للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ مَنْ اسْتَسْلَفَ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ بِصِفَةٍ وَتَحْلِيَةٍ مَعْلُومَةٍ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ مِثْلَهُ إلَّا مَا كَانَ مِنْ الْوَلَائِدِ فَإِنَّهُ يُخَافُ فِي ذَلِكَ الذَّرِيعَةُ إلَى حَلَالِ مَا لَا يَحِلُّ فَلَا يَصْلُحُ، وَتَفْسِيرُ مَا كُرِهَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَسْتَسْلِفَ الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ فَيُصِيبَهَا مَا بَدَا لَهُ ثُمَّ يَرُدُّهَا إلَى صَاحِبِهَا بِعَيْنِهَا فَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ، وَلَا يَحِلُّ، وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ الْعِلْمِ يَنْهَوْنَ عَنْهُ، وَلَا يُرَخِّصُونَ فِيهِ لِأَحَدٍ) .

ــ

[المنتقى]

أَنْ لَا يَأْخُذَ أَدْوَنَ مِنْ الَّذِي أَعْطَى كَانَ لَهُ ذَلِكَ لَكِنَّهُ إنْ سَامَحَ وَتَجَاوَزَ وَأَخَذَ أَدْوَنَ مِمَّا أَعْطَى فَذَلِكَ أَعْظَمُ لِأَجْرِهِ لِأَنَّهُ يُضِيفُ إلَى أَجَلِ الْقَرْضِ أَجَلَ التَّجَاوُزِ.

(فَصْلٌ)

فَإِنْ أَعْطَاك أَفْضَلَ مِمَّا أَعْطَيْته طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ يُرِيدُ أَنْ لَا يُعْطِيَك مِنْ أَجْلِ شَرْطِك، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ لَا يَطْلُبَهُ بِذَلِكَ الشَّرْطِ، وَإِنَّهُ قَدْ أَبْطَلَهُ، وَتَرَكَهُ، وَإِنْ زَادَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَزِيدُهُ شُكْرًا لَهُ، وَلَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ أَجْرُ مَا أَنْظَرَهُ.

(فَصْلٌ)

وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ فَلَا تَشْتَرِطْ إلَّا قَضَاءَهُ يُرِيدُ أَنْ لَا يَشْتَرِطَ زِيَادَةً وَلَا مَنْفَعَةً، وَلَا شَيْئًا إلَّا قَضَاءَ مِثْلِ مَا أَعْطَى قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لَا يَشْتَرِطُ أَفْضَلَ مِنْهُ يُرِيدُ زِيَادَةً عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ قَبْضَةً مِنْ عَلَفٍ يُرِيدُ قَلِيلَ ذَلِكَ وَكَثِيرَهُ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ شَرْطَ زِيَادَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً فَإِنَّهَا رِبًا، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الزِّيَادَةَ رِبًا، وَلَكِنْ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ أَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الرِّبَا الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ إذَا أُطْلِقَ فِي الشَّرْعِ فَظَاهِرُهُ الزِّيَادَةُ الْمَمْنُوعَةُ، وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] وَالْبَيْعُ لَا يَخْلُو مِنْ الزِّيَادَةِ فِي الْأَغْلَبِ، وَلَكِنْ لَفْظُ الرِّبَا يَخْتَصُّ بِالْمَمْنُوعِ.

(ش) : وَقَوْلُهُ مَنْ اسْتَسْلَفَ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ بِصِفَةٍ وَتَحْلِيَةٍ مَعْلُومَةٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ مَا اسْتَسْلَفَهُ مَعْلُومَ الصِّفَةِ وَالْحِلْيَةِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ رَدِّ مِثْلِهِ، وَلَوْ كَانَ مَجْهُولَ الصِّفَةِ لَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ مِثْلَهُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ إلَّا مَا رُوِيَ،.

وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَقَوْلُهُ إلَّا مَا كَانَ مِنْ الْوَلَائِدِ فَإِنَّهُ يُخَافُ مِنْ ذَلِكَ الذَّرِيعَةُ إلَى إحْلَالِ مَا لَا يَحِلُّ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ قَرْضُ الْجَوَارِي، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ، وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ.

وَرُوِيَ عَنْ الْمَازِنِيِّ إبَاحَةُ ذَلِكَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ حَظْرِ الْفُرُوجِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ اسْتَقْرَضَ شَيْئًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ مَتَى شَاءَ بَعْدَ أَخْذِهِ بِسَاعَةٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ انْتَفَعَ بِهِ مَا كَانَ عَلَى صِفَتِهِ فَمَنْ أَرَادَ الِاسْتِمْتَاعَ بِجَارِيَةِ غَيْرِهِ اقْتَرَضَهَا مِنْهُ فَوَطِئَهَا ثُمَّ رَدَّهَا إلَيْهِ مِنْ سَاعَتِهِ، وَهَذِهِ إبَاحَةٌ لِلْفُرُوجِ الْمَحْظُورَةِ.

(مَسْأَلَةٌ)

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ ذَاتَ مَحْرَمٍ لِلْمُسْتَقْرِضِ مِثْلُ أَنْ تَكُونَ أُمَّهُ أَوْ أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ أَوْ عَمَّتَهُ أَوْ خَالَتَهُ مِنْ النَّسَبِ لِأَنَّهُ يَسْلَمُ مِمَّا قَالَهُ، وَعَلَى هَذَا الَّذِي قَالَهُ يَجُوزُ لِلنِّسَاءِ اسْتِقْرَاضُ الْجَوَارِي، وَإِنَّمَا يَحْرُمُ ذَلِكَ عَلَى الرِّجَالِ خَاصَّةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَرْعٌ)

فَإِنْ اقْتَرَضَ رَجُلٌ مِمَّنْ ذَكَرْنَا مَنْعَهُ مِنْهَا فَلَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ فِي الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْجَارِيَةَ تُرَدُّ بِعَيْنِهَا مَا لَمْ يَطَأْهَا، وَيُفْسَخُ الْقَرْضُ، وَاخْتَلَفُوا إذَا وَطِئَهَا فَقَالَ مَالِكٌ تَفُوتُ بِالْوَطْءِ، وَتَكُونُ الْجَارِيَةُ لِلْمُسْتَقْرِضِ، وَتَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَرُدُّهَا، وَيَرُدُّ مَعَهَا عَقْدَهَا، وَإِنْ حَمَلَتْ رَدَّهَا بَعْدَ الْوِلَادَةِ وَقِيمَةَ وَلَدِهَا حَيًّا يَوْمَ الْوِلَادَةِ، وَيَرُدُّ مَعَهَا مَا نَقَصَتْهَا الْوِلَادَةُ، وَإِنْ مَاتَتْ لَزِمَهُ مِثْلُهَا فَإِنْ عَدِمَ مِثْلَهَا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ أَنَّ عُقُودَ التَّمْلِيكِ تَفُوتُ عِنْدَنَا مَعَ بَقَاءِ الْأَعْيَانِ، وَلَمَّا دَفَعَ صَاحِبُ الْجَارِيَةِ الْجَارِيَةَ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ فَاتَتْ بِالْوَطْءِ الَّذِي مَنَعَ الْقَرْضَ مِنْ أَجْلِهِ فَلَوْ أَجَزْنَا لَهُ رَدَّهَا لَكُنَّا قَدْ أَتْمَمْنَا الْقَرْضَ الْفَاسِدَ وَالْمَقْصُودَ الْمَمْنُوعَ مِنْهُ، فَلَمَّا وُجِدَ مَعْنَى الْمَنْعِ وَفَاتَ رَدُّهَا بِذَلِكَ أَوْجَبْنَا لَهُ قِيمَتَهَا، وَإِذَا وَجَبَتْ قِيمَتُهَا بَطَلَ جَمِيعُ مَا أَوْجَبَهُ بَعْدَ الْوَطْءِ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْقِيمَةَ إنَّمَا تَلْزَمُهُ يَوْمَ قَبَضَهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>