للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ سُئِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا وَهِيَ فِي بَيْتٍ بِكِرَاءٍ عَلَى مَنْ الْكِرَاءُ فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: عَلَى زَوْجِهَا قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ زَوْجِهَا قَالَ فَعَلَيْهَا قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا قَالَ: فَعَلَى الْأَمِيرِ) .

مَا جَاءَ فِي نَفَقَةِ الْمُطَلَّقَةِ

ــ

[المنتقى]

فِيهِ سُكْنَى حَفْصَةَ وَكَانَ ذَلِكَ الْمَسْكَنُ طَرِيقَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ إلَى الْمَسْجِدِ إمَّا لِأَنَّ سُكَّانَ تِلْكَ الدَّارِ وَأَرْبَابَهَا أَبَاحُوا لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَرْفَقُ بِهِ أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ فِيهَا الْمَمَرُّ بِاسْتِحْقَاقِ رَقَبَةِ الْمَمَرِّ أَوْ اسْتِحْقَاقِ مَنْفَعَتِهِ بَيْنَ يَدَيْ تِلْكَ الْبُيُوتِ الَّتِي كَانَتْ تَسْكُنُ فِي بَعْضِهَا هَذِهِ الْمُطَلَّقَةُ فَلَمَّا طَلَّقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ هَذِهِ الزَّوْجَةَ وَاسْتَحَقَّتْ الِاعْتِدَادَ فِي ذَلِكَ الْمَسْكَنِ تَرَكَ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْ تِلْكَ الْبُيُوتِ وَسَلَكَ الطَّرِيقَ الْأُخْرَى مِنْ أَدْبَارِ الْبُيُوتِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ هُنَاكَ طَرِيقَانِ إحْدَاهُمَا بَيْنَ يَدَيْ تِلْكَ الْبُيُوتِ، وَالثَّانِيَةُ مِنْ أَدْبَارِهَا فَكَانَ يَأْخُذُ عَلَى طَرِيقِ أَدْبَارِ الْبُيُوتِ لِئَلَّا يَكْشِفَ عَلَى هَذِهِ الْمَرْأَةِ الْمُطَلَّقَةِ أَوْ يَتَكَلَّفَ الِاسْتِئْذَانَ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَسْتَبِيحُ النَّظَرَ إلَيْهَا لِكَوْنِهَا مُطَلَّقَةً، وَإِنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً.

وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي دُخُولِ الْمُطَلِّقِ عَلَى الزَّوْجَةِ الرَّجْعِيَّةِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ أَوَّلًا فِي الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ لَا بَأْسَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا مُطْلَقًا وَيَأْكُلَ مَعَهَا إذَا كَانَ مَعَهَا مَنْ يَتَحَفَّظُ بِهَا، وَقَدْ زَادَ عَلَى هَذَا أَبُو حَنِيفَةَ لَا بَأْسَ أَنْ تَتَزَيَّنَ لَهُ، وَأَنْ تَتَطَيَّبَ ثُمَّ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا وَلَا يَرَى شَعْرَهَا وَلَا يَأْكُلُ مَعَهَا حَتَّى يُرَاجِعَهَا، وَهَذَا الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا بِإِذْنٍ وَلَا بِغَيْرِ إذْنٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ.

وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ وَكَانَ يَجِبُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا رَجْعَةً، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ وَإِلَّا وَقَعَ النَّظَرُ إلَيْهَا، وَالِالْتِذَاذُ بِهَا مَمْنُوعًا مَحْظُورًا، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهَا قَدْ حَرُمَ عَلَيْهِ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا، وَالتَّلَذُّذُ بِشَيْءٍ مِنْهَا فَلَا يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَدْ أَفَادَ تَحْرِيمَ ذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ تَأْثِيرٌ كَالْبَائِنِ، وَإِنَّمَا لَهُ فِيهَا الرَّجْعَةُ وَإِزَالَةُ التَّحْرِيمِ بِالرَّدِّ إلَى الزَّوْجِيَّةِ.

(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ الْمَنْعِ فَلَيْسَ لِلْمُطَلِّقِ أَنْ يَتَلَذَّذَ بِشَيْءٍ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ يُرِيدُ الِارْتِجَاعَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَلَى الْمَنْعِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِشَرْطِ تَقْدِيمِ الرَّجْعَةِ وَلِذَلِكَ لَمَّا لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ إلَّا بِطَهَارَةٍ لَمْ يَجُزْ لِمَنْ يُرِيدُ الصَّلَاةَ أَنْ يُصَلِّيَ حَتَّى يَتَطَهَّرَ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَا يُسَاكِنُهَا، وَإِنْ كَانَ مَعَهَا انْتَقَلَ عَنْهَا وَلَا يَكُونُ مَعَهَا فِي مَوْضِعٍ يَنْغَلِقُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا سَوَاءٌ كَانَتْ رَجْعِيَّةً أَوْ بَائِنَةً قَالَهُ مَالِكٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا مُحَرَّمٌ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُسَاكِنَهَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ.

(ش) : سُؤَالُهُ عَنْ الْمَرْأَةِ الْمُطَلَّقَةِ فِي بَيْتٍ بِكِرَاءٍ يُرِيدُ الَّتِي قَدْ دَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا وَكَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فَقَالَ سَعِيدٌ: الْكِرَاءُ عَلَى الزَّوْجِ يُرِيدُ كِرَاءَ الْعِدَّةِ، وَأَمَّا كِرَاءُ السُّكْنَى فِي مُدَّةِ الزَّوْجِيَّةِ فَلَا يُسْأَلُ عَنْ مِثْلِهِ لِاتِّفَاقِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ السُّكْنَى مُدَّةَ الزَّوْجِيَّةِ عَلَى الزَّوْجِ، وَأَمَّا فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ، فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا فَالْكِرَاءُ عَلَى الزَّوْجِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي الْبَائِنِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: ٦] ، وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، وَإِنَّمَا خُوطِبَ بِذَلِكَ مَنْ طَلَّقَ وَكَانَ الْإِنْفَاقُ وَالسُّكْنَى لَازِمَيْنِ لِلزَّوْجِ قَبْلَ الطَّلَاقِ فَلَمَّا أُمِرَ بِالسُّكْنَى بَعْدَ الطَّلَاقِ عُلِمَ أَنَّ حُكْمَهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ غَيْرُ حُكْمِ الْإِنْفَاقِ لِأَنَّ لِلزَّوْجَةِ إسْقَاطُ النَّفَقَةِ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَبَعْدَهُ وَلَيْسَ لَهَا إسْقَاطُ السُّكْنَى وَلَا نَقْلُهُ عَنْ مَحِلِّهِ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ الْمَبْتُوتَةَ لَهَا النَّفَقَةُ مَعَ السُّكْنَى رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا لَهَا السُّكْنَى، وَالنَّفَقَةُ وَلَا نُجِيزُ قَوْلَ امْرَأَةٍ فِي دِينِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا قَدْ رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ: الْمُطَلِّقُ ثَلَاثًا لَا يُجْبَرُ عَلَى النَّفَقَةِ فَلَعَلَّ الَّذِي رُوِيَ عَنْ عُمَرَ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْحَامِلَ وَلِذَلِكَ قَالَ: لَا نَدَعُ كِتَابَ رَبِّنَا وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا لِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي أَصَدَقَتْ أَمْ نَسِيَتْ وَاَلَّذِي فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْمُطَلَّقَةِ إنَّمَا هُوَ السُّكْنَى، وَأَمَّا النَّفَقَةُ فَتَخْتَصُّ بِالْحَامِلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٦] .

<<  <  ج: ص:  >  >>