للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: وَمَا كَانَ مِنْ رَهْنٍ يَهْلِكُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَلَا يُعْلَمُ هَلَاكُهُ إلَّا بِقَوْلِهِ فَهُوَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ، وَهُوَ لِقِيمَتِهِ ضَامِنٌ يُقَالُ لَهُ صِفْهُ فَإِذَا وَصَفَهُ أُحْلِفَ عَلَى صِفَتِهِ وَتَسْمِيَةِ مَالِهِ فِيهِ ثُمَّ يُقَوِّمُهُ أَهْلُ الْبَصَرِ بِذَاكَ فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ عَمَّا

ــ

[المنتقى]

ضَيَاعَهَا مِنْ كَذِبِهِ.

وَأَمَّا الْحَيَوَانُ فَإِنَّ ادِّعَاءَ إبَاقِ الْعَبْدِ، وَهُرُوبِ الْحَيَوَانِ أَمْرٌ لَا يَكَادُ الْمُرْتَهِنُ أَنْ يُقِيمَ بِهِ بَيِّنَةً؛ لِأَنَّ هَذَا يَكُونُ كَثِيرًا فِي وَقْتِ الْغَفْلَةِ، وَفِي حِينٍ لَا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بِهِ قَالَ مَالِكٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَا أَخَذَهُ عَلَيْهِ عَلَى غَيْرِ الضَّمَانِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ كَذِبُهُ وَذَلِكَ مِثْلُ مَا قَالَ أَشْهَبُ إذَا زَعَمَ أَنَّ الدَّابَّةَ انْفَلَتَتْ مِنْهُ أَوْ الْعَبْدَ كَابَرَهُ بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ النَّاسِ فَيُنْكِرُونَ ذَلِكَ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِينَ اُدُّعِيَ عَلَيْهِمْ غَيْرَ عُدُولٍ فَلَا يُصَدَّقُونَ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَأَصْحَابِهِ فِيمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا غَيْرَ عُدُولٍ لَمْ يَثْبُتْ كَذِبُهُ وَكَانَ عَلَى أَصْلِهِ فِي التَّصْدِيقِ وَانْتِفَاءِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ أَخَذَهُ فَوُجُودُ غَيْرِ الْعُدُولِ كَعَدَمِهِمْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْحُكْمِ لَهُ وَعَلَيْهِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا فِي الْمَوْتِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ يُصَدَّقُ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ كَذِبُهُ بِدَعْوَاهُ ذَلِكَ بِمَوْضِعٍ لَا يَعْلَمُ أَهْلُهُ ذَلِكَ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يُصَدَّقُ إذَا ادَّعَى مَوْتَهُ فِي الْفَيَافِي وَالْقَفْرِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ بِهِ مَنْ يُعْرَفُ بِهِ صِدْقُهُ أَوْ كَذِبُهُ فَإِنْ كَانَ فِي الْقُرَى وَحَيْثُ يَكُونُ النَّاسُ فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ يَكُونُ فِيهِ أَهْلُ الْعَدْلِ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ مَوْتَ ذَلِكَ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَوْ قَالَ مَاتَتْ دَابَّةٌ لَا نَعْلَمُ لِمَنْ هِيَ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ فَوَصَفُوهَا إنْ عَرَفُوا الصِّفَةَ أَوْ لَمْ يَصِفُوهَا قَبْلَ قَوْلِهِ إنَّهَا هِيَ، وَيَحْلِفُ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْمِقْدَارَ مِنْ الْعِلْمِ هُوَ الَّذِي يَعْلَمُ أَهْلُ الْجِهَةِ الَّتِي مَاتَتْ الدَّابَّةُ بِهَا فَإِذَا عَدِمَ ذَلِكَ عُلِمَ كَذِبُهُ فِيمَا زَعَمَهُ مِنْ مَوْتِهِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ رَأَى دَابَّةً مَيِّتَةً سَأَلَ عَمَّنْ مَلَكَهَا، وَلَا يَتَبَيَّنُ صِفَتَهَا بَلْ يَصْرِفُ بَصَرَهُ عَنْهَا، وَيُسْرِعُ الْمَشْيَ فِي الْبُعْدِ عَنْهَا فَلَا يَتَبَيَّنُ كَذِبُ مُدَّعِي ذَلِكَ فِي عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ بِهَذَا الْمَعْنَى مِنْهَا.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ: وَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُنْقِصُ مِنْ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ شَيْئًا يُرِيدُ أَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ عَلَى الرَّاهِنِ بِكَمَالِهِ لَا يَنْقُصُ مِنْهُ لِأَجْلِ مَا ذَهَبَ مِنْ الرَّهْنِ بِيَدِهِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ إذَا رَهَنَ مِنْ رَاهِنِهِ، وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ: الرَّهْنُ كُلُّهُ مِنْ ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ.

وَرَوَى الْقَاضِي أَبُو الْفَرَجِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ ارْتَهَنَ نِصْفَ عَبْدٍ وَقَبَضَهُ كُلَّهُ وَتَلِفَ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إلَّا بِصِفَةٍ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ لِمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَضْمُونٌ بِقَدْرِ الدَّيْنِ دُونَ قِيمَتِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ مَا لَا يُضْمَنُ بِقِيمَتِهِ لَا يُضْمَنُ بِقِيمَةِ غَيْرِهِ كَالْوَدِيعَةِ.

وَقَدْ قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: قُلْت فَفِي أَيِّ مَوْضِعٍ يَكُونُ الرَّهْنُ بِمَا فِيهِ إنْ ضَاعَ فَقَالَ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ، وَلَا يُعْلَمُ لَهُ قِيمَةٌ، وَلَا صِفَةٌ لِقَوْلِ الرَّاهِنِ، وَلَا الْمُرْتَهِنِ، وَلَا غَيْرِهِمَا فَهَذَا لَا طَلَبَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَقَدْ كَانَ الْقِيَاسُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَجْعَلَ قِيمَتَهُ مِنْ أَدْنَى الرَّهْنِ.

وَقَدْ ذُكِرَ لِي ذَلِكَ عَنْ أَشْهَبَ وَمَا قُلْت لَك أَوَّلًا هُوَ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ، وَأَحَقُّهُ بِحَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّهْنُ بِمَا فِيهِ قَالَ أَبُو الزِّنَادِ، وَفِي الْحَدِيثِ إذَا عَمِيَتْ قِيمَتُهُ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ لَا يَثْبُتُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ شَيْءٌ، وَلَا لَهُ أَصْلٌ، وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الرَّهْنَ يُضْمَنُ مِنْهُ قَدْرُ الدَّيْنِ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ قِيمَتِهِ فَهُوَ أَمَانَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ.

وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَا رُوِيَ فَوْقَ هَذَا مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ الرَّهْنُ بِمَا فِيهِ هُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ إنَّمَا ذَلِكَ إذَا جُهِلَتْ صِفَاتُهُ، وَلَمْ يَدَّعِ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ رَاهِنٌ، وَلَا مُرْتَهِنٌ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَبَلَغَنِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: الرَّهْنُ بِمَا فِيهِ إذَا ضَاعَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَكَانَتْ قِيمَتُهُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -.

<<  <  ج: ص:  >  >>