للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُقَدَّمُ لَهُ أَصْنَافٌ مِنْ الْبَزِّ، وَيَحْضُرُهُ السَّوَامُّ، وَيَقْرَأُ عَلَيْهِمْ بَرْنَامَجَه، وَيَقُولُ فِي كُلِّ عِدْلِ كَذَا وَكَذَا مِلْحَفَةٌ بَصْرِيَّةٌ وَكَذَا وَكَذَا رَيْطَةً سَابِرِيَّةً ذَرْعُهَا كَذَا وَكَذَا، وَيُسَمِّي لَهُمْ أَصْنَافًا مِنْ الْبَزِّ بِأَجْنَاسِهِ وَيَقُولُ اشْتَرُوا مِنِّي عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فَيَشْتَرُونَ الْأَعْدَالَ عَلَى مَا وَصَفَ لَهُمْ ثُمَّ يَفْتَحُونَهَا فَيَسْتَغِلُّونَهَا وَيَنْدَمُونَ قَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُمْ إذَا كَانَ مُوَافِقًا لِلْبَرْنَامَجِ الَّذِي بَاعَهُمْ عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ، وَهَذَا الْأَمْرُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ النَّاسُ عِنْدَنَا يُجِيزُونَهُ بَيْنَهُمْ إذَا كَانَ الْمَتَاعُ مُوَافِقًا لِلْبَرْنَامَجِ، وَلَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لَهُ) .

ــ

[المنتقى]

الْقَوْمِ يَشْتَرُونَ الْبَزَّ وَالرَّقِيقَ فَيَبِيعُهُ عَلَى الْبَرْنَامَجِ يُرِيدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الرَّقِيقَ غُيِّبَ غَيْبَةً بَعِيدَةً يَشُقُّ عَلَى الْمُبْتَاعِ غَالِبًا التَّوَجُّهُ إلَيْهِمْ، وَلَوْ كَانُوا حَاضِرِينَ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَيْهِمْ مُمْكِنٌ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ فَلَا يَنُوبُ عَنْهَا الْوَصْفُ، وَإِنَّمَا يَنُوبُ عَنْهَا إذَا كَانَ يَمْنَعُ مِنْ النَّظَرِ إلَيْهَا مَانِعٌ مِنْ بُعْدِ مَسَافَةٍ أَوْ تَغَيُّرِ طَيٍّ وَشَدٍّ يَلْحَقُ فِيهِ مُؤْنَةٌ وَنَفَقَةٌ، وَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى تَغْيِيرِ نَضَارَةِ الثَّوْبِ وَهَيْئَتِهِ الَّتِي تَزِيدُ فِي ثَمَنِهِ.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ لَا خَيْرَ فِي أَنْ يَبِيعَ جَارِيَةً عِنْدَهُ فِي الدَّارِ حَاضِرَةً عَلَى الصِّفَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى النَّظَرِ إلَيْهَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ فِي النَّظَرِ إلَيْهَا مَضَرَّةٌ، وَشَرَطَا تَرْكَ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ بَيْعِ الْمُنَابَذَةِ الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ، وَمِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ الَّذِي لَا يَجُوزُ إذَا قَصَدَهُ الْبَائِعَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

فَأَمَّا الثِّيَابُ فَيَجُوزُ ذَلِكَ فِيهَا عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ غَائِبَةً، وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ حَاضِرَةً مَشْدُودَةً فِي أَعْدَالِهَا بِحَيْثُ يَشُقُّ حَلُّهَا، وَيُحْتَاجُ إلَى مُؤْنَةٍ فِي رَدِّهَا إلَى شِدَادِهَا مَعَ مَا يَلْحَقُهَا فِي الْحَمْلِ وَالشَّدِّ وَتَكْرَارِ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ مُشْتَرٍ يُرِيدُ رُؤْيَتَهَا مِنْ الِابْتِذَالِ لَهَا، وَالْإِذْهَابِ لِكَثِيرٍ مِنْ حُسْنِهَا، وَلَا بُدَّ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا مِنْ تَقَدُّمِ رُؤْيَةٍ أَوْ صِفَةٍ.

وَرُوِيَ جَوَازُ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَقَدْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَقَالَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ عَيْنٍ غَيْرِ مَرْئِيَّةٍ.

وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا بَيْعٌ عَلَى الصِّفَةِ فَجَازَ فِي الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ أَصْلُهُ السَّلَمُ الْمَضْمُونُ فِي الذِّمَّةِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْأَعْيَانِ الْغَائِبَةِ عَلَى الصِّفَةِ فَإِنَّ الْبَيْعَ لَازِمٌ، وَلَيْسَ لَهُمْ رَدُّهُ، وَإِنْ اسْتَغَلُّوهُ إذَا فَتَحُوا الْمَتَاعَ مَا وَجَدُوهُ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ لِلْمُبْتَاعِ الْخِيَارُ، وَإِنْ وَجَدَ الْمَتَاعَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا بَيْعٌ عَلَى صِفَةٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَازِمًا أَصْلُ ذَلِكَ السَّلَمُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ إنَّ الْمَتَاعَ الَّذِي اشْتَرَيْته مِنْ فُلَانٍ قَدْ بَلَغَنِي صِفَتُهُ وَأَمْرُهُ فَهَلْ لَك أَنْ أُرْبِحَك لَفْظٌ فِيهِ اخْتِصَارٌ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَتَّصِلَ بِهِ أَنْ يَذْكُرَ لَهُ تِلْكَ الصِّفَةَ، وَأَمَّا إنْ اقْتَصَرَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ لِلْمُبْتَاعِ أَنْ يَدَّعِيَ مِنْ الصِّفَةِ إذَا نَظَرَ إلَى الْمَتَاعِ مَا شَاءَ، وَلَمْ يَقَعْ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ عَلَى صِفَةِ مُعَيَّنَةٍ فَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَيَكُونُ شَرِيكًا لِلْقَوْمِ مَكَانَهُ يَعْنِي أَنَّهُمْ كَانُوا جَمَاعَةً شُرَكَاءَ اشْتَرَكُوا فِي ذَلِكَ الْمَتَاعِ فَبَاعَ مِنْهُمْ أَحَدُهُمْ حِصَّتَهُ فَصَارَ الْمُبْتَاعُ شَرِيكًا لِسَائِرِ الشُّرَكَاءِ بِحِصَّةِ مَنْ بَاعَ مِنْهُ، وَيَكُونُ هَذَا حُكْمُهُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ قَبْلَ فَتْحِ الْمَتَاعِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَإِذَا نَظَرُوا إلَيْهِ فَرَأَوْهُ قَبِيحًا، وَاسْتَغَلُّوهُ إنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُمْ دُونَ خِيَارٍ يُرِيدُ أَنَّهُمْ رَأَوْهُ مَعَ مُوَافَقَةِ الْبَرْنَامَجِ مِنْ أَقْبَحِ مَا تَقَعُ عَلَيْهِ تِلْكَ الصِّفَاتُ الَّتِي تَضَمَّنَهَا الْبَرْنَامَجُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ عَلَى هَذَا دَخَلَ أَنْ يَلْزَمَهُ كُلُّ مَا وُجِدَتْ فِيهِ تِلْكَ الصِّفَاتُ فَإِنَّ الصِّفَاتِ قَدْ تَتَّفِقُ، وَيَكُونُ بَعْضُهَا أَمْثَلَ مِنْ بَعْضٍ، وَمِثْلُ هَذَا يَعْتَرِي الْمَرْئِيَّ فَقَدْ يَرَى الْمَتَاعَ فَيَحْسُنُ عِنْدَهُ ثُمَّ يَرَاهُ مَرَّةً أُخْرَى فَيَقْبُحُ عِنْدَهُ، وَلَا يُثْبِتُ ذَلِكَ لِلْمُبْتَاعِ خِيَارًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(ش) : هَذَا عَلَى مَا قَالَ أَنَّ مَنْ قَدِمَ بِأَصْنَافٍ مِنْ الْبَزِّ فَيَقْرَأُ بَرْنَامَجَهُ عَلَى السَّوَامِّ، وَيَذْكُرُ عَدَدَ مَا فِي كُلِّ عَدْلٍ مِنْ ثِيَابِهِ وَأَجْنَاسِهَا وَذَرْعِهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>