للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ تَكَارَى أَرْضًا فَلَمْ تَزَلْ فِي يَدَيْهِ بِكِرَاءٍ حَتَّى مَاتَ قَالَ ابْنُهُ فَمَا كُنْت أَرَاهَا إلَّا لَنَا مِنْ طُولِ مَا مَكَثَتْ فِي يَدَيْهِ حَتَّى ذَكَرَهَا لَنَا عِنْدَ مَوْتِهِ فَأَمَرَنَا بِقَضَاءِ شَيْءٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ كِرَائِهَا ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا قَالَ مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُكْرِي أَرْضَهُ بِالذَّهَبِ، وَالْوَرِقِ) .

ــ

[المنتقى]

وَلَعَلَّ ابْنَ عُمَرَ لَمَّا بَلَغَهُ نَهْيُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ امْتَنَعَ مِنْهُ وَجَوَّزَهُ بِالذَّهَبِ، وَالْوَرِقِ عَلَى مَا جَوَّزَهُ ابْنُهُ سَالِمٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ امْتَنَعَ مِنْهُ جُمْلَةً لَمَّا خَشِيَ أَنْ يَكُونَ حَدَثَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ مَنْعٌ عَامٌّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(ش) : قَوْلُهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ كَانَ يُكَارِي أَرْضًا فَلَمْ تَزَلْ فِي يَدَيْهِ حَتَّى مَاتَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ اكْتَرَاهَا مُسَاقَاةً وَذَلِكَ بِأَنْ يُكْرِيَهَا مِنْهُ بِدِينَارٍ فِي كُلِّ عَامٍ وَلَا يَحُدُّ فِي ذَلِكَ أَعْوَامًا وَلَكِنَّهُ يُطْلِقُ فِيهَا الْقَوْلَ وَهَذَا عِنْدَ مَالِكٍ جَائِزٌ وَمَنَعَ مِنْهُ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ هُوَ بَاطِلٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ «أَنَّ الْيَهُودَ سَأَلُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُقِرَّهُمْ عَلَى أَنْ يَكُفُّوا الْعَمَلَ وَلَهُمْ شَطْرُ الثَّمَرَةِ فَقَالَ نُقِرُّكُمْ عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا» وَهَذَا نَصٌّ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى إنَّ مَا جَازَ الْعَقْدُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ جَازَ الْعَقْدُ عَلَى جُمْلَةٍ مِنْهُ غَيْرِ مُقَدَّرَةٍ كَمَا لَوْ قَالَ: أَشْتَرِي مِنْك هَذِهِ الصُّبْرَةَ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا يَلْزَمُ هَذَا لِكِرَاءِ مَا مَضَى وَلِلْمُكْتَرِي أَنْ يَخْرُجَ مَتَى شَاءَ وَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يُخْرِجَهُ مَتَى شَاءَ، رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ التَّقْدِيرِ فِي الْكِرَاءِ يُنَافِي اللُّزُومَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَ لَتَأَبَّدَ، وَذَلِكَ مُنَافٍ لِلْكِرَاءِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْأَوْجَبِيَّةُ وَاحِدَةٌ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَهَذَا إذَا قَالَ: كُلُّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ كُلُّ سَنَةٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ فِي السَّنَةِ بِكَذَا أَوْ فِي الشَّهْرِ بِكَذَا رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَرَوَى فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ أَوْ الشَّهْرَ، وَفِي الْوَاضِحَةِ لِمُطَرِّفِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَرِوَايَتُهُمَا عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إذَا قَالَ: كُلُّ شَهْرٍ أَوْ الشَّهْرَ أَوْ فِي الشَّهْرِ بِكَذَا فَالشَّهْرُ الْأَوَّلُ لَازِمٌ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَقْضُهُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ كَانَ أَوْ آخِرِهِ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ شَهْرٌ لَمْ يَتَعَيَّنْ إلَّا كَتَعْيِينِ غَيْرِهِ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ لَازِمًا كَالثَّانِي وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ مَا قُدِّرَ بِهِ الْكِرَاءُ أَقَلُّ مَا يَجِبُ لُزُومُهُ بِالْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مُقْتَضَاهُ اللُّزُومُ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ اللُّزُومُ؛ لِأَنَّهُ زَائِدٌ عَلَى مَا قُدِّرَ بِهِ الْكِرَاءُ.

(فَرْعٌ) فَإِنْ نَقَدَهُ الْكِرَاءُ فَقَدْ لَزِمَهُمَا مِقْدَارُ مَا نُقِدَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ النَّقْدَ قَدْ قَطَعَ مَا احْتَمَلَهُ اللَّفْظُ مِنْ الْخِيَارِ، وَأَخْرَجَهُ إلَى اللُّزُومِ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ وَلَوْ اكْتَرَى مِنْهُ سَنَةً مُعَيَّنَةً عَلَى أَنْ يَخْرُجَ مَتَى شَاءَ جَازَ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَوْ عَقَدَ الْكِرَاءَ بِأَنِّي قَدْ اكْتَرَيْت هَذِهِ الْأَرْضَ سَنَةً أَوْ هَذِهِ الدَّارَ شَهْرًا فَهُوَ جَائِزٌ لِكَوْنِ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ الْكِرَاءِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ التَّعْيِينِ لِلسَّنَةِ، وَإِنْ كَانَتْ دَارًا فَفِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ اكْتَرَاهَا سَنَةً وَلَمْ يُسَمِّ مَتَى سَكَنَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ فَإِنْ اكْتَرَاهَا بَعْدَ مُضِيِّ عَشَرَةِ أَيَّامٍ مِنْ السَّنَةِ فَإِنَّهُ يَحْسِبُ بَقِيَّةَ هَذَا الشَّهْرِ الَّذِي ذَهَبَ بَعْضُهُ ثُمَّ يَحْسِبُ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا بَعْدَهُ بِالْأَهِلَّةِ، ثُمَّ يُتِمُّ عَلَى الْأَيَّامِ الْأُولَى شَهْرًا ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَيَكُونُ مِنْ هَذَا الْعَامِ شَهْرٌ وَاحِدٌ عَلَى الْأَيَّامِ وَأَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا بِالْأَهِلَّةِ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ أَرْضًا فَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْأَرْضِ الَّتِي تُزْرَعُ الْعَامَ كُلَّهُ فِيهَا الْبُقُولُ، وَالْخُضَرُ، فَيَصِحُّ أَنْ يَكْتَرِيَ مُشَاهَرَةً وَمُسَانَاةً، وَإِنْ كَانَتْ خَالِيَةً مِنْ الزَّرْعِ فَأَوَّلُ سِنِيهَا مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا خُضْرَةٌ أَوْ زَرْعٌ فَمِنْ وَقْتِ تَخْلُو، وَآخِرُ عَامِهَا عَلَى ذَلِكَ عَلَى مِثْلِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الدُّورِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِأَهْلِ بَلَدٍ عُرْفٌ فِي الْكِرَاءِ بِالشُّهُورِ الْعَجَمِيَّةِ فِي الْأَرْضِ فَيَكُونُ إطْلَاقُ الْكِرَاءِ يَقْتَضِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْأَرْضِ الَّتِي إنَّمَا تُزْرَعُ مُدَّةً كَأَرْضِ النِّيلِ وَمَا أَشْبَهَهَا، فَأَوَّلُ سَنَتِهَا وَقْتَ زِرَاعَتِهَا وَوَقْتُ الزَّرْعِ لِلْحَرْثِ إنْ كَانَتْ أَرْضًا يُقَدِّمُ لَهَا الْحَرْثَ وَآخِرُ عَامِهَا عَلَى مَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ رَفْعُ الزَّرْعِ فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الْعَامِ شَهْرٌ أَوْ شَهْرَانِ وَمَا لَا يُنْتَفَعُ فِيهِ بِالزَّرْعِ فَلَيْسَ لِلْمُكْتَرِي أَنْ يَحْرُثَ فِيهَا زَرْعًا إلَّا بِكِرَاءٍ مُؤْتَنَفٍ وَلَا يُحَطُّ عَنْهُ لِمَا بَقِيَ شَيْءٌ وَلِرَبِّهَا حَرْثُهَا لِنَفْسِهِ وَلَيْسَ لِلْمُكْتَرِي

<<  <  ج: ص:  >  >>