للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى شَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعَهَا وَلَا يَهَبَهَا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَطَأَهَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا وَلَا أَنْ يَهَبَهَا، فَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ مِنْهَا ذَلِكَ فَلَمْ يَمْلِكْهَا مِلْكًا تَامًّا؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَثْنَى عَلَيْهِ فِيهَا مَا مِلْكُهُ بِيَدِ غَيْرِهِ فَإِذَا دَخَلَ هَذَا الشَّرْطُ لَمْ يَصْلُحْ وَكَانَ بَيْعًا مَكْرُوهًا) .

ــ

[المنتقى]

الْبَيْعُ إلَّا أَنْ يَتْرُكَ الْمُشْتَرِطُ مَا شَرَطَ، وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ لَهُ إسْقَاطُ الشَّرْطِ وَيُفْسَخُ الْعَقْدُ مَا لَمْ يَفُتْ، وَرَوَى دَاوُد بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُزَنِيَّة لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ السِّلَعِ لِمَا يَحْدُثُ فِي ذَلِكَ مِنْ الدَّيْنِ وَالْحَاجَةُ تَنْزِلُ بِالْمُبْتَاعِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ فَلِذَلِكَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَقُولُ لَا يَطَأُ الرَّجُلُ وَلِيدَةً إلَّا وَلِيدَةً إنْ شَاءَ بَاعَهَا، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، وَإِنْ شَاءَ وَهَبَهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهَا بِذَلِكَ كُلِّهِ فَمِلْكُهُ عَلَيْهَا غَيْرُ صَحِيحٍ فَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ إلَّا أَنَّهُ إذَا لَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ فِيهَا بِالْفَوَاتِ جَازَ لَهُ وَطْؤُهَا حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ مِلْكُهُ عَلَيْهَا، فَإِنْ وَطِئَهَا قَبْلَ أَنْ تَفُوتَ عِنْدَهُ وَيَصِحُّ مِلْكُهُ عَلَيْهَا كَانَ ذَلِكَ فَوْتًا لِلْبَيْعِ الْفَاسِدِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمَنْ ابْتَاعَ جَارِيَةً فَقَالَ لَهُ أَبُو الْجَارِيَةِ ابْتَعْهَا وَأَنَا أُعِينُك فِي ثَمَنِهَا بِكَذَا وَكَذَا دِينَارًا عَلَى أَنْ تَحْبِسَهَا وَلَا تَبِيعَهَا فَأَخَذَ ذَلِكَ مِنْ أَبِيهَا، ثُمَّ ابْتَاعَهَا عَلَى هَذَا الشَّرْطِ فَإِنَّ الْبَيْعَ قَدْ سَلِمَ مِمَّا يُكْرَهُ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَهَا رَدَّ عَلَى أَبِيهَا مَا أَخَذَ مِنْهُ قَالَهُ ابْنُ كِنَانَةَ فِي الْمُزَنِيَّة وَرَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِم.

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى شَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعَهَا وَلَا يَهَبَهَا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَطَأَهَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا وَلَا أَنْ يَهَبَهَا، فَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ مِنْهَا ذَلِكَ فَلَمْ يَمْلِكْهَا مِلْكًا تَامًّا؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَثْنَى عَلَيْهِ فِيهَا مَا مِلْكُهُ بِيَدِ غَيْرِهِ فَإِذَا دَخَلَ هَذَا الشَّرْطُ لَمْ يَصْلُحْ وَكَانَ بَيْعًا مَكْرُوهًا) .

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ ابْتَاعَ جَارِيَةً عَلَى شَرْطٍ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ فَإِنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَتِمَّ فِيهَا وَالْبَيْعُ مُقْتَضَاهُ الْمِلْكُ التَّامُّ، فَإِذَا شَرَطَ عَلَيْهِ فِيهِ مَا يَمْنَعُهُ صِحَّةَ الْمِلْكِ وَجَبَ أَنْ يُفْسِدَهُ كَاشْتِرَاطِ عَدَمِ التَّسْلِيمِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْعِتْقُ فَإِنَّ الْعِتْقَ إذَا كَانَ مُعَجَّلًا لَمْ يَكُنْ لَهُ الْوَطْءُ، وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا لَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَهَذَا إنْ شَرَطَ أَنْ لَا يَبِيعَهَا جُمْلَةً، وَأَمَّا إنْ شَرَطَ أَنْ لَا يَبِيعَهَا وَلَا يَهَبَ وَلَا يُعْتِقَ حَتَّى يُعْطِيَهُ الثَّمَنَ فَقَدْ رَوَى دَاوُد عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُزَنِيَّة أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ فِي الْعَبْدِ وَالْوَلِيدَةِ وَسَائِرِ السِّلَعِ وَلَهُ أَنْ يَرْتَهِنَ الْغُلَامَ أَوْ السِّلْعَةَ وَيَحُوزَهَا بِمَا يُحَازُ بِهِ الْمَرْهُونُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ جَوَازَ ذَلِكَ فِي السِّلَعِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ، وَهَذَا فِي مِثْلِ الْأَجَلِ الْقَصِيرِ الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ اسْتِحْسَانٌ أَيْضًا، وَأَمَّا مَا طَالَ أَوْ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ فَلَا خَيْرَ فِيهِ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ فِي الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَالْوَلِيدَةِ وَسَائِرِ السِّلَعِ إذَا كَانَ الثَّمَنُ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الرَّهْنِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إذَا اشْتَرَطَ فِي شَيْءٍ مِنْ السِّلَعِ أَنْ لَا يَبِيعَ وَلَا يَهَبَ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ فَلَا خَيْرَ فِي هَذَا الْبَيْعِ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ لَهَا حُكْمَ الرَّهْنِ إذَا جَازَ لَهُ أَنْ يَرْتَهِنَ غَيْرَ الْمَبِيعِ جَازَ أَنْ يَرْتَهِنَ الْمَبِيعَ مَعَ أَنَّ الْمُبْتَاعَ قَادِرٌ عَلَى التَّصَرُّفِ فِيهَا بِأَنْ يُقْضَى الثَّمَنُ وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ هَذَا بَيْعٌ فَجَازَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَمْنَعَ الْمُبْتَاعَ مِنْ الْمَبِيعِ حَتَّى يَدْفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ كَبَيْعِ النَّقْدِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ شَرْطٌ يَمْنَعُ الْمُبْتَاعَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ الْمُدَّةَ الْبَعِيدَةَ الَّتِي لَا يَجُوزُ لِلْبَائِعِ اشْتِرَاطُ الْمَنْفَعَةِ فِيهَا فَوَجَبَ أَنْ يَمْنَعَ ذَلِكَ صِحَّةَ الْبَيْعِ كَمَا لَوْ شَرَطَ ذَلِكَ بَعْدَ الِانْتِفَاءِ.

(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ مَالِكٍ فَقَدْ رَوَى دَاوُد بْنُ دِينَارٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ لِلْمَبِيعِ حُكْمَ الرَّهْنِ وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَرْتَهِنَ الْغُلَامَ أَوْ السِّلْعَةَ وَيَحُوزَهَا بِمَا يُحَازُ بِهِ الْمَرْهُونُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ، وَإِنْ قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ شَرَطَ ذَلِكَ فِي بَيْعِ سَفِينَةٍ يُفْسَخُ الْبَيْعُ مَا لَمْ يَفُتْ، فَإِنْ فَاتَ مَضَى الْبَيْعُ وَلَمْ يُرَدَّ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا وَلَا يَهَبَهَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ الصَّحِيحَ لَا يُفِيتُ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ الشَّرْطَ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ مَمْنُوعٌ إلَّا أَنَّهُ إنْ أَوْقَعَهُ فَاتَ بِهِ الْبَيْعُ كَوَطْءِ الْأَمَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>