للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا نَهَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَابْنُ شِهَابٍ عَنْ أَنْ لَا يَبِيعَ الرَّجُلُ حِنْطَةً بِذَهَبٍ ثُمَّ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ بِالذَّهَبِ تَمْرًا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الذَّهَبَ مِنْ بَائِعِهِ الَّذِي اشْتَرَى مِنْهُ الْحِنْطَةَ فَأَمَّا أَنْ يَشْتَرِيَ بِالذَّهَبِ الَّتِي بَاعَ بِهَا الْحِنْطَةَ إلَى أَجَلٍ تَمْرًا مِنْ غَيْرِ بَائِعِهِ الَّذِي بَاعَ مِنْهُ الْحِنْطَةَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الذَّهَبَ وَيُحِيلَ الَّذِي اشْتَرَى مِنْهُ التَّمْرَ عَلَى غَرِيمِهِ الَّذِي بَاعَ مِنْهُ الْحِنْطَةَ بِالذَّهَبِ الَّتِي لَهُ عَلَيْهِ فِي ثَمَنِ التَّمْرِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَقَدْ سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَلَمْ يَرَوْا بِهِ بَأْسًا)

ــ

[المنتقى]

لَا يَجُوزُ مِنْهَا أَنْ يُبَاعَ بِدَرَاهِمَ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ يَأْخُذَ بِالدَّرَاهِمِ تَمْرًا فَأَنَا أَعْتَقِدُ أَنَّهُ قَصَدَ بَيْعَ حِنْطَةٍ بِالدَّرَاهِمِ إلَى أَجَلٍ فَبَيْعُهُ لِطَعَامِهِ عَلَى ذَلِكَ بَيْعٌ مَكْرُوهٌ لِأَجْلِ الْأَجَلِ وَلَوْلَا الْأَجَلُ مَا حَرُمَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ بِثَمَنٍ ثُمَّ أَخَذَ فِيهِ تَمْرًا قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا لَكَانَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي جَوَازَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(فَصْلٌ) :

وَنَهْيُهُمْ عَنْ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ حِنْطَةً يَقْبِضُ بِثَمَنِهَا بَعْدَ افْتِرَاقِهِمَا تَمْرًا قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ أَنَّهُ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ إلَى أَجَلٍ وَفِي ذَلِكَ مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ نِسَاءً وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُ إذَا بَاعَ طَعَامًا لَمْ يَأْخُذْ مِنْ ثَمَنِهِ طَعَامًا فَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ إلَّا يَدًا بِيَدٍ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ جِنْسَيْنِ مُقْتَاتٍ أَوْ غَيْرِ مُقْتَاتٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمَنْ بَاعَ مَطْعُومًا بِتَمْرٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ ثَمَنِهِ طَعَامًا إلَّا فِي الْمَجْلِسِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ فَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ إلَى أَجَلٍ أَوْ بِالنَّقْدِ فَافْتَرَقَا مِنْ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ لَمْ يَجُزْ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَأْخُذَ بِهِ طَعَامًا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَجَازَ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ مِنْ ثَمَنِ الطَّعَامِ طَعَامًا إذَا لَمْ يُفَارِقْهُ حَتَّى يَقْبِضَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا يَقُولُهُ أَنَّ هَذَا أَخَذَ بِالطَّعَامِ طَعَامًا غَيْرَ يَدٍ بِيَدٍ فَلَمْ يَجُزْ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا بَاعَهُ الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ وَافْتَرَقَا قَبْلَ التَّقَابُضِ.

(فَرْعٌ) وَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَأْخُذَ مِنْ غَيْرِ صِفَةِ الطَّعَامِ الَّذِي بَاعَ وَالثَّانِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْ صِفَتِهِ فَأَمَّا أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِ صِفَتِهِ فَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ، وَأَمَّا إنْ أَخَذَ مِنْهُ طَعَامًا عَلَى صِفَتِهِ فِي الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالْجَوْدَةِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَأْخُذَ مَكِيلَةَ مَا بَاعَ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ فَإِنْ أَخَذَ مَكِيلَتَهُ جَازَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُؤَوَّلُ إلَى الْقَرْضِ وَهُوَ جَائِزٌ أَنْ يُسْلِفَ إرْدَبًّا مِنْ حِنْطَةٍ فِي مِثْلِهِ وَتَحْقِيقُ هَذَا أَنَّ كُلَّ مَا جَازَ لَك أَنْ تَدْفَعَ فِيهِ الْمَبِيعَ أَوَّلًا إلَى أَجَلٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَأْخُذَ مِنْ ثَمَنِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ لَك أَنْ تَدْفَعَهُ فَلَا يَجُوزُ لَك أَنْ تَأْخُذَهُ مِنْ ثَمَنِهِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ إنَّمَا هُوَ لِلذَّرِيعَةِ؛ لِأَنَّهُ نَفْسُ الْحَرَامِ.

(فَرْعٌ) وَإِنْ كَانَ مِقْدَارُ مَا أَخَذَ أَكْثَرَ مِنْ مِقْدَارِ مَا بَاعَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ يُؤَوَّلُ إلَى أَنْ دَفَعَ إرْدَبَّ حِنْطَةٍ وَأَخَذَ عِوَضًا مِنْهُ بَعْدَ مُدَّةٍ إرْدَبَّيْنِ مِنْ صِفَتِهِ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ وَإِنْ كَانَ أَخَذَ أَقَلَّ مِنْهُ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فَأَجَازَهُ مَرَّةً وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ وَأَبَاهُ أُخْرَى وَهُوَ الَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ.

فَوَجْهُ إجَازَتِهِ ضَعْفُ التُّهْمَةِ فِي تَسْلِيفِ الْكَثِيرِ فِي الْقَلِيلِ مِنْ جِنْسِهِ وَوَجْهُ الْمَنْعِ مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ مَقْصُودٌ فِي غَيْرِ الْعَيْنِ وَمَا تَخْتَلِفُ أَسْوَاقُهُ لِيَكُونَ فِي ذِمَّةِ الْمُسَلَّفِ إلَى أَجَلٍ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا إنْ كَانَا غَيْرَ مُتَمَاثِلَيْنِ وَهُوَ أَنْ يَخْتَلِفَا فِي الْجِنْسِ كَالْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ أَوْ فِي النَّوْعِ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْمَحْمُولَةِ وَالسَّمْرَاءِ أَوْ فِي الْجَوْدَةِ كَالْحِنْطَةِ الْجَيِّدَةِ بِالرَّدِيئَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِيهَا وَإِنْ أَخَذَ مِنْ الطَّعَامِ قَدْرَ مَا أَعْطَى أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ حُكْمِ الْقَرْضِ لَمَّا بَيْنَ الْعِوَضَيْنِ مِنْ الْمُخَالَفَةِ؛ لِأَنَّ مِنْ حُكْمِ الْقَرْضِ أَنْ يَكُونَا مُتَمَاثِلَيْنِ فَإِنْ تَجَاوَزَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ فِي النَّوْعِ أَوْ الْجَوْدَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْقِدَا الْقَرْضَ عَلَيْهِ جَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَقْدَهُمَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُكَارَمَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّهُمَا تَعَاقَدَا عَلَى الْمُغَابَنَةِ وَالْمُكَايَسَةِ فَإِذَا وُجِدَ التَّفَاضُلُ فِي صِفَةٍ أَوْ نَوْعٍ أَوْ جِنْسٍ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْقَرْضِ لِمُنَافَاتِهِ لِمُقْتَضَاهُ وَحُمِلَ عَلَى مَا يُوَافِقُ مُقْتَضَاهُ فَوَجَبَ بِذَلِكَ الْفَسَادُ.

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا نَهَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَابْنُ شِهَابٍ عَنْ أَنْ لَا يَبِيعَ الرَّجُلُ حِنْطَةً بِذَهَبٍ ثُمَّ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ بِالذَّهَبِ تَمْرًا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الذَّهَبَ مِنْ بَائِعِهِ الَّذِي اشْتَرَى مِنْهُ الْحِنْطَةَ فَأَمَّا أَنْ يَشْتَرِيَ بِالذَّهَبِ الَّتِي بَاعَ بِهَا الْحِنْطَةَ إلَى أَجَلٍ تَمْرًا مِنْ غَيْرِ بَائِعِهِ الَّذِي بَاعَ مِنْهُ الْحِنْطَةَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الذَّهَبَ وَيُحِيلَ الَّذِي اشْتَرَى مِنْهُ التَّمْرَ عَلَى غَرِيمِهِ الَّذِي بَاعَ مِنْهُ الْحِنْطَةَ بِالذَّهَبِ الَّتِي لَهُ عَلَيْهِ فِي ثَمَنِ التَّمْرِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَقَدْ سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَلَمْ يَرَوْا بِهِ بَأْسًا) .

(ش) :

<<  <  ج: ص:  >  >>