للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

شَاءَ أَمْسَكَ» قَالَ شُيُوخُنَا الْبَغْدَادِيُّونَ: مَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يُمْسِكَهَا فِي الطُّهْرِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْوَطْءِ إنْ شَاءَ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ النِّكَاحِ الْمُبْتَدَأِ، وَالرَّجْعَةِ الْوَطْءُ فَلِذَلِكَ شُرِعَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا فِي طُهْرٍ يَكُونُ لَهُ فِيهِ الْوَطْءُ إنْ شَاءَ لِئَلَّا يَكُونَ ارْتِجَاعُهُ لِغَيْرِ مَقْصُودِ النِّكَاحِ فَيَكُونُ عَلَى مَعْنَى الْإِضْرَارِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: ٢٣١] وَقَالَ تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا} [البقرة: ٢٢٨] فَشَرَطَ إرَادَةَ الْإِصْلَاحِ فِي الرَّجْعَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ عَلَى سُنَّةِ النِّكَاحِ وَمُقْتَضَاهُ وَمَقْصُودِهِ، وَلَفْظُ الرَّجْعَةِ يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ.

وَلَوْ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ لَقَالَ: مُرْهُ فَلْيُمْسِكْهَا هَكَذَا رَوَى الْحَدِيثَ نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ أَثْبُتُ النَّاسِ فِيهِ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْهُ وَابْنُ شِهَابٍ أَثْبُتُ مَنْ يُرْوَى عَنْهُ وَتَابَعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ وَرَوَاهُ يُونُسُ بْنُ جُبَيْرٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَابْنُ سِيرِينَ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَغَيْرُهُمْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَقَالُوا فِيهِ «فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ إنْ شَاءَ طَلَّقَ بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ» . وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى طَلْحَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَزَادَ فِيهِ «ثُمَّ إنْ شَاءَ طَلَّقَهَا طَاهِرًا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ أَوْ حَامِلًا» ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَالزِّيَادَةُ مِنْ الْعَدْلِ مَقْبُولَةٌ لَا سِيَّمَا مِثْلُ هَذَا، وَقَدْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ سَالِمٌ وَعَلْقَمَةُ وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ رَوَوْا الزِّيَادَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَالنَّظَرُ يُعَضِّدُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّهُ يُرَاجِعُهَا، وَإِذَا طَهُرَتْ كَانَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَثَرِ، وَالنَّظَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ: «إنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ» يَقْتَضِي أَنَّهُ يُوقِعُ الطَّلَاقَ فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّ فِيهِ لِمَا فِي الطَّلَاقِ فِي طُهْرٍ قَدْ مَسَّ فِيهِ مِنْ الْإِلْبَاسِ فِي الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَدْرِي أَتَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ أَوْ بِالْحَمْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ» مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يُطَلِّقَ زَوْجَتَهُ فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّ فِيهِ وَلَا يُعْقِبْ حَيْضًا طَلَّقَ فِيهِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً جَازَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّ فِيهِ وَاَلَّذِي طَلَّقَ فِي الْحَيْضِ إذَا ارْتَجَعَ لَوْ أُبِيحَ لَهُ الطَّلَاقُ فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ لَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يُطَلِّقَ فِي طُهْرٍ مَسَّ فِيهِ أَوْ يَكُونَ ارْتِجَاعُهُ بِمُضِيِّ نِكَاحٍ لَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ الْوَطْءِ، وَذَلِكَ مَحْظُورٌ فَلِذَلِكَ مُنِعَ مِنْ الطَّلَاقِ فِي أَوَّلِ طُهْرٍ لِيَسْلَمَ مِنْ ذَلِكَ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُعْتَدُّ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ الَّذِي يُوقِعُهُ فِي الْحَيْضِ رَجْعِيًّا كَانَ أَوْ بَائِنًا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَالْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِمَنْ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِمْ وَهُمْ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنُ عُلَيَّةَ وَدَاوُد، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ٢٢٩] إلَى قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] قَالَ: وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ فِي حَالِ حَيْضٍ أَوْ طُهْرٍ وَلَا يَخْلُو أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ تَعَالَى أَنَّ الزَّوْجَ يَمْلِكُ إيقَاعَ هَذَا الْمِقْدَارِ مِنْ الطَّلَاقِ وَلَمْ يَخُصَّ حَالًا دُونَ حَالٍ فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى عُمُومِهِ وَهُمْ يَقُولُونَ: إنَّهُ لَا يَمْلِكُ إيقَاعَهُ أَوْ يُرِيدُ بِهِ إنْ وَقَعَ هَذَا الْعَدَدُ مِنْ الطَّلَاقِ لَزِمَهُ فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ أَيْضًا عَلَى عُمُومِهِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: طَلَّقْت امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَغَيَّظَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَ: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً مُسْتَقْبَلَةً سِوَى حَيْضَتِهَا الَّتِي طَلَّقَ فِيهَا، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا مِنْ حَيْضَتِهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا قَالَ: وَالطَّلَاقُ لِلْعِدَّةِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً فَحُسِبَتْ مِنْ طَلَاقِهَا فَرَاجَعَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ كَمَا أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: فَفِي الْحَدِيثِ أَدِلَّةٌ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا» قَالَ: وَهَذَا لَا يُسْتَعْمَلُ غَالِبًا فِي النِّكَاحِ إلَّا بِالطَّلَاقِ الَّذِي يُعْتَدُّ بِهِ، وَوَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ: فَحُسِبَتْ مِنْ طَلَاقِهَا وَاَلَّذِي كَانَ يُحْتَسَبُ بِهِ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>