للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ مَنْ ابْتَاعَ وَلِيدَةً فَحَمَلَتْ أَوْ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ وَكُلَّ أَمْرٍ دَخَلَهُ الْفَوْتُ حَتَّى لَا يُسْتَطَاعَ رَدُّهُ فَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ قَدْ

ــ

[المنتقى]

فَهَذَا مَتَى اطَّلَعَ الْمُبْتَاعُ عَلَى عَيْبٍ فِي الْمَبِيعِ وَادَّعَى عِلْمَ الْبَائِعِ لَزِمَتْهُ الْيَمِينُ إنْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ الَّذِي اطَّلَعَ عَلَيْهِ الْمُبْتَاعُ لَا خِلَافَ فِي هَذَا عَلَى الْمَذْهَبِ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ عِلْمَ الْبَائِعِ بِهِ وَسَكَتَ عَنْ ذَلِكَ أَوْ قَالَ لَا عِلْمَ لِي بِهِ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَيْضًا مِنْ الْمَذْهَبِ لُزُومُ الْيَمِينِ لِلْبَائِعِ لِلْحُكْمِ بِبَرَاءَتِهِ مِنْ ذَلِكَ الْعَيْبِ، وَهَذَا الظَّاهِرُ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ؛ لِأَنَّ الْمُبْتَاعَ لَمْ يَدَّعِ الْعِلْمَ، وَإِنَّمَا قَالَ بِهِ دَاءٌ لَمْ تُسَمِّهِ لِي فَأَوْجَبَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ لِذَلِكَ الْيَمِينَ دُونَ أَنْ يُنْقَلَ إلَيْنَا فِي الْحَدِيثِ سُؤَالُهُ هَلْ يَدَّعِي الْعِلْمَ أَمْ لَا وَيَجِيءُ عَلَى رِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَدِّ الْيَمِينِ أَنْ لَا يَمِينَ لِلْمُبْتَاعِ عَلَى الْبَائِعِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَدَّعِيَ عِلْمَهُ بِالْعَيْبِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

رَوَى عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُزَنِيَّة يَحْلِفُ عَلَى عِلْمِهِ فِي الْعَيْبِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ إلَّا أَنْ يُسْتَدَلَّ بِأَمْرٍ لَا يُشَكُّ فِي كَذِبِهِ فَإِنَّهُ يُرَدُّ عَلَيْهِ بِقَوْلِ الْبَيِّنَةِ، وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ يَحْلِفُ عَلَى عِلْمِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَهِدَ بِأَنَّ الْعَيْبَ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ لَمْ يُرَدَّ عَلَيْهِ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ عَلِمَ بِهِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْوَرَثَةِ مَنْ يُظَنُّ بِهِ عِلْمُ ذَلِكَ مِنْ صِغَارِ الْوَرَثَةِ، ثُمَّ يَكْبَرُ فِي الظَّاهِرِ وَالْخَفِيِّ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ قَالَ أَصْبَغُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَظَاهِرُ اللَّفْظِ يَقْتَضِي عِنْدِي أَنَّهُ كَانَ صَغِيرًا يَعْلَمُ ذَلِكَ عِنْدَ التَّبَايُعِ فَلَمْ يَحْكُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَا وَقَعَ التَّنَازُعُ فِيهِ حَتَّى كَبِرَ، وَاَلَّذِي تَقْتَضِيه رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْأَيْمَانِ الَّتِي تَنْعَقِدُ عَلَى الْعِلْمِ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ الصَّغِيرَ وَلَا الْغَائِبَ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالصَّغِيرِ مِنْ لَا يَفْهَمُ الْأَمْرَ عِنْدَ وُقُوعِهِ لِصِغَرِهِ وَبَلَغَنِي أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ كَانَ يُوجِبُ الْأَيْمَانَ عَلَيْهِمَا وَيَقُولُ لَعَلَّهُ قَدْ بَلَغَهُمَا ذَلِكَ بِخَبَرِ مَنْ أَخْبَرَهُمَا حَتَّى يَتَيَقَّنَا كَمَا يَحْلِفَانِ مَعَ شَاهِدِهِمَا عَلَى مَا وَجَبَ لِمَوْرُوثِهِمَا مِنْ الْحُقُوقِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ نَكَلَ الْبَائِعُ عَنْ الْيَمِينِ رَدَّ ثَمَنَ الْمَبِيعِ عَلَى الْمُبْتَاعِ وَلَمْ يَلْزَمْ الْمُبْتَاعَ يَمِينٌ قَالَهُ مَالِكٌ وَجَمَاعَةُ أَصْحَابِهِ، وَرَوَى يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ تَلْزَمُهُ الْيَمِينُ، وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْمُبْتَاعَ لَمْ يَدَّعِ أَمْرًا يَرُدُّ عَلَيْهِ فِيهِ الْيَمِينَ، وَإِنَّمَا قَامَ بِعَيْبٍ مَوْجُودٍ لَمْ يَبْرَأْ إلَيْهِ مِنْهُ وَاَلَّذِي يُبْرِئُ الْبَائِعَ مِنْ ذَلِكَ الْعَيْبِ الْيَمِينُ الْمَذْكُورَةُ فَإِذَا نَكَلَ عَنْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهَا، وَوَجْهُ رِوَايَةِ يَحْيَى أَنَّ الْيَمِينَ فِي الرَّدِّ بِالْعُيُوبِ إذَا ثَبَتَ لَهَا مَحَلٌّ فَحُكْمُهَا أَنْ تُنْقَلَ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ كَسَائِرِ الْأَيْمَانِ الْمُعَلَّقَةِ بِهَا.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَهَذَا فِيمَا تُيُقِّنَ مِنْ الْعُيُوبِ أَنَّهُ أَقْدَمُ مِنْ زَمَنِ التَّبَايُعِ وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَمُطَرِّفٍ، وَرَوَى يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَحْلِفُ الْبَائِعُ عَلَى عِلْمِهِ كَمَا يَحْلِفُ فِيمَا تُيُقِّنَ قِدَمُهُ، وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَحْلَفُ عَلَى عِلْمِهِ فِي حِينِ التَّبَايُعِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُسْتَحْلَفَ عَلَى تَعَلُّقِ عِلْمِهِ بِهِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ نَفْيَ تَعَلُّقِ عِلْمِهِ بِالْعَيْبِ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ يَمِينِهِ، فَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا حِينَ التَّبَايُعِ فَهُوَ الْيَمِينُ الْمُتَّفَقُ عَلَى إثْبَاتِهَا، وَإِنْ كَانَ حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ فَغَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي يَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ الْبَيْعِ بِالْبَرَاءَةِ فَأَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ فَهَذَا رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ إنْ وَجَدَ الْمُبْتَاعُ عَيْبًا، وَهَذَا عِنْدِي مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ اشْتِرَاطِ التَّصْدِيقِ فِي الْقَضَاءِ وَغَيْرِهِ فَمَنْ جَوَّزَ اشْتِرَاطَ التَّصْدِيقِ دُونَ يَمِينٍ قَضَى هَاهُنَا بِأَنْ لَا يَمِينَ عَلَى الْبَائِعِ، وَمَنْ لَا يُجَوِّزُ اشْتِرَاطَ التَّصْدِيقِ فَالْيَمِينُ لَازِمَةٌ لَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَأَبَى عَبْدُ اللَّه أَنْ يَحْلِفَ وَارْتَجَعَ الْعَبْدَ لَمْ يَكُنْ إبَاؤُهُ عَنْ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ دَلَّسَ بِعَيْبِهِ، وَعِلْمُهُ وَفَهْمُهُ يَقْتَضِي مَعْرِفَتَهُ بِأَنْ لَا إثْمَ فِي يَمِينٍ بَارَّةٍ، وَلَكِنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّ الْبَيْعَ بِالْبَرَاءَةِ يُبْرِئُهُ مِمَّا عَلِمَ وَمَا لَمْ يَعْلَمْ، وَالثَّانِي التَّصَاوُنُ عَنْ اقْتِطَاعِ الْحُقُوقِ بِالْأَيْمَانِ وَهَكَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ ذَوِي الْأَنْسَابِ وَالْأَقْدَارِ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ هَذَا مِمَّا أَجْمَعَ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الْمَدِينَةِ، وَجَمِيعُ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ أَنَّ مَنْ ابْتَاعَ شَيْئًا فَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ يُمْكِنُ التَّدْلِيسُ بِهِ فَإِنَّ لَهُ الرُّجُوعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ عَلَى تَفْسِيرٍ يَأْتِي بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَذَلِكَ أَنَّ الْعُيُوبَ عَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ يُمْكِنُ الْبَائِعَ مَعْرِفَتُهُ وَالثَّانِي لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ، فَأَمَّا مَا يُمْكِن الْبَائِعَ مَعْرِفَتُهُ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ عَلَى الْبَائِعِ فِيهِ بِحُكْمِ تَدْلِيسِهِ بِهِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَلَا يُفْسِدُ تَدْلِيسَهُ بِهِ الْعَيْبُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِذَلِكَ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ الْمُصَرَّاةِ الَّذِي يَأْتِي بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْأَصْلِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَا تُصِرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا إنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ» فَأَثْبَتَ لَهُ إمْسَاكَهَا إنْ رَضِيَهَا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْعَقْدِ، وَلَوْ كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا لَمْ يَكُنْ لَهُ إمْسَاكُهَا، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ نَقْصَ الْمَبِيعِ عَمَّا عُقِدَ عَلَيْهِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى رِزْمَةً عَلَى أَنَّ فِيهَا عَشْرَةَ أَثْوَابٍ فَأَلْفَاهَا تِسْعَةً أَوْ اشْتَرَى صُبْرَةً عَلَى أَنَّ فِيهَا عَشْرَةَ أَرَادِبَ فَأَلْفَاهَا تِسْعَةً.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُبْتَاعَ إذَا اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ بِحَبْسِهِ لَمْ تَدْخُلْهُ زِيَادَةٌ وَلَا نُقْصَانٌ وَالثَّانِي: أَنْ يَدْخُلَهُ ذَلِكَ وَلَمْ تَفُتْ عَيْنُهُ وَالثَّالِثُ: أَنْ تَفُوتَ عَيْنُهُ، فَأَمَّا الْحَالُ الْأُولَى فَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ وَيَرْجِعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ يُمْسِكَهُ مَعِيبًا وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ الْمُصَرَّاةِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ» .

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِذَا ابْتَاعَ رَجُلَانِ عَبْدًا فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَاطَّلَعَا عَلَى عَيْبٍ ثَبَتَ لَهُمَا خِيَارُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، فَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا الرَّدَّ وَأَبَى مِنْهُ الثَّانِي فَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا لَهُ ذَلِكَ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَبِهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَشْتَمِلُ عَلَى ثَلَاثَةِ فُصُولٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ بَيْعَ الْوَاحِدِ مِنْ اثْنَيْنِ بِمَنْزِلَةِ عَقْدَيْنِ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَبِمَنْزِلَةِ عَقْدٍ وَاحِدٍ عَلَى رِوَايَةِ أَشْهَبَ وَالْفَصْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْبَائِعَ إذَا أَوْجَبَ لَهُمَا فَإِنَّ لِأَحَدِهِمَا الْقَبُولَ دُونَ الثَّانِي عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى رِوَايَةِ أَشْهَبَ وَالْفَصْلُ الثَّالِثُ: تَعْيِينُ الْمَسْأَلَةِ.

فَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذَا عَقْدٌ فِي أَحَدِ طَرَفَيْهِ عَاقِدَانِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْعَقْدَيْنِ أَصْلُهُ إذَا بَاعَ اثْنَانِ مِنْ وَاحِدٍ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا وَجَبَ فِي جَمِيعِ الْعَقْدِ فَلَا يَجُوزُ لِمَنْ ابْتَاعَ مِنْهُ أَنْ يَقْبَلَ بَعْضَهُ كَالْوَاجِبِ فِيهِ لِوَاحِدٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ بَعْضَهُ.

(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَلَا تَفْرِيعَ فِيهِ وَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ أَشْهَبَ فَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا الرَّدَّ وَأَرَادَ الْآخِرُ الْإِمْسَاكَ، فَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ فَلَا مِرْيَةَ أَنَّ لِمَنْ لَمْ يُرِدْ الرَّدَّ التَّمَسُّكَ بِحَقِّهِ وَيَكُونُ الْبَائِعُ شَرِيكَهُ فِيمَا رَدَّهُ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي الْآخَرُ وَلَيْسَ لِلْمُتَمَسِّكِ أَنْ يَأْخُذَ بِعَيْبِ الرَّادِّ؛ لِأَنَّ الرَّادَّ مَلَكَهُ فَلَمَّا رَدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ انْتَقَضَ الْبَيْعُ فِيهِ فَيَرْجِعُ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ وَلَيْسَ لِلْمُتَمَسِّكِ طَرِيقٌ إلَى مِلْكِهِ فَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ، وَإِنْ أَبَى الْبَائِعُ مِنْ تَبْعِيضِ صَفْقَتِهِ فَقَالَ أَشْهَبُ الْقِيَاسُ فِي مَسْأَلَةِ وَرَثَةِ الْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّا جَمِيعًا أَوْ يُمْسِكَا جَمِيعًا وَاسْتُحْسِنَ لِمَنْ أَرَادَ التَّمَسُّكَ وَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ الرَّادِّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَهُ.

وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَا كَلَامَ لِلْبَائِعِ إذَا لَمْ يُرِدْ أَخْذَ نَصِيبِ الرَّادِّ دُونَ التَّمَسُّكِ وَلِلْمُتَمَسِّكِ أَخْذُ نَصِيبِ الرَّادِّ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إذَا أَبَى أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ مِنْ الرَّدِّ مَعَ صَاحِبِهِ لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِهِ الرَّدُّ وَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ، وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ إذَا رَدَّ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَنْ يُقَالَ لِلْبَائِعِ إمَّا أَنْ تُجِيزَ لَهُ رَدَّ نَصِيبِهِ وَإِمَّا أَنْ تَرُدَّ عَلَيْهِ مَا يُصِيبُهُ مِنْ قِيمَةِ الْعَيْبِ مِثْلَ مَا حَكَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الَّذِي يَشْتَرِي عَبْدًا فَيَبِيعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>