للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

وَحُلِيِّ النِّسَاءِ يَكُونُ فِيهِ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ فَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ أَنَّهُ مُبَاحٌ اتِّخَاذُهُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ خَاتَمُهُ مِنْ فِضَّةٍ وَكَانَ فَصُّهُ مِنْهُ» ، وَأَمَّا الْمُصْحَفُ وَالسَّيْفُ وَالْخَاتَمُ لِلرِّجَالِ مُحَلًّى شَيْءٌ مِنْهُ بِالذَّهَبِ فَإِنَّ ظَاهِرَ هَذَا اللَّفْظِ يَقْتَضِي إبَاحَةَ ذَلِكَ فِي الْمُصْحَفِ وَالسَّيْفِ وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ فِي الْخَاتَمِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ خَاتَمَ النِّسَاءِ وَعَلَى ذَلِكَ اخْتَصَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَجْعَلَ فِي خَاتَمِهِ مِسْمَارَ ذَهَبٍ أَوْ يَخِيطَ بِقَبْضَتِهِ مِنْهُ حَبَّةً أَوَحَبَّتَيْنِ لِئَلَّا يَصْدَأَ وَهَذَا أَخَفُّ مِنْ اتِّخَاذِهِ مِنْ مَحْضِ الذَّهَبِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ الذَّهَبِ فِي حُلِيِّ الرِّجَالِ فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَجُوزُ فِي حُلِيِّ السَّيْفِ وَالْمُصْحَفِ وَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي حُلِيِّ النِّسَاءِ وَخَوَاتِمِهِمْ وَلَا يَجُوزُ فِي خَوَاتِمِ الرِّجَالِ وَالدَّلِيلُ عَلَى بَيْعِهِ فِي خَوَاتِمِ الرِّجَالِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «نَهَى عَنْ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ السَّيْفَ وَالْمُصْحَفَ مِمَّا يَخْتَصُّ بِالرِّجَالِ فَلِذَلِكَ جَازَ أَنْ يُحَلَّى بِالذَّهَبِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي التَّحَلِّي بِهِ مُشَارَكَةٌ لِلنِّسَاءِ وَلَا مُسَاوَاةٌ لَهُنَّ فِي بَابِ التَّحَلِّي بِهِ، وَأَمَّا الْخَاتَمُ فَإِنَّهُ مِمَّا يَتَحَلَّى بِهِ النِّسَاءُ كَمَا يَتَحَلَّى بِهِ الرِّجَالُ فَمُنِعَ الرِّجَالُ مِنْ الذَّهَبِ وَأُبِيحَ لِلنِّسَاءِ؛ لِأَنَّ بَابَ التَّحَلِّي مَبْنِيٌّ عَلَى نَفْيِ الْمُسَاوَاةِ، وَأَمَّا الْمُصْحَفُ فَلَيْسَ مِنْ بَابِ التَّحَلِّي بَلْ بَابُهُ مَمْنُوعٌ وَهُوَ اتِّخَاذُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِيمَا يُسْتَعْمَلُ مِمَّا لَيْسَ بِحُلِيٍّ لِلْجَسَدِ وَذَلِكَ كُلُّهُ مَمْنُوعٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ كَأَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْمَكَاحِلِ وَالْمَجَامِرِ وَالْمَدَاهِنِ مِنْهُ مَا يَخُصُّ الْمُصْحَفَ لِتَعْظِيمِ أَمْرِهِ كَمَا فِي مَفَاتِيحِ الْكَعْبَةِ وَالْكِسْوَةِ دُونَ سَائِرِ الْبُيُوتِ عَلَى سَبِيلِ التَّعَظُّمِ وَذَلِكَ لَا يُقَالُ فِيهِ إنَّهُ مِنْ حُلِيِّ الرِّجَالِ وَلَا مِنْ حُلِيِّ النِّسَاءِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ حُلِيِّ الْمُصْحَفِ فَاسْتَوَى فِي ذَلِكَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَسَنَذْكُرُ حُكْمَ ذَلِكَ بِأَوْعَبَ مِنْ هَذَا فِي بَابِ الْجَامِعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ أَضَافَ إلَى ذَلِكَ ابْنُ حَبِيبٍ الْمَنَاطِقَ وَالْأَسْلِحَةَ كُلَّهَا إذَا كَانَتْ مُفَضَّضَةً فَهِيَ كَالسَّيْفِ فِي ذَلِكَ.

(فَصْلٌ) :

وَالشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ مَا فِيهِ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ تَبَعًا لِقِيمَةِ الْمُحَلَّى وَبِمَا تَكُونُ الْمُوَازَنَةُ مِنْ الْحُلِيِّ بِقِيمَتِهِ أَوْ وَزْنِ مَا فِيهِ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمُوَازَنَةَ بِوَزْنِ الْحُلِيِّ وَقِيمَةِ الْمُحَلَّى وَقَدْ رَأَيْته نَصًّا لِبَعْضِ شُيُوخِ الْقَرَوِيِّينَ وَلَفْظُ الْمُوَطَّأِ ثَابِتٌ فَإِنْ كَانَ قِيمَةُ ذَلِكَ الثُّلُثَ وَقِيمَةُ مَا فِيهِ مِنْ الذَّهَبِ الثُّلُثَيْنِ فَهَذَا يَقْتَضِي اعْتِبَارَ قِيمَةِ الْحُلِيِّ دُونَ وَزْنِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَجَوُّزًا فِي عِبَارَةٍ فَهَذَا خِلَافُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَالصَّوَابُ فِي ذَلِكَ الِاعْتِبَارُ بِالْوَزْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ حُكْمٍ يُعْتَبَرُ فِي تَحْلِيلِ بَيْعِ الذَّهَبِ وَتَحْرِيمِهِ فَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ بِوَزْنِهِ دُونَ قِيمَتِهِ كَالتَّسَاوِي وَالتَّفَاضُلِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَكَمْ الْمِقْدَارُ الَّذِي إذَا بَلَغَهُ كَانَ تَبَعًا وَإِذَا تَجَاوَزَهُ لَمْ يَكُنْ تَبَعًا لَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُنَا فِي النَّصِّ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي أَنَّ الثُّلُثَ وَمَا دُونَهُ فِي حُكْمِ التَّبَعِ وَأَنَّ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَلَيْسَ بِتَبَعٍ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ مَالِكٍ فِيمَنْ أَعْطَى دِرْهَمًا وَأَخَذَ نِصْفَهُ دِرْهَمًا صَغِيرًا قَدْ كُنَّا نَكْرَهُهُ وَنَحْنُ نُجِيزُهُ الْآنَ.

فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ التُّسْعُ النِّصْفَ فَأَقَلَّ وَبِالزِّيَادَةِ عَلَى النِّصْفِ يَخْرُجُ عَنْ حَدِّ التَّبَعِ؛ لِأَنَّ الْمُجَوِّزَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ إنَّمَا هُوَ لِمَعْنَى الضَّرُورَةِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ مَنْ يَذْهَبُ إلَى أَنَّ النِّصْفَ فِي حَيِّزِ الْقَلِيلِ وَتَعَلَّقَ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا} [المزمل: ٢] {نِصْفَهُ} [المزمل: ٣] وَأَنَّ النِّصْفَ بَدَلٌ مِنْ الْقَلِيلِ.

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا الشَّرْطُ الثَّالِثُ فَأَنْ يَكُونَ الْحُلِيُّ مُرْتَبِطًا بِالْمُحَلَّى ارْتِبَاطًا فِي إزَالَتِهِ مَضَرَّةٌ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى إزَالَتِهِ مِنْ الْمَبِيعِ وَتَمْيِيزِهِ إلَّا بِمَضَرَّةٍ لَاحِقَةٍ فَأَمَّا مَا كَانَ فِي نَقْصِهِ كَسْرٌ لِصِيَاغَتِهِ كَالْفُصُوصِ الْمَصُوغِ عَلَيْهَا الْحُلِيُّ، وَالْمَصَاحِفِ الَّتِي فِيهَا مَسَامِيرُ الْفِضَّةِ وَحِلْيَةِ السَّيْفِ الَّتِي تَسْتَمِرُّ فِي حَائِلِهِ وَجَعْبَتِهِ فَهَذَا مِمَّا يُبِيحُ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ مِنْ الْقَلَائِدِ الَّتِي لَا يَفْسُدُ غَيْرُ نَظْمِهَا بِتَمَيُّزِ قَلَائِدِهَا فَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>