للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

بَيْنَهُمَا مَعَ الْعَدَالَةِ كَالْمُبْصِرِ وَالْأَعْمَى يَعْرِفُ ذَلِكَ بِمَعْرِفَةِ الصَّوْتِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا احْتَجَّ بِهِ سَحْنُونٌ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَطَأَ امْرَأَتَهُ بِمَعْرِفَةِ صَوْتِهَا وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى حَقِّهِ بِمَعْرِفَةِ صَوْتِ مُبَايِعِهِ وَالْمُقْتَرِضِ مِنْهُ قَالَ الْمُغِيرَةُ وَابْنُ نَافِعٍ وَسَحْنُونٌ سَوَاءٌ وُلِدَ أَعْمَى أَوْ عَمِيَ بَعْدَ ذَلِكَ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعِ جَمِيعَ مَا شَهِدَ بِهِ فَإِنْ كَانَ نَسِيَ مِنْهُ مَا لَا يُخِلُّ بِمَا حَفِظَ فَلْيَشْهَدْ بِمَا حَفِظَ وَتَيَقَّنَهُ دُونَ مَا يَشُكُّ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ نَسِيَ مَا يَخَافُ أَنْ يَكُونَ مُؤَثِّرًا لِمَا حَفِظَ وَمُغَيِّرًا لِحُكْمِهِ فَلَا يَشْهَدُ بِهِ وَهَذَا حُكْمُ الْإِقْرَارِ فِيمَنْ سَمِعَ رَجُلًا يُحَدِّثُ غَيْرَهُ بِمَا فِيهِ إقْرَارٌ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَمُرُّ بِالرَّجُلَيْنِ يَتَكَلَّمَانِ وَلَمْ يُشْهِدَاهُ فَيَدْعُوهُ أَحَدُهُمَا إلَى الشَّهَادَةِ أَنَّهُ لَا يَشْهَدُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَّا أَنْ يَسْتَوْعِبَ كَلَامَهُمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَذَلِكَ عِنْدِي عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ لِمَالِكٍ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يَشْهَدُ بِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ مَخَافَةَ الِاسْتِغْفَالِ وَالتَّحَيُّلِ عَلَى الْمُقِرِّ، وَالثَّانِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ إذَا اسْتَوْعَبَ الْكَلَامَ وَلَمْ يَفُتْهُ مَا يَخَافُ أَنْ يُخِلَّ بِالْمَعْنَى.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ تَفْسِيرًا لِقَوْلِ مَالِكٍ وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَوْلُ مَالِكٍ الْأَوَّلُ لَا يَشْهَدُ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ مَا يُقَوِّي هَذَا التَّأْوِيلَ فِيمَنْ سَمِعَ رَجُلَيْنِ يَتَنَازَعَانِ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ وَلَمْ يَشْهَدْ السَّامِعُ لَا يَشْهَدُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَاذِفًا.

وَقَالَ أَشْهَبُ هَذِهِ رِوَايَةٌ فِيهَا وَهْمٌ وَلْيَشْهَدْ بِمَا سَمِعَ مِنْ إقْرَارِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُقِرُّ فَلْيُعْلِمْهُ.

وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَقْوَالُ أَصْحَابِهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْمَعْنَى وَيَرْجِعُ إلَيْهِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي شَهَادَةِ الْمُخْتَفِي عَلَى الْإِقْرَارِ إذَا كَانَ الْمُقِرُّ مِمَّنْ يَخَافُ أَنْ يُخْدَعَ أَوْ يُسْتَضْعَفَ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ وَيَحْلِفُ أَنَّهُ مَا أَقَرَّ إلَّا لِمَا يُذْكَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا مَنْ لَا يُخَافُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَهُوَ فِي الْخَلْوَةِ يُقِرُّ وَيَجْحَدُ عِنْدَ الْبَيِّنَةِ فَعَسَى أَنْ يَلْزَمَهُ ذَلِكَ، وَرَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ أَرَى ذَلِكَ ثَابِتًا وَسُئِلَ سَحْنُونٌ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ الشَّعْبِيَّ وَشُرَيْحًا كَانَا لَا يُجِيزَانِ ذَلِكَ فَظَاهِرُ مَا جَاوَبَ بِهِ مِنْ الرِّوَايَةِ الْأَخْذُ بِهَا فِي الْمَنْعِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الرَّجُلَيْنِ يَتَحَاسَبَانِ بِحَضْرَةِ رَجُلَيْنِ وَيَشْتَرِطَانِ عَلَيْهِمَا أَنْ لَا يَشْهَدَا بِمَا يُقِرَّانِ بِهِ فَيُقِرُّ أَحَدُهُمَا فَيَطْلُبُهُمَا الْآخَرُ بِالشَّهَادَةِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يَمْتَنِعَانِ مِنْ الشَّهَادَةِ وَلَا يُعَجِّلَا فَإِنْ اصْطَلَحَ الْمُتَدَاعِيَانِ وَإِلَّا فَلْيُؤَدِّيَا الشَّهَادَةَ، وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ نَافِعٍ لَا أَرَى بِامْتِنَاعِهِمَا مِنْ الشَّهَادَةِ بَيْنَهُمَا بَأْسًا.

وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْحَاكِمِ بِمَا سَمِعَ مِنْ الْخُصُومِ، وَكَذَلِكَ شَهَادَةُ مَنْ تَوَسَّطَ بَيْنَ اثْنَيْنِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا سَأَلَ الْمُسْتَفْتِي فَقِيهًا عَنْ أَمْرٍ يُنَوَّى فِيهِ، وَلَوْ أَقَرَّ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَوْ أَسَرَّ بِهِ بَيِّنَةً لَمْ يُنَوَّ وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ فَأَتَتْهُ الزَّوْجَةُ تَسْأَلُهُ عَنْ الشَّهَادَةِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَشْهَدُ عَلَيْهِ زَادَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَلَوْ شَهِدَ لَمْ يَنْفَعْهَا؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ عَلَى غَيْرِ الْإِشْهَادِ وَمَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ حَدٍّ مِمَّا لَا رُجُوعَ لَهُ عَنْهُ ثُمَّ أَنْكَرَ فَلْيَشْهَدْ بِهِ عَلَيْهِ.

وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْفَقِيهِ بِمَا يُسْأَلُ عَنْهُ.

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا إذَا شَهِدَ عَلَى مَا تَقَيَّدَ فِي كِتَابٍ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَخْتُومٍ أَوْ مَخْتُومًا فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَخْتُومٍ فَعِنْدِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقْرَأَ مَا تَقَيَّدَتْ بِهِ الشَّهَادَةُ فِي آخِرِ الْعَقْدِ إنْ كَانَ يَقْرَأُ أَوْ يُقْرَأُ لَهُ إنْ كَانَ أُمِّيًّا أَوْ أَعْمَى لِيُعْلَمَ بِذَلِكَ مُوَافَقَةَ تَقْيِيدِ الشَّهَادَةِ لِمَا شَهِدَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْكِتَابُ مَخْتُومًا فَفِي الْمَعُونَةِ لِلْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ دَفَعَ إلَى شُهُودٍ كِتَابًا مَطْوِيًّا، وَقَالَ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ هَلْ يَصِحُّ تَحَمُّلُهُمْ لِلشَّهَادَةِ أَمْ لَا، وَكَذَلِكَ الْحَاكِمُ إذَا كَتَبَ كِتَابًا إلَى حَاكِمٍ وَخَتَمَهُ وَأَشْهَدَ الشُّهُودَ بِأَنَّهُ كِتَابُهُ وَلَمْ يَقْرَأْ عَلَيْهِمْ فَعَنْهُ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّ الشَّهَادَةَ جَائِزَةٌ وَالْأُخْرَى أَنَّهُمْ لَا يَشْهَدُونَ بِهِ إلَّا أَنْ يَقْرَؤُهُ وَقْتَ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ.

فَوَجْهُ الْجَوَازِ أَنَّهُ أَشْهَدَهُمْ عَلَى إقْرَارِهِ بِمَا فِي كِتَابٍ عَرَفُوهُ فَصَحَّ تَحَمُّلُهُمْ لِلشَّهَادَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>