للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

) .

ــ

[المنتقى]

عَلَيْهِمَا عَقْدٌ وَاحِدٌ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ عُقُودٌ لَازِمَةٌ وَعَقْدُ الْقِرَاضِ عَقْدٌ جَائِزٌ، وَالْجَوَازُ ضِدُّ اللُّزُومِ فَلَمَّا تَنَافَى مُقْتَضَاهُمَا لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَجْتَمِعَا فِي عَقْدٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُخْرِجُ أَحَدَهُمَا عَنْ مُقْتَضَاهُ وَيُوجِبُ فَسَادَهُ وَإِذَا فَسَدَ أَحَدُهُمَا فَسَدَ الْآخَرُ لِاشْتِمَالِ الْعَقْدِ عَلَيْهِمَا.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ وَقَعَ بَيْعٌ وَقِرَاضٌ فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ ابْنِ مُزَيْنٍ يُفْسَخُ ذَلِكَ مَا لَمْ تَفُتْ السِّلْعَةُ وَيُعْمَلُ فِي الْقِرَاضِ ثُمَّ يَتَقَارَضَانِ قِرَاضًا صَحِيحًا إنْ شَاءَ، فَإِنْ لَمْ تَفُتْ سِلْعَةٌ الْبَيْعَ، وَقَدْ عُمِلَ فِي الْمَالِ فُسِخَ الْبَيْعُ وَكَانَ أَجِيرًا فِي الْقِرَاضِ، وَإِنْ فَاتَتْ السِّلْعَةُ وَعُمِلَ فِي الْمَالِ فَكَذَلِكَ أَيْضًا لَهُ قِيمَةُ سِلْعَتِهِ وَيُرَدُّ فِي الْقِرَاضِ إلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ وَيَكُونُ نَمَاءُ الْمَالِ لِرَبِّهِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا إنْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ عَمَلًا كَالصَّانِعِ يَأْخُذُ الْقِرَاضَ عَلَى الْعَمَلِ أَوْ يَعْمَلُ بِيَدِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ فَاتَ فَهُوَ أَجِيرٌ.

وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ هُمَا عَلَى قِرَاضِهِمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ لَهُ أَجْرُ عَمَلِهِ وَيَكُونُ فِي الْمَالِ عَلَى قِرَاضِ مِثْلِهِ دُونَ اشْتِرَاطِ عَمَلِهِ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَلَا سَلَفَ وَلَا مِرْفَقَ يَشْتَرِطُ أَحَدُهُمَا لِنَفْسِهِ دُونَ صَاحِبِهِ عَلَى مَا قَالَ إنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ السَّلَفَ طَرِيقُهُ اللُّزُومُ، وَكَذَلِكَ عُقُودُ الْمَرَافِقِ، وَذَلِكَ مِمَّا يُنَافِي عُقُودَ الْجَوَازِ، فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ فَرِبْحُ السَّلَفِ لِلْعَامِلِ، وَهُوَ فِي الْمِائَةِ الْأُخْرَى أَجِيرٌ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ فِي قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُعَيِّنَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ عَلَى غَيْرِ شَرْطٍ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ إذَا صَحَّ ذَلِكَ مِنْهُمَا يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا يُعَيِّنُ صَاحِبَهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَلَا عِوَضٍ إلَّا لِمُجَرَّدِ الْمَعْرُوفِ، وَالْمِرْفَقِ فِيمَا يَجُوزُ أَنْ يُعَيِّنَهُ فِيهِ وَلَا يَعُودُ بِفَسَادِ الْقِرَاضِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَبْلَ هَذَا فَإِنَّهُ إذَا صَحَّ ذَلِكَ مِنْهُمَا وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِمَعْنَى الْقِرَاضِ الَّذِي بَيْنَهُمَا فَهُوَ جَائِزٌ غَيْرُ مُفْسِدٍ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْقِرَاضِ.

(فَصْلٌ) :

وَلَا يَنْبَغِي لِلْمُتَقَارَضَيْنِ أَنْ يَشْتَرِطَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ زِيَادَةً مِنْ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ وَلَا طَعَامٍ وَلَا شَيْئًا مِنْ الْأَشْيَاءِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مِنْ غَيْرِ رِبْحِ الْقِرَاضِ كَانَتْ مَعَ الْقِرَاضِ إجَارَةً إنْ اشْتَرَطَ ذَلِكَ الْعَامِلُ، وَإِنْ اشْتَرَطَهُ صَاحِبُ الْمَالِ فَإِنَّهُ عَمَلٌ وَعَيْنٌ مَعْلُومٌ بِعَيْنٍ مَجْهُولٍ.

(فَرْعٌ) فَإِنْ نَزَلَ ذَلِكَ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ إنْ تَرَكَ ذَلِكَ مَنْ اشْتَرَطَهُ قَبْلَ الْعَمَلِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ قَدْ أَسْقَطَ مَا أَدْخَلَ الْفَسَادَ فِي الْعَقْدِ فِي وَقْتٍ يَجُوزُ لَهُ تَرْكُهُ وَابْتِدَاؤُهُ فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ فَسَخَ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ وَاسْتَأْنَفَ عَقْدًا صَحِيحًا.

(فَرْعٌ) وَأَمَّا بَعْدَ الْعَمَلِ فَرَوَى يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّهُ إنْ أَبْطَلَ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ مُشْتَرِطُهُ صَحَّ الْعَقْدُ وَتَمَادَيَا عَلَيْهِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ يَحْيَى بَعْدَ الْعَمَلِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَإِنْ دَخَلَ الْقِرَاضَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ صَارَ إجَارَةً وَلَا يَصْلُحُ إلَّا بِشَيْءٍ ثَابِتٍ مَعْلُومٍ يُرِيدُ إنْ اشْتَرَطَهُ الْعَامِلُ فَهُوَ إجَارَةٌ؛ لِأَنَّ مِنْ حُكْمِ الْقِرَاضِ أَنْ يَكُونَ عِوَضُ الْعَمَلِ حَقُّهُ مَقْصُورٌ عَلَى مَا يُتَرَقَّبُ خُرُوجُهُ مِنْ النَّمَاءِ فَإِذَا اشْتَرَطَ الْعَامِلُ ذَهَبًا مِنْ غَيْرِهِ أَوْ غَيْرِ ذَهَبٍ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ سُنَّةِ الْقِرَاضِ إلَى مَا لَا يَجُوزُ فِيهِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِي الْإِجَارَةِ إلَّا أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْإِجَارَةِ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ عِوَضِهَا مَعْلُومًا فَإِذَا كَانَ بَعْضُ عِوَضِهَا مَجْهُولًا مُتَرَقَّبًا مِنْ النَّمَاءِ لَمْ تَصِحَّ الْإِجَارَةُ أَيْضًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِجَارَةِ عَلَى التِّجَارَةِ بِالْمَالِ وَبَيْنَ الْقِرَاضِ أَنَّ فِي الْإِجَارَةِ يَسْتَأْجِرُهُ عَلَى أَنْ يَتَّجِرَ لَهُ فِي مَالِهِ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ مُعَيَّنٍ مَقْبُوضٍ أَوْ مُقَدَّرٍ فِي الذِّمَّةِ بِعَقْدٍ لَازِمٍ، فَإِنْ جُعِلَ شَيْءٌ مِنْهُ فِي النَّمَاءِ الْمُتَرَقَّبِ لَمْ يَجُزْ وَمَعْنَى الْقِرَاضِ أَنْ يُعَامِلَهُ مُعَامَلَةً جَائِزَةً لِيَعْمَلَ فِي مَالِهِ بِجُزْءٍ مِنْ نَمَائِهِ الْمُتَرَقَّبِ فَإِنْ صُرِفَ شَيْءٌ مِنْ عِوَضِ الْعَمَلِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ

<<  <  ج: ص:  >  >>