للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ وَإِلَى غُلَامٍ لَهُ مَالًا قِرَاضًا يَعْمَلَانِ فِيهِ جَمِيعًا أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ مَالٌ لِغُلَامِهِ لَا يَكُونُ الرِّبْحُ لِلسَّيِّدِ حَتَّى يَنْتَزِعَهُ مِنْهُ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ غَيْرِهِ مِنْ كَسْبِهِ) .

ــ

[المنتقى]

وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ فِي تَجْوِيزِهِمَا ذَلِكَ إلَى أَجَلٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّتِهِ مَا قُلْنَاهُ إنَّ الْقِرَاضَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّسَاوِي وَمُبَاعَدَةِ الِازْدِيَادِ مِنْ الْعَامِلِ فَإِذَا بَاعَ مِنْهُ سِلَعًا بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَاهَا بِزِيَادَةٍ عَلَى الْقِسْمَةِ فَيَزْدَادُ مِنْهُ لِلْقِرَاضِ تِلْكَ الزِّيَادَةُ وَتَكُونُ أَيْضًا مَضْمُونَةً عَلَيْهِ، وَذَلِكَ خِلَافُ مَا بُنِيَ عَلَيْهِ الْقِرَاضُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِنْ كَانَ عِنْدَ التَّفَاضُلِ فَيَجُوزُ بِالنَّقْدِ، وَأَمَّا بِالتَّأْخِيرِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لَا خَيْرَ فِيهِ وَكَأَنَّهُ نَحَا بِهِ نَاحِيَةَ الرِّبَا، وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ابْتِيَاعَهُ مِنْهُ بِنَقْدٍ أَوْ بِمِثْلٍ فَأَقَلَّ إلَى أَجَلٍ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَا يَجُوزُ إلَى أَجَلٍ بِأَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ.

وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي وَاضِحَتِهِ سَمِعْت أَصْحَابَ مَالِكٍ يَقُولُونَ لَا بَأْسَ بِهِ وَعُمْدَتُهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكِ أَنَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ عِنْدَ الْعَامِلِ هُوَ الَّذِي وَجَبَ لِرَبِّ الْمَالِ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ عِنْدَهُ لِزِيَادَةٍ يَزْدَادُهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُشَابِهُ الرِّبَا؛ لِأَنَّ الَّذِي لَهُ عِنْدَهُ عَيْنٌ فَيَتْرُكُهُ عِنْدَهُ لِيَزِيدَهُ فِيهِ، وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ عَلَى الْعَامِلِ بَيْعَ ذَلِكَ الْعَرْضِ وَتَحْصِيلَ ثَمَنِهِ فَإِذَا بَاعَهُ مِنْهُ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ قَوِيَتْ التُّهْمَةُ فِي أَنَّهُ يُعْطِيهِ الثَّمَنَ الْمُؤَجَّلَ فِيمَا بَقِيَ بِيَدِهِ مِنْ رَأْسِ مَالِ الْقِرَاضِ، وَفِي عَمَلِهِ وَيَضْمَنُ مَعَ ذَلِكَ مَا لَمْ يَأْخُذْهُ عَلَى الضَّمَانِ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ عِيسَى أَنَّهُ إذَا بَاعَهُ بِمِثْلِ رَأْسِ الْمَالِ فَأَقَلَّ ضَعُفَتْ التُّهْمَةُ وَإِذَا كَانَ بِأَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ قَوِيَتْ التُّهْمَةُ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَنَّهُ إنَّمَا يَبِيعُ مِنْهُ ذَلِكَ عِنْدَ التَّفَاضُلِ بَعْدَ أَنْ يَرْضَى بِأَخْذِهِ رَبُّ الْمَالِ، فَإِذَا جَازَ بَيْعُهُ بِالنَّقْدِ جَازَ بَيْعُهُ بِأَجَلٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ تُهْمَةٍ تُوجَدُ فِيهِ مَعَ التَّأْجِيلِ تُوجَدُ مَعَ النَّقْدِ فَإِذَا لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ بَيْعَهَا بِالنَّقْدِ لَمْ يَمْنَعْ بَيْعَهَا بِالتَّأْجِيلِ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ إذَا دَفَعَ إلَى عَبْدِهِ مَالَ الْقِرَاضِ وَرَجُلٍ آخَرَ لِيَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ فِي ذَلِكَ، وَالْعَبْدُ يَكُونُ مَعَ الْعَامِلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ عَامِلًا مَعَهُ، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا، وَالثَّانِي يَكُونُ خَادِمًا لِلْمَالِ وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ، وَالثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ أَمِينًا عَلَيْهِ وَحَافِظًا لَهُ، فَإِنْ كَانَ عَامِلًا فِيهِ، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا وَهُمَا تَاجِرَانِ أَمِينَانِ فَهُوَ جَائِزٌ خِلَافًا لِأَبِي ثَوْرٍ فِي مَنْعِهِ ذَلِكَ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ شَرِيكٌ لَهُ فِي حِفْظِ الْمَالِ وَرِبْحِهِ، وَالْعَمَلِ فِيهِ فَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ صِحَّةَ الْقِرَاضِ كَالْأَجْنَبِيِّ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمِنْ شَرْطِ صِحَّةِ مُقَارَضَةِ الِاثْنَيْنِ أَنْ يَتَسَاوَى حَظُّهُمَا مِنْ الرِّبْحِ، فَإِنْ اخْتَلَفَ ذَلِكَ فَكَانَ لِأَحَدِهِمَا الثُّلُثُ وَلِلْآخِرِ السُّدُسُ وَلِصَاحِبِ الْمَالِ النِّصْفُ لَمْ يَجُزْ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي تَجْوِيزِهِمَا ذَلِكَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ بِأَنَّهُمَا شَرِيكَانِ بِأَبْدَانِهِمَا فَلَا يَجُوزُ تَفَاضُلُهُمَا فِيمَا يَعُودُ نَوْعُهُ عَلَيْهِمَا كَالشَّرِكَةِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْأَبْدَانِ.

(فَرْعٌ) وَسَوَاءٌ كَانَ أَحَدُ الْعَامِلَيْنِ أَبْصَرَ مِنْ الْآخَرِ أَوْ مِثْلَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْعَامِلُ الْأَجْنَبِيُّ أَبْصَرَ مِنْ غُلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الشَّرِيكَيْنِ فِي التِّجَارَةِ تُسَاوِيهِمَا فِي الْبَصَرِ بِالْعَمَلِ الَّذِي اشْتَرَكَا فِيهِ كَالْمُعَلِّمَيْنِ، وَالطَّبِيبَيْنِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا إنْ كَانَ الْعَبْدُ لِخِدْمَةِ الْمَالِ فَهُوَ جَائِزٌ إذَا كَانَ الْمَالُ كَثِيرًا يَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَخْدُمُهُ وَيُعِينُهُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ مَعَهُ مَنْ يَحْفَظُ الْمَالَ مِنْهُ فَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ لِأَنَّ الرِّبْحَ لِغُلَامِهِ لَا يَكُونُ الرِّبْحُ لِلسَّيِّدِ حَتَّى يَنْتَزِعَهُ مِنْهُ يُرِيدُ أَنَّ مَا أَبْرَزَتْهُ لِلْغُلَامِ الْقِسْمَةُ مِنْ الرِّبْحِ فَهُوَ مِلْكٌ لَهُ وَلَا يَمْلِكُهُ السَّيِّدُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ إلَّا بِالِانْتِزَاعِ، وَلَوْ كَانَتْ حِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ لِلسَّيِّدِ لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فَسَادًا فِي الْقَرْضِ مِنْ جِهَةِ الْجَهْلِ بِالْحِصَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ دَفَعَ رَجُلٌ مَالًا قِرَاضًا إلَى عَامِلٍ عَلَى أَيِّ جُزْءٍ اتَّفَقَا عَلَيْهِ جَازَ ذَلِكَ فَلَا يَبْطُلُ الْقِرَاضُ بِإِضَافَةِ حِصَّةِ أَحَدِ الْعَامِلَيْنِ إلَى حِصَّةِ رَبِّ الْمَالِ، وَإِنَّمَا كَانَ يَبْطُلُ إذَا كَانَ الْعَامِلُ نَائِبًا عَنْ رَبِّ الْمَالِ فَمَا كَانَ مِنْ رِبْحٍ لَهُ وَمَا كَانَ مِنْ عَمَلٍ فَإِنَّهُ يَنُوبُ عَنْهُ وَإِذَا قُلْنَا إنَّ الْعَبْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>