للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الطَّلَاقُ لِلرِّجَالِ، وَالْعِدَّةُ لِلنِّسَاءِ مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: عِدَّةُ الْمُسْتَحَاضَةِ سَنَةٌ) .

ــ

[المنتقى]

الْحَيْضِ، وَالْحَمْلِ حُكِمَ لَهَا بِحُكْمِ مَنْ تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ فَصَارَ ذَلِكَ حُكْمًا كَالْيَائِسَةِ لَمَّا ارْتَفَعَ حَيْضُهَا وَصَارَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ إلَّا أَنَّ الْيَائِسَةَ لَمَّا كَانَتْ عَلَامَةُ الْيَأْسِ ظَاهِرَةً مِنْ السِّنِّ وَغَيْرِهِ لَمْ يُحْتَجْ إلَى اعْتِبَارِ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ وَهَذِهِ لَمَّا كَانَ حُكْمُهَا الْحَيْضَ كَانَ ارْتِفَاعُهَا رِيبَةً لَمْ تَنْتَقِلْ عَنْهُ إلَّا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَالِاسْتِقْصَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا حَلَّتْ الْمُرْتَابَةُ بِالسَّنَةِ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ ثُمَّ طَلُقَتْ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ قَالَ وَأَكْثَرُهُمْ شُيُوخُ أَشْهَبَ أَنَّ عِدَّتَهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ فِي الطَّلَاقِ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً لِأَنَّهَا اعْتَدَّتْ بِالشُّهُورِ مُدَّةً فَصَارَ لَهَا حُكْمُ الْيَائِسَةِ إلَّا أَنْ يُعَاوِدَهَا الْحَيْضُ، وَلَوْ مَرَّةً فَتَرْجِعُ إلَى الْحَيْضِ إنْ تَمَادَى بِهَا أَوْ الِاسْتِبْرَاءِ أَوْ الْعِدَّةِ إنْ انْقَطَعَ عَنْهَا.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ فَلَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ لَمْ تَحِضْ قَبْلُ.

وَقَدْ قَالَ سَحْنُونُ: قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ: إنَّ عِدَّةَ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ الْمَحِيضِ وَاَلَّتِي بَلَغَتْهُ وَلَمْ تَحِضْ، وَإِنْ بَلَغَتْ ثَلَاثِينَ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ، وَكَذَلِكَ عِدَّةُ الْيَائِسَةِ مِنْ الْمَحِيضِ وَهِيَ الَّتِي بَلَغَتْ سِنًّا كُلُّ مَنْ بَلَغَتْهُ مِنْ النِّسَاءِ لَمْ تَحِضْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ: وَلَا تَنْتَقِصُ مِنْهُ الْأَمَةُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: ٤] قَالَ مَالِكٌ {إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ} [الطلاق: ٤] ، وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ بَعْضُ النَّاسِ وَقَالُوا: لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَقَالَ أَنْ ارْتَبْتُمْ بِالْفَتْحِ؛ لِأَنَّ الِارْتِيَابَ مَاضٍ، وَإِنَّمَا تَتَعَلَّقُ إنْ الْمَكْسُورَةُ بِالِاسْتِقْبَالِ، وَالِارْتِيَابُ قَدْ عُدِمَ بِتَعَدُّدِ وُجُودِ النَّصِّ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الِارْتِيَابَ لِمَنْ لَا يَعْلَمُ حُكْمَ الْآيَةِ أَوْ لِمَنْ لَا يَقْرَؤُهَا ثَابِتٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنَّ مَعْنَى {إِنِ ارْتَبْتُمْ} [الطلاق: ٤] إذَا ارْتَبْتُمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنْ ارْتَبْتُمْ فِي التَّأْوِيلِ عَلَى أَنَّ الْعَرَبَ تَسْتَعْمِلُ هَذَا اللَّفْظَ عَلَى مَعْنَى التَّنْبِيهِ عَلَى الدَّلِيلِ فَتَقُولُ: إنْ ارْتَبْتُمْ فِي كَذَا مَعَ ظُهُورِهِ وَوُضُوحِهِ فَيَجِبُ أَنْ يَمْنَعَك مِنْ الِارْتِيَابِ أَمْرُ كَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} [يونس: ٩٤] وَمَعْنَى ذَلِكَ نَفْيُ الشَّكِّ، وَالِارْتِيَابِ عَنْ مِثْلِ هَذَا لِوُضُوحِهِ وَظُهُورِ أَدِلَّتِهِ، وَوَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَنْ ارْتَبْتُمْ الْآنَ، فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَقْطَعَ الِارْتِيَابَ هَذَا النَّصُّ، وَهَذَا اللَّفْظُ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْحَالِ وَلِذَلِكَ يَقُولُ: إنْ شِئْت لَأَنْ فَعَلْت كَذَا، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْمُضِيِّ فَتَقُولُ: إنْ كُنْت تَشُكُّ فِي كَذَا فَحُكْمُهُ كَذَا، وَهَذَا بَيِّنٌ وَاضِحٌ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ.

(ش) : قَوْلُهُ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عِدَّةُ الْمُسْتَحَاضَةِ سَنَةٌ يُرِيدُ أَنَّهَا تُقِيمُ سَنَةً.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: عِدَّةُ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي الطَّلَاقِ سَنَةٌ كَالْمُرْتَابَةِ؛ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ اسْتِبْرَاءٌ وَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ عِدَّةٌ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً فَعَلَى هَذَا يَتَنَاوَلُ قَوْلُ سَعِيدٍ فِي أَنَّ التِّسْعَةَ الْأَشْهُرِ اسْتِبْرَاءٌ، وَالثَّلَاثَةَ الْأَشْهُرِ عِدَّةٌ وَلِذَلِكَ اسْتَوَى فِيهَا حُكْمُ الْحُرَّةِ، وَالْأَمَةِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ بِالْأَشْهُرِ لَا يَخْتَلِفَانِ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا بَدَلٌ مِنْ الْحَيْضِ الَّذِي يَخْتَلِفَانِ فِيهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْحَائِضُ لَا تُمَيِّزُ دَمًا وَاتَّصَلَ ذَلِكَ بِهَا فِي جَمِيعِ الْعَامِ، فَإِنْ تَغَيَّرَ حُكْمُهَا فَلَا يَخْلُو أَنْ تَنْتَقِلَ إلَى حَيْضٍ أَوْ إلَى انْقِطَاعِ دَمٍ، فَإِنْ انْتَقَلَتْ إلَى حَيْضٍ بَطَلَ حُكْمُ الِاسْتِحَاضَةِ فَاعْتَدَّتْ بِالْأَقْرَاءِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الرِّيبَةِ لِأَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ لَا قُرْءَ لَهَا تَبْرَأُ بِهِ فَكَانَتْ مُرْتَابَةً كَاَلَّتِي لَا تَرَى الدَّمَ، فَإِذَا شَرَعَتْ فِي عِدَّةِ الْمُرْتَابَةِ ثُمَّ رَأَتْ الْحَيْضَ انْتَقَلَتْ عَنْ حُكْمِ الِارْتِيَابِ إلَى الْعِدَّةِ بِالْأَقْرَاءِ.

١ -

(فَرْعٌ) : وَإِنَّمَا يُعْرَفُ الْحَيْضُ بِأَنْ يَنْقَطِعَ عَنْهَا الدَّمُ ثُمَّ تَسْتَقْبِلَ الْحَيْضَ فَأَمَّا مَعَ اتِّصَالِ الدَّمِ بِأَنْ تَرَى دَمًا لَا تَشُكُّ فِيهِ أَنَّهُ دَمُ حَيْضٍ لِلَوْنِهِ وَلَذَاعَتِهِ فَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ: إذَا رَأَتْ دَمًا لَا تَشُكُّ أَنَّهُ دَمُ حَيْضٍ تَرَكَتْ الصَّلَاةَ فِيهِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا أَجْبَرَهُ عَلَى الِارْتِجَاعِ وَتَغْتَسِلُ بِانْقِطَاعِ هَذَا الدَّمِ الْجَدِيدِ وَلَا تَعْتَدُّ بِهِ مِنْ طَلَاقٍ وَعِدَّتُهَا السَّنَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>