للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ سَلَّفَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ فِي أَرْبَعَةِ أَثْوَابٍ مَوْصُوفَةٍ إلَى أَجَلٍ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ تَقَاضَى صَاحِبَهَا فَلَمْ يَجِدَهَا عِنْدَهُ، وَوَجَدَ عِنْدَهُ ثِيَابًا دُونَهَا مِنْ صِنْفِهَا فَقَالَ لَهُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَثْوَابُ أُعْطِيَك بِهَا ثَمَانِيَةَ أَثْوَابٍ مِنْ ثِيَابِي هَذِهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا أَخَذَ تِلْكَ الْأَثْوَابَ الَّتِي يُعْطِيه قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ الْأَجَلُ فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ مَحِلِّ الْأَجَلِ فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَيْضًا إلَّا أَنْ يَبِيعَهُ ثِيَابًا لَيْسَتْ مِنْ صِنْفِ الثِّيَابِ الَّتِي سَلَّفَهُ فِيهَا) .

ــ

[المنتقى]

رَجُلٍ بِثَمَنٍ عَلَى غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ تَأْخِيرُهُ أَيْضًا إلَّا الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ فَقَطْ، وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ، وَمَنْ وَلَّيْتَهُ طَعَامًا أَوْ عَرَضًا فِي ذِمَّةِ رَجُلٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ بِالثَّمَنِ يَوْمًا، وَلَا أَقَلَّ مِنْهُ، وَهُوَ كَالصَّرْفِ قَالَ مُحَمَّدٌ، وَأَمَّا فِي الطَّعَامِ أَوْ فِيمَا بَاعَهُ مِنْ صَاحِبِهِ فَكَمَا قَالَ فَأَمَّا غَيْرُ الطَّعَامِ يَبِيعُهُ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ فَيَجُوزُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ بِالثَّمَنِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ الدَّيْنَ بِالدَّيْنِ مَعْفُوٌّ عَنْ يَسِيرِهِ، وَلِذَلِكَ يَتَأَخَّرُ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ هَذَا الْمِقْدَارَ، وَيُحْتَاطُ فِي الطَّعَامِ لِلْمَنْعِ مِنْ بَيْعِهِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ، وَأَمَّا فَسْخُ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ فَلَا يُعْفَى مِنْهُ عَنْ شَيْءٍ، وَلِذَلِكَ افْتَرَقَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(ش) : قَوْلُهُ مَنْ سَلَّفَ فِي أَرْبَعَةِ أَثْوَابٍ مَوْصُوفَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ عِنْدَ الْأَجَلِ ثَمَانِيَةَ أَثْوَابٍ مِنْ جِنْسِهَا أَدْوَنَ مِنْهَا يَقْتَضِي أَنَّ رَقِيقَ الْكَتَّانِ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَثْمَانُهُ حَتَّى يَكُونَ لِلثَّوْبِ مِنْهُ ثَمَنُ الثَّوْبَيْنِ لَكِنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الرَّقِيقِ كَمَا إنَّ غَلِيظَهُ جِنْسٌ مُخَالِفٌ لِرَقِيقِهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَثْمَانُهُ، وَتَفَاوَتَتْ، وَلَوْ اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهُ بِاخْتِلَافِ أَثْمَانِهِ لَكَانَ مِنْ الْكَتَّانِ أَجْنَاسٌ كَثِيرَةٌ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ سَائِرِ أَنْوَاعِ الثِّيَابِ مِنْ الْقُطْنِ وَالصُّوفِ وَالْخَزِّ وَالْحَرِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ قَبْلَ الْأَجَلِ أَدْوَنَ مِنْ ثِيَابِهِ، وَلَا أَفْضَلَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُسْلَمُ الْجِنْسُ مِنْ الثِّيَابِ فِي جِنْسِهِ، وَلِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ فِي أَخْذِهِ الْأَدْوَنَ ضَعْ وَتَعَجَّلَ، وَيَدْخُلُهُ فِي أَخْذِهِ الْأَفْضَلَ حُطَّ عَنِّي الضَّمَانَ وَأَزِيدُك.

(فَرْعٌ) وَهَذَا فِي الْبَيْعِ فَأَمَّا الْقَرْضُ وَالْمُؤَجَّلُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ قَبْلَ الْأَجَلِ أَدْنَى؛ لِأَنَّهُ ضَعْ وَتَعَجَّلْ، وَإِمَّا أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ قَبْلَ الْأَجَلِ أَفْضَلُ فَجَوَّزَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَمَنَعَهُ أَشْهَبُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ لَهُ تَعْجِيلَ الْقَرْضِ قَبْلَ الْأَجَلِ فَلَا حَاجَةَ بِهِ إلَى أَنْ يَحُطَّ عَنْهُ الضَّمَانَ بِزِيَادَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَحُطَّهُ بِغَيْرِ زِيَادَةٍ، وَمَذْهَبُ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَعْجِيلُهُ إلَّا بِاخْتِيَارِ الْمُقْرِضِ فَلِذَلِكَ مَنَعَ مِنْهُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ جَازَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ أَفْضَلَ مِنْ ثِيَابِهِ وَأَدْنَى وَأَكْثَرَ عَدَدًا فَإِنْ أَعْطَاهُ أَفْضَلَ مِنْ ثِيَابِهِ وَدِرْهَمًا أَوْ دِينَارًا فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَمَعْنَاهُ إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَيْنًا؛ لِأَنَّهُ إذَا أَخَذَ مِنْهُ عَيْنًا مِنْ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ فَقَدْ آلَ أَمْرُهُمَا إلَى عَيْنٍ مُؤَجَّلٍ بِعَرْضٍ وَعَيْنٍ مِنْ جِنْسِهِ مُؤَجَّلٍ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ عَرَضًا جَازَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ عَرَضًا يَجُوزُ أَنْ يُسْلِمَ فِي الْعَرْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَأَعْطَاهُ عِنْدَ الْأَجَلِ أَدْوَنَ مِنْ عَرَضِهِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَبَعِيرًا أَوْ دِرْهَمًا لَجَازَ؛ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى حَيَوَانٍ وَثِيَابٍ وَدِرْهَمٍ إلَى أَجَلٍ، وَذَلِكَ جَائِزٌ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَوْ كَانَ رَأْسُ السَّلَمِ عَيْنًا فَأَخَذَ الْمُسْلِمُ عِنْدَ الْأَجَلِ أَفْضَلَ مِنْ ثِيَابِهِ، وَزَادَ عَيْنًا مِنْ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ لَجَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ عَيْنٌ مُعَجَّلٌ، وَعَيْنٌ مُؤَجَّلٌ بِعَرَضٍ مُعَجَّلٍ فَإِنَّ الْعَيْنَ الْمُؤَجَّلَ لَمَّا كَانَ يَسِيرًا ضَعُفَتْ فِيهِ التُّهْمَةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنْ يَزِيدَ الْمُسْلِمُ دِرْهَمًا، وَيَأْخُذَ أَفْضَلَ مِمَّا يُسَلِّمُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ لَا سَلَمَ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَهُ، وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ ذَلِكَ فِي الثِّيَابِ دُونَ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ كُلُّهُ.

(فَرْعٌ) فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَلَا يَفْتَرِقَانِ قَبْلَ قَبْضِهِمَا لِمَا قَدَّمْنَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْمُسْلِمِ لِفَضْلِ مَا أَخَذَ عَلَى مَا كَانَ لَهُ جَازَ أَنْ تَتَأَخَّرَ الزِّيَادَةُ رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ الْكَالِئُ بِالْكَالِئِ، وَلَا فَسْخُ عَيْنٍ فِي دَيْنٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِمَ مُعَجَّلٌ مَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ فَابْتَاعَ الزِّيَادَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>