للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مِمَّا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ» قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ عَلَى هَذَا الْعَمَلُ) .

ــ

[المنتقى]

ذَلِكَ وَالْمَرْأَةُ الْمُغِيلَةُ الَّتِي تُرْضِعُ وَلَدَهَا وَهِيَ تُوطَأُ وَأَهْلُ الطِّبِّ يَزْعُمُونَ أَنَّ ذَلِكَ اللَّبَنَ دَاءٌ وَيُقَالُ قَدْ أُغِيلَتْ الْمَرْأَةُ إذَا سَقَتْهُ غَيْلًا.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ الْغِيلَةُ أَنْ يَمَسَّ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ تُرْضِعُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَزَلَ عَنْهَا أَوْ لَمْ يَعْزِلْ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عِمْرَانَ إنَّمَا حَقِيقَةُ الْغِيلَةِ الْوَطْءُ مَعَ الْإِنْزَالِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا لَمْ يُنْزِلْ أَنْزَلَتْ الْمَرْأَةُ؛ لِأَنَّ مَاءَهَا يُغَيِّرُ اللَّبَنَ وَحَكَى ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ أَنَّ أَصْلَ الْغِيلَةِ هَاهُنَا الضَّرَرُ يُقَالُ خِفْت غَائِلَةَ كَذَا أَيْ خِفْت ضَرَرَهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْوَطْءَ يُغِيلُ اللَّبَنَ بِمَعْنَى يُكْثِرُهُ وَإِذَا كَانَ لَهُ فِيهِ تَأْثِيرٌ بِالتَّكْثِيرِ جَازَ أَنْ يَكُونَ لَهُ تَأْثِيرٌ بِالتَّغْيِيرِ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ إنَّ الْغِيلَةَ أَنْ تُرْضِعَ الْمَرْأَةُ الْمُرْضِعُ وَلَدَهَا وَهِيَ حَامِلٌ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَنْهَى عَنْ الْغِيلَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ يَقْضِي وَيَأْمُرُ وَيَنْهَى بِمَا يُؤَدِّيهِ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ دُونَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَلِذَلِكَ هَمَّ أَنْ يَنْهَى عَنْ الْغِيلَةِ لَمَّا خَافَ مِنْ فَسَادِ أَجْسَادِ أُمَّتِهِ وَضَعْفِ قُوَّتِهِمْ مِنْ أَجَلِهَا حَتَّى ذَكَرَ أَنَّ فَارِسَ وَالرُّومَ تَفْعَلُ ذَلِكَ فَلَا يَضُرُّ أَوْلَادَهُمْ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَا يُرِيدُ أَنْ يَضُرَّ ضَرَرًا عَامًّا، وَإِنَّمَا يَضُرُّ فِي النَّادِرِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهُ رِفْقًا بِالنَّاسِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَشَقَّةِ عَلَى مَنْ لَهُ زَوْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَيَمْتَنِعُ مِنْ وَطْئِهَا مُدَّةً فَتَلْحَقُهُ بِذَلِكَ الْمَشَقَّةُ وَهَذِهِ مَشَقَّةٌ عَامَّةٌ فَكَانَتْ مُرَاعَاتُهَا أَرْفَقَ بِأُمَّتِهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ الْخَاصَّةِ الَّتِي لَا تَلْحَقُ إلَّا الْيَسِيرَ مِنْ الْأَطْفَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الْعَرَبُ تَتَّقِي وَطْءَ الْمُرْضِعِ أَنْ يَعُودَ مِنْ ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَى الْوَلَدِ صَرِيحٌ فِي جِسْمٍ أَوْ عِلَّةٌ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِذَا آجَرَتْ امْرَأَةٌ نَفْسَهَا فِي الرَّضَاعِ بِإِذْنِ زَوْجِهَا فَإِنَّ لِوَالِدِ الصَّبِيِّ أَنْ يَمْنَعَ زَوْجَهَا مِنْ وَطْئِهَا مُدَّةَ الرَّضَاعِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ أَصْبَغُ لَيْسَ ذَلِكَ إلَّا بِشَرْطٍ فِي أَصْلِ الْإِجَارَةِ أَوْ يَكْثُرُ ضَرَرُ الصَّبِيِّ بِهِ وَيَتَبَيَّنُ ذَلِكَ فَيُمْنَعُ.

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مِمَّا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ» قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ عَلَى هَذَا الْعَمَلُ) .

(ش) : قَوْلُهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَانَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ هَذَا الَّذِي ذَكَرَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ مِمَّا أَخْبَرَتْ عَنْ أَنَّهُ نَاسِخٌ أَوْ مَنْسُوخٌ لَا يَثْبُتُ قُرْآنًا؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ، وَأَمَّا خَبَرُ الْآحَادِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ قُرْآنٌ، وَهَذَا مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ الدَّاخِلَةِ فِي جُمْلَةِ الْغَرَائِبِ فَلَا يَثْبُتُ بِمِثْلِهِ قُرْآنٌ وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ بِمِثْلِهِ قُرْآنٌ فَمِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّ مَنْ ادَّعَى فِيهِ أَنَّهُ قُرْآنٌ وَتَضَمَّنَ حُكْمًا فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ ذَلِكَ الْحُكْمُ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ بِمَا يَثْبُتُ بِهِ الْقُرْآنُ مِنْ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ ثُبُوتُهُ فَرْعٌ عَنْ ثُبُوتِ الْخَبَرِ قُرْآنًا، وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَصِحُّ التَّعَلُّقُ بِهِ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهَا قَالَتْ أَنَّهُ كَانَتْ فِيهِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ وَلَا يَدُلُّ أَنَّ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ لَا يُحَرِّمْنَ إلَّا مِنْ جِهَةِ دَلِيلِ الْخِطَابِ، وَقَدْ قَرَّرْنَا أَنَّا لَا نَقُولُ بِهِ، وَلَوْ كُنَّا نَقُولُ بِهِ لَخَصَّصْنَاهُ وَعَدَلْنَا عَنْهُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَدِلَّتِنَا.

(فَصْلٌ) :

وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُرِيدَ بِقَوْلِهَا: ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ يُرِيدُ نُسِخَ اسْمُهَا وَتِلَاوَتُهَا دُونَ حُكْمِهَا بِأَنْ تُلِيَ مَكَانَ الْعَشْرِ الرَّضَعَاتِ خَمْسُ رَضَعَاتٍ، وَلِذَلِكَ لَمْ تَتَعَرَّضْ لِذِكْرِ الْحُكْمِ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَتْ عَنْ التِّلَاوَةِ فَقَالَتْ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ مِمَّا يُقْرَأُ وَلَمْ تَقُلْ وَهِيَ مِمَّا يُعْمَلُ بِهِ وَلَا يُحَرَّمُ بِمَا دُونَهُ وَلَا تُحْتَاجُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا فِي ثُبُوتِ التَّحْرِيمِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَيْسَ عَلَى هَذَا الْعَمَلُ يُرِيدُ لَيْسَ تَأْوِيلُ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ يُعْمَلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>