للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: فِي الرَّجُلِ يَدْفَعُ إلَى الرَّجُلِ مَالًا قِرَاضًا وَيَشْتَرِطُ عَلَى الَّذِي دَفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ الضَّمَانَ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ لِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِطَ فِي مَالِهِ غَيْرَ مَا وُضِعَ الْقِرَاضُ عَلَيْهِ وَمَا مَضَى مِنْ رِبْحِ سَنَةِ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ فَإِنَّمَا الْمَالُ عَلَى شَرْطِ الضَّمَانِ كَانَ قَدْ ازْدَادَ فِي حَقِّهِ مِنْ الرِّبْحِ مِنْ أَجْلِ مَوْضِعِ الضَّمَانِ، وَإِنَّمَا يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ عَلَى مَا لَوْ أَعْطَاهُ إيَّاهُ عَلَى غَيْرِ الضَّمَانِ، وَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ لَمْ أَرَ عَلَى الَّذِي أَخَذَهُ ضَمَانًا؛ لِأَنَّ شَرْطَ الضَّمَانِ فِي الْقِرَاضِ بَاطِلٌ) .

ــ

[المنتقى]

لَهُ هَذَا التَّعْيِينَ فَإِنَّمَا هُوَ رَسُولٌ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ فِي الْمَالِ سُنَّتُهُ التَّصَرُّفُ وَطَلَبُ الِاسْتِرْخَاصِ فَإِذَا مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَنَصَّ عَلَى الِابْتِيَاعِ مِنْ مُعَيَّنٍ فَإِنَّمَا هُوَ رَسُولٌ إلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ الْمُعَيَّنِ يَبْتَاعُ مِنْهُ لِرَبِّ الْمَالِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَتَعَلَّقَ أُجْرَتُهُ بِضَمَانِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ مَجْهُولٌ وَمِقْدَارَهُ مَجْهُولٌ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مُوسِرًا لَا تَعْدَمُ عِنْدَهُ السِّلَعُ وَالْمَتَاجِرُ أَوْ مُعْسِرًا يَعْدَمُ ذَلِكَ عِنْدَهُ قَالَهُ عِيسَى وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يَمْنَعُ وُجُودَ النَّمَاءِ غَالِبًا وَيَعْتَمِدُ عَلَى اخْتِيَارِ ذَلِكَ الرَّجُلِ الْمُعَيَّنِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ مُبَايَعَتِهِ جُمْلَةً أَوْ مِنْ مُبَايَعَتِهِ إلَّا بِمَا شَاءَ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي لَا يُرْجَى بَعْدَهُ رِبْحٌ.

(فَرْعٌ) فَإِنْ وَقَعَ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ يُفْسَخُ مَا لَمْ يَفُتْ، فَإِنْ فَاتَ صُحِّحَ بِمَا يَصِحُّ بِهِ الْقِرَاضُ الْفَاسِدُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَتَّجِرَ إلَّا فِي حَانُوتٍ مُعَيَّنٍ) وَأَمَّا إنْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَتَّجِرَ إلَّا بِبَلَدٍ مُعَيَّنٍ، فَإِنْ كَانَ حَيْثُ عَقَدَا الْقِرَاضَ وَكَانَ لَا يُعْدَمُ فِيهِ التِّجَارَةُ الَّتِي يَقْصِدَانِ لِعِظَمِ ذَلِكَ الْبَلَدِ وَكَثْرَةِ مَتَاجِرِهِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْمَتَاجِرُ تُعْدَمُ فِيهِ لِصِغَرِهِ لَمْ يَجُزْ فَأَمَّا إنْ كَانَ بِغَيْرِ بَلَدِ الْقِرَاضِ، وَإِنَّمَا شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ إلَيْهِ فَذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَخْرُجَ إلَيْهِ لِيَتَّجِرَ بِهِ، وَالثَّانِي أَنْ يَخْرُجَ إلَيْهِ لِيَبِيعَ فِيهِ مَا يَحْمِلُ إلَيْهِ وَيَجْلِبُ مِنْهُ مَا يَشْتَرِي فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ هُوَ جَائِزٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ شَرَطَ عَلَيْهِ التِّجَارَةَ بِبَلَدٍ يُعْلَمُ وُجُودُهَا بِهِ أَبَدًا كَمَا لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ بَلَدَ عَقْدِ الْقِرَاضِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَاخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُنَا فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ الْمَنْعَ مِنْهُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَرَوَى أَبُو زَيْدٍ فِي ثَمَانِيَتِهِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِيمَنْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِينَارٍ قِرَاضًا يَذْهَبُ بِهَا إلَى بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ بِعَيْنِهِ لِيَشْتَرِيَ بِهَا مَتَاعًا وَيَقْدُمَ بِهَا إلَى الْمَدِينَةِ لَا يَبِيعُ إلَّا بِهَا وَشَرَطَ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَهُوَ قِرَاضُ النَّاسِ لَمْ أَسْمَعْ فِيهِ اخْتِلَافًا، وَرَوَى أَصْبُغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إجَازَتَهُ فِيمَنْ قَارَضَ رَجُلًا عَلَى أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْبُحَيْرَةِ أَوْ الْفَيُّومِ يَشْتَرِي بِهَا طَعَامًا قِيلَ لَهُ فَالْمَكَانُ بَعِيدٌ مِثْلُ بَرْقَةَ وَإِفْرِيقِيَّةَ عَلَى أَنْ يَخْرُجَ إلَيْهَا يَشْتَرِي بِهَا فَقَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ هَذَا اشْتِرَاطٌ عَلَى الْعَامِلِ سَفَرًا بِعَيْنِهِ وَرُبَّمَا عَدِمَ التِّجَارَةَ وَالرِّبْحَ فِيهِ لِكَسَادِ سُوقٍ أَوْ انْقِطَاعِ طَرِيقٍ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ كَمَا لَوْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ التِّجَارَةَ فِي سِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا وَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذَا نَوْعٌ مِنْ التِّجَارَةِ لَا يَكَادُ يَخْلُفُهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ عَلَى الْمَعْهُودِ فَجَازَ أَنْ يُقْصَرَ الْعَامِلُ عَلَيْهِ كَالتُّجَّارِ فِي الْبَزِّ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ لِرَبِّ الْمَالِ إذَا شَرَطَ الضَّمَانَ عَلَى الْعَامِلِ أَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي فَسَادَ الْعَقْدِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ عَقْدَ الْقِرَاضِ لَا يَقْتَضِي ضَمَانَ الْعَامِلِ، وَإِنَّمَا يَقْتَضِي الْأَمَانَةَ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ فَلِذَلِكَ إذَا شَرَطَ نَقْلَ الضَّمَانِ عَنْ مَحَلِّهِ بِإِجْمَاعٍ اقْتَضَى ذَلِكَ فَسَادَ الْعَقْدِ وَالشَّرْطِ، فَإِنْ ادَّعَى ضَيَاعَهُ أَوْ سَرِقَتَهُ صُدِّقَ، وَإِنْ ادَّعَى رَدَّهُ إلَى صَاحِبِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ إنْ كَانَ دَفَعَ إلَيْهِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَإِنْ كَانَ دَفَعَ إلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ لَمْ يَبْرَأْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِذَا دَفَعَ الْقِرَاضَ عَلَى الضَّمَانِ وَجَبَ فَسْخُهُ مَا لَمْ يَفُتْ، فَإِنْ فَاتَ بَطَلَ الشَّرْطُ وَرُدَّ فِيمَا قَدْ مَضَى مِنْهُ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي تَحْصِيلِ رَأْسِ الْمَالِ عَلَى هَيْئَتِهِ إلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي رَدِّ جَمِيعِ الْقِرَاضِ الْفَاسِدِ إلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَإِنَّمَا يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ عَلَى مَا لَوْ أَعْطَاهُ إيَّاهُ عَلَى غَيْرِ ضَمَانٍ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ ادَّعَى خَسَارَةً وَكَانَ وَجْهُ مَا ادَّعَاهُ مَعْرُوفًا بِأَنْ يَكُونَ مَنْ سَافَرَ مِثْلَ سَفَرِهِ أَوْ تَجَرَ مِثْلَ تِجَارَتِهِ أَصَابَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>