للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ إذَا اصْطَرَفَ الرَّجُلُ دَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ ثُمَّ وَجَدَ فِيهَا دِرْهَمًا زَائِفًا فَأَرَادَ رَدَّهُ اُنْتُقِضَ صَرْفُ الدِّينَارِ وَرَدَّ إلَيْهِ وَرِقَهُ وَأَخَذَ إلَيْهِ دِينَارَهُ وَتَفْسِيرُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ» وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَإِنْ اسْتَنْظَرَك إلَى أَنْ يَلِجَ بَيْتَهُ فَلَا تَنْظُرْهُ وَهُوَ إذَا رَدَّ عَلَيْهِ دِرْهَمًا مِنْ صَرْفٍ بَعْدَ أَنْ يُفَارِقَهُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ أَوْ الشَّيْءِ الْمُتَأَخِّرِ فَلِذَلِكَ كَرِهَ ذَلِكَ وَانْتَقَضَ الصَّرْفَ وَإِنَّمَا أَرَادَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ لَا يُبَاعَ الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ وَالطَّعَامُ كُلُّهُ عَاجِلًا بِآجِلٍ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ تَأْخِيرٌ وَلَا نَظِرَةٌ وَإِنْ كَانَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ أَوْ كَانَ مُخْتَلِفَةٌ أَصْنَافُهُ)

ــ

[المنتقى]

الْإِعْرَاضِ عَنْهُ وَالِاشْتِغَالِ بِغَيْرِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِمَا إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَرِقُ بِالذَّهَبِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا صَرْفٌ تَأَخَّرَ الْقَبْضُ فِيهِ عَنْ الْعَقْدِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَصِحَّ كَمَا لَوْ قَامَا مِنْ مَجْلِسِهِمَا.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ أَنَّ حُكْمَ النَّقْدِ اتِّصَالُهُ بِالْعَقْدِ فَإِنَّ مِنْ حُكْمِهِ حُضُورُ الْعِوَضَيْنِ حَالَ الْعَقْدِ وَالنَّقْدِ فَأَمَّا الْعَقْدُ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ، وَأَمَّا حُضُورُهُمَا حِينَ الْعَقْدِ فَلَازِمٌ أَيْضًا وَلَوْ أَنَّ الْمُتَصَارِفَيْنِ عَقَدَا الصَّرْفَ بِحَضْرَةِ الْعِوَضَيْنِ ثُمَّ قَبَضَ أَحَدُهُمَا الدَّنَانِيرَ فَأَنْفَذهَا إلَى بَيْتِهِ ثُمَّ قَبَضَ الدَّرَاهِمَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ.

وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ مَنْ ابْتَاعَ خَلْخَالَ فِضَّةٍ بِدَنَانِيرَ فَاسْتُحِقَّتْ وَقَدْ أَنْفَذَ بِهَا إلَى بَيْتِهِ فَأَرَادَ الْمُسْتَحِقُّ أَنْ يُجِيزَ الْبَيْعَ وَأَرَادَ هُوَ أَنْ يَنْقُدَهُ مِنْ عِنْدِهِ الثَّمَنَ وَيَتْبَعَ الْبَائِعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَلَوْ حَضَرَ الْخَلْخَالُ جَازَ ذَلِكَ.

وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ إنَّ هَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ مَفْسُوخٌ؛ لِأَنَّ لِمُسْتَحِقِّهَا فِي ذَلِكَ الْخِيَارُ فَجَوَّزَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إمْضَاءَ الْمُسْتَحِقِّ الْبَيْعَ مَعَ حُضُورِ الْخَلْخَالِ مِنْ التَّجْوِيزِ وَالنَّقْدِ وَمَنَعَ ذَلِكَ مَعَ غَيْبَتِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالنَّقْدِ وَجَوَّزَ ذَلِكَ فِي الْغَاصِبِ يَشْتَرِي الدَّنَانِيرَ مِمَّنْ غَصَبَهَا مِنْهُ وَهِيَ غَائِبَةٌ عَنْهُ لَمَّا لَمْ تَكُنْ مُعَيَّنَةً بِالْغَصْبِ وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ إنْ حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الصَّرْفَ مَوْقُوفٌ عَلَى الْفَسْخِ لَا عَلَى الْإِجَازَةِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ إمْضَاءَهُ كَوُجُودِ الرَّدِيءِ فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ فَسْخَ الْعَقْدِ إنْ رَضِيَ بِهِ الَّذِي وَجَدَ الرَّدِيءَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَوْ كَانَ فِي حُكْمِ الْحَاضِرِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَأْخُذَ الصَّرَّافُ الدِّينَارَ فَيُدْخِلَهُ فِي كُمِّهِ أَوْ تَابُوتِهِ ثُمَّ يَقْضِيَ عِوَضَهُ وَيَبِيعَهُ مِنْ غَيْرِهِ فِي الْمَجْلِسِ ثُمَّ يَقْتَضِيَ عِوَضَهُ قَبْلَ مَغِيبِهِ وَقَبْلَ التَّفَرُّقِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ لِمُضَارَعَتِهِ مَعِيبَ مَا حُضُورُهُ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الصَّرْفَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُنَاجَزَةِ وَالْمُفَاصَلَةِ فِي الْفَوْرِ فَإِذَا تَصَارَفَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَفْتَرِقَا عَنْ تَنَاجُزٍ وَإِذَا قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ إنْ وَجَدْت عَيْبًا رَدَدْته إلَيْك فَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَيَرُدُّ هَذَا الصَّرْفَ وَإِنْ وَجَدَهَا خِيَارًا كُلَّهَا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ الدَّرَاهِمَ عَلَى وَجْهِ الْحِيَازَةِ لَهَا وَإِنَّمَا أَخَذَهَا مُؤْتَمِنًا عَلَيْهَا لِرَبِّهَا وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْهُ عَلَى التَّصْدِيقِ فِي جَوْدَتِهَا وَوَزْنِهَا وَلَا يُفَارِقُهُ إلَّا عَلَى نِهَايَةِ مَا يُمْكِنُ مِنْ الِانْتِجَازِ فَإِنْ قَبَضَهَا وَتَفَرَّقَا عَلَى رُؤْيَةٍ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْعَقْدَ يُنْتَقَضُ وَإِنْ أَصَابَهَا كَمَا قَالَ وَحَكَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ جَائِزٌ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ تَرْكِ إكْمَالِ عَمَلِ الصَّرْفِ كَمَا لَوْ ائْتَمَنَهُ دَافِعُ الدَّنَانِيرِ عَلَى انْتِقَادِهَا وَوَزْنِهَا وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ الْعَمَلِ إلَّا مَا لَا يُمْكِنُ قَطْعُهُ بِالْوَزْنِ وَالِانْتِقَادِ وَهُوَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الدَّافِعِ وَإِنَّمَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ وَيَمْنَعُ الِانْتِجَازَ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْقَابِضِ؛ لِأَنَّ هَذَا حُكْمُ مَا لَمْ يُتَنَجَّزْ فِيهِ الْقَبْضُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ أَخَذَهَا بَعْدَ الْوَزْنِ وَالِانْتِقَادِ فَوَجَدَهَا تَنْقُصُ فَإِنَّ النَّقْصَ عَلَى ضَرْبَيْنِ نَقْصٌ فِي الْوَزْنِ وَنَقْصٌ فِي الصِّفَةِ فَأَمَّا النَّقْصُ فِي الْوَزْنِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَجِدَهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ عَلِمَ بِهِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَرْضَى بِهِ أَوْ يَأْخُذَ بِهِ مَا شَاءَ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>