَلَتْ لَهُ الْعِوَضَ وَشَرَطَ الرَّجْعَةَ فَفِيهَا رِوَايَتَانِ رَوَاهُمَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ إحْدَاهُمَا: ثُبُوتُهَا وَبِهَا قَالَ سَحْنُونٌ، وَالثَّانِيَةُ نَفْيُهَا قَالَ سَحْنُونٌ: وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهُمَا قَدْ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ فِي مُقَابَلَةِ مَا سَقَطَ مِنْ عَدَدِ الطَّلَاقِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ مَا يَمْنَعُ الْمَقْصُودَ مِنْهُ فَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ كَمَا لَوْ شَرَطَ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ أَنِّي لَا أَطَأُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ: فَإِنْ هُوَ نَكَحَهَا فَفَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا عِدَّةٌ مِنْ الطَّلَاقِ الْآخَرِ يُرِيدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ هَذَا نِكَاحٌ لَمْ يَمَسَّ فِيهِ فَلَا تَثْبُتُ فِيهِ عِدَّةٌ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: ٤٩] ، وَهَذَا إنْ كَانَ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا وَفَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ فَهِيَ عَلَى عِدَّتِهَا الْأُولَى؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الثَّانِيَ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْعِدَّةِ وَلَا يُبْطِلُ التَّمَادِيَ عَلَيْهَا إلَّا بِالْمَسِيسِ، فَإِذَا عَرَا مِنْ الْمَسِيسِ فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُ الْعِدَّةِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

(ش) : قَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا افْتَدَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا بِشَيْءٍ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا طَلَاقًا مُتَتَابِعًا نَسَقًا فَذَلِكَ ثَابِتٌ عَلَيْهِ يُرِيدُ أَنَّ مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ فِي طَلَاقِ الْخُلْعِ الَّذِي تَبِينُ بِهِ الزَّوْجَةُ وَتَخْرُجُ بِهِ عَنْ حُكْمِ الزَّوْجِ: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ وَكَانَ ذَلِكَ مُتَّصِلًا، فَإِنَّ حُكْمَهُ فِي اللُّزُومِ حُكْمُ مَنْ قَالَ لَهَا ذَلِكَ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ نَسَقَ الْكَلَامِ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ مُتَّصِلًا يُوجِبُ لَهُ حُكْمًا وَاحِدًا وَلِذَلِكَ إذَا اتَّصَلَ الِاسْتِثْنَاءُ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ أَثَّرَ وَثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الِاسْتِثْنَاءِ، وَإِذَا انْفَصَلَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَعَلُّقٌ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْكَلَامِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَإِنْ كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ صُمَاتٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ يُرِيدُ إنْ لَمْ يَتَّصِلْ كَلَامُهُ وَتَخَلَّلَهُ صَمْتٌ أَوْ كَلَامٌ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِمَا قَبْلَهُ وَلَمَّا كَانَتْ الْمُخْتَلِعَةُ لَا يَلْحَقُهَا طَلَاقٌ مُبْتَدَأٌ لَمْ يَلْحَقْهَا طَلَاقٌ يَتَخَلَّلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُخَالَعَةِ صُمَاتٌ؛ لِأَنَّ مَا حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ طَلَاقٍ صَمْتٌ فَهُوَ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ لَهُ حُكْمُ الطَّلَاقِ الْمُبْتَدَأِ.

وَلَمَّا كَانَتْ الْمُخْتَلِعَةُ لَا يَلْحَقُهَا طَلَاقٌ فِي الْعِدَّةِ لَمْ يَلْحَقْهَا الطَّلَاقُ الَّذِي حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ صَمْتٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَلْحَقُ الْمُخْتَلِعَةَ الطَّلَاقُ فِي الْعِدَّةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ لَا يَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ بِلَفْظٍ يَعُمُّهَا وَسَائِرُ نِسَائِهِ فَلَمْ يَلْحَقْهَا طَلَاقٌ يَخُصُّهَا أَصْلُ ذَلِكَ الْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>