للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ بَاعَ رَجُلٌ سِلْعَةً مُرَابَحَةً فَقَالَ قَامَتْ عَلِيَّ بِمِائَةِ دِينَارٍ ثُمَّ جَاءَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهَا قَامَتْ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ دِينَارًا خُيِّرَ الْمُبْتَاعُ فَإِنْ شَاءَ أَعْطَى الْبَائِعَ قِيمَةَ السِّلْعَةِ يَوْمَ قَبَضَهَا، وَإِنْ شَاءَ أَعْطَى الثَّمَنَ الَّذِي ابْتَاعَ بِهِ عَلَى حِسَابِ مَا رَبِحَهُ بَالِغًا مَا بَلَغَ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَ بِهِ السِّلَعَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُصَ رَبُّ السِّلْعَةِ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَهَا بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ رَضِيَ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا جَاءَ رَبُّ السِّلْعَةِ يَطْلُبُ الْفَضْلَ فَلَيْسَ لِلْمُبْتَاعِ فِي هَذَا حُجَّةٌ عَلَى الْبَائِعِ بِأَنْ يَضَعَ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَ بِهِ عَلَى الْبَرْنَامَجِ) .

ــ

[المنتقى]

وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُبْتَاعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالثَّمَنِ الصَّحِيحِ وَرِبْحِهِ، وَهِيَ لَمْ تَبْلُغْ مِنْهُ بِذَلِكَ، وَلِلْبَائِعِ أَنْ يُلْزِمَ ذَلِكَ الْمُبْتَاعَ بِالتِّسْعِينَ وَرِبْحِهَا فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ.

(فَرْعٌ) وَأَيُّهُمَا يَبْدَأُ بِالتَّخْيِيرِ قَالَ سَحْنُونٌ إنْ لَمْ تَفُتْ بَدَأَ الْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ أَوْ يَحْبِسَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فَإِنْ رَدَّ خُيِّرَ الْبَائِعُ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ أَوْ يَحُطَّ الْكَذِبَ، وَرِبْحَهُ فَيَتِمُّ الْبَيْعُ قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْعَيْبِ يَجِدُهُ الْمُبْتَاعُ فَيَحُطُّ عَنْهُ قِيمَتَهُ الْبَائِعُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ الْمُبْتَاعَ أَنَّ الْعَيْبَ قَائِمٌ بَعْدَ الْحَطِيطَةِ، وَلَا يَبْقَى بَعْدَ حَطِيطَةِ الْكَذِبِ شَيْءٌ يَكْرَهُهُ الْمُبْتَاعُ مِنْ السِّلْعَةِ، وَيَصِيرُ كَالْعَيْبِ يَذْهَبُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَإِنْ فَاتَتْ السِّلْعَةُ خُيِّرَ الْبَائِعُ فَإِنْ أَحَبَّ فَلَهُ قِيمَةُ سِلْعَتِهِ يَوْمَ قَبَضَهَا مِنْهُ، وَقَدْ رَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ قِيمَتُهَا يَوْمَ بَاعَهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَوْمَ قَبَضَهَا الْمُبْتَاعُ فَعَلَى هَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ الْقَاسِمِ رَاعَى الْقِيمَةَ يَوْمَ الْقَبْضِ يُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ رَوَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُشْبِهُ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ، وَعَلَى رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْعَقْدِ أَنَّهُ عَقْدٌ صَحِيحٌ.

وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إنَّمَا حَمَلَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَى أَنَّ يَوْمَ الْقَبْضِ هُوَ يَوْمُ الْعَقْدِ، وَقَدْ قَالَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَسْأَلَةٍ فَعَلَى هَذَا لَا خِلَافَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَتَأْوِيلِهِمَا.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عِمْرَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ ضَمَانَ السِّلْعَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ الْبَائِعِ.

وَرُوِيَ عَنْهُ مِنْ الْمُبْتَاعِ، وَهُوَ يُرَجِّحُ بَيْنَ الْمَقَالَتَيْنِ وَتَأْوِيلِهِمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاَلَّذِي تَبَيَّنَ عِنْدِي أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ غَيْرُ مُرَاعًى، وَأَنَّ يَوْمَ الْقَبْضِ هُوَ يَوْمُ الْعَقْدِ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ فِي مَسْأَلَةِ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ فِيمَنْ اطَّلَعَ عَلَى سِلْعَةٍ بَاعَهَا مُرَابَحَةً عَلَى زِيَادَةٍ فِي ثَمَنِهَا قِيمَتُهَا يَوْمَ قُبِضَتْ بِمِثْلِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَإِذَا قُلْنَا بِذَلِكَ فَوَجْهٌ وَاضِحٌ، وَإِذَا قُلْنَا أَنَّ ذَلِكَ رِوَايَتَيْنِ.

فَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ بَيْعٌ يَفُوتُ بِحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ فَاعْتُبِرَتْ فِيهِ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْقَبْضِ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ عَقْدٌ عَرَا عَنْ الْفَسَادِ فَاعْتُبِرَ فِيهِ الْقِيمَةُ بِيَوْمِ الْعَقْدِ كَسَائِرِ الْبُيُوعِ الصَّحِيحَةِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَبِمَاذَا تَفُوتُ السِّلْعَةُ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهَا تَفُوتُ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، وَزَادَ ابْنُ الْقَاسِمِ طَرْدَ مَذْهَبِهِ فِي تَشْبِيهِ ذَلِكَ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَنَّهَا تَفُوتُ بِحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَمَّا رِوَايَةُ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ فَظَاهِرُهَا أَنَّهَا مِنْ الْبُيُوعِ الصَّحِيحَةِ فَلَا تَفُوتُ بِحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ، وَقَدْ تَأَوَّلَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِمَا رُوِيَ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ إنْ فَاتَتْ السِّلْعَةُ بِنَمَاءٍ أَوْ نُقْصَانٍ خُيِّرَ الْبَائِعُ، وَلَمْ يَذْكُرْ حَوَالَةَ الْأَسْوَاقِ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ لَيْسَ بِالْبَيِّنِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَوَى عَنْ مَالِكٍ مَا سَمِعَ مِنْهُ، وَلَيْسَ فِيهِ نَفْيٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ مَنْ قَالَ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ فِي الْأَسْمَاءِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ فَوَاتَ السِّلْعَةِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ إنْ ابْتَاعَ أَوْ تَذْهَبُ مِنْ يَدِهِ أَوْ يَزِيدُ فِي بَدَنِهَا أَوْ تَنْقُصُ قِيلَ لَهُ فَإِنْ تَغَيَّرَتْ الْأَسْوَاقُ قَالَ هُوَ فَوَاتٌ أَيْضًا فَنَصَّ أَوَّلًا عَلَى تَغْيِيرِ الْعَيْنِ وَفَوَاتِهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ حَوَالَةَ الْأَسْوَاقِ فَلَمَّا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ أَلْحَقَهُ بِمَا تَقَدَّمَ.

(ش) : قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً مُرَابَحَةً عَلَى أَنَّهَا قَامَتْ عَلَيْهِ بِمِائَةٍ ثُمَّ جَاءَهُ الْعِلْمُ أَنَّهَا قَامَتْ عَلَيْهِ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَفُتْ رَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي رَدَّ الْجَارِيَةِ أَوْ يُضْرَبُ لَهُ الرِّبْحُ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْبَائِعَ قَدْ تَبَيَّنَ غَلَطُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ مَعَ وُجُودِ

<<  <  ج: ص:  >  >>