للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

حَوَانِيتِهِمْ لَا يَكَادُونَ يَنْقُلُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَنْهَا فَإِنِّي أَرَى أَنْ يُصَدَّقُوا فِيمَا يَدَّعُونَ مِنْ احْتِرَاقِ ذَلِكَ فِيمَا عُرِفَ وَشُوهِدَ مِنْ احْتِرَاقِ حَانُوتِهِ، وَقَدْ أَفْتَيْتُ بِذَلِكَ فِي طَرْطُوشَةَ عِنْدَ احْتِرَاقِ أَسْوَاقِهَا وَكَثُرَتْ الْخُصُومَةُ فِي مِثْلِ هَذَا، وَأَنَا مَعَهُمْ بِهَا وَغَالِبُ ظَنِّي أَنَّ بَعْضَ مَنْ كَانَ هُنَاكَ مِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ أَظْهَرَ إلَيَّ رِوَايَةً عَنْ ابْنِ أَيْمَنَ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ إنَّمَا قَبَضَ الرَّهْنَ عَلَى الضَّمَانِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ خَوْفُ ضَمَانِ التَّعَدِّي، وَأَنَّهُ غَيْرُ مُصَدَّقٍ فِيمَا يَدَّعِي مِنْ ضَيَاعِهِ لَا بِضَمَانٍ أَثْبَتَهُ الشَّرْعُ عَلَيْهِ بِمُقْتَضَى الرَّهْنِ فَإِذَا كَانَتْ لَهُ شُبْهَةٌ مِنْ احْتِرَاقِ حَانُوتِهِ وَكَانَ هَذَا الرَّهْنُ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِحِفْظِهِ فِي حَانُوتِهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيمَا ادَّعَاهُ مِنْ كَوْنِهِ فِيهِ حِينَ احْتِرَاقِهِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِذَا أَتَى الْمُرْتَهِنُ بِالرَّهْنِ، وَهُوَ سَاجٌ قَدْ تَأْكُلُهُ السُّوسُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَيَحْلِفُ مَا ضَيَّعَهُ، وَلَا أَرَادَ فِيهِ فَسَادًا، وَإِنْ كَانَ أَضَاعَهُ، وَلَمْ يَنْظُرْ فِي أَمْرِهِ حَتَّى أَصَابَهُ بِسَبَبِهِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ شَيْءٌ رَوَاهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ.

وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ: إذَا تَآكَلَتْ الثِّيَابُ عِنْدَ مُرْتَهِنِهَا أَوْ قَرَضَهَا الْفَأْرُ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ أَضَاعَهَا ضَمِنَ، وَإِلَّا لَمْ يَضْمَنْ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَضْمَنُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا إنْ تَلِفَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ فِي أَنَّهُ مَضْمُونٌ خِلَافًا لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالزُّهْرِيِّ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ فِي قَوْلِهِمْ: إنَّ الرَّهْنَ كُلَّهُ أَمَانَةٌ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ قَبْضَ مَا يُمْلَكُ فَمَنْفَعَتُهُ لِلْقَابِضِ مُؤَثِّرَةٌ فِي الضَّمَانِ كَالشِّرَاءِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَالرَّهْنُ مَضْمُونٌ عَلَى حُكْمِ الِارْتِهَانِ فِي الضَّمَانِ مِنْ حِينِ يَقْبِضُهُ الْمُرْتَهِنُ إلَى أَنْ يَرُدَّهُ إلَى رَاهِنِهِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى فِيمَنْ سَأَلَكَ سَلَفًا فَأَعْطَاك بِهِ رَهْنًا فَتَلِفَ الرَّهْنُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ السَّلَفُ إلَى الرَّاهِنِ فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهُ إلَّا بِمَعْنَى الِاسْتِيثَاقِ، وَلَوْ دَفَعَ الرَّاهِنُ إلَى الْمُرْتَهِنِ مَا عَلَى الرَّهْنِ مِنْ الدَّيْنِ ثُمَّ تَلِفَ الرَّهْنُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ فَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ ارْتَهَنَ رَهْنًا بِدَيْنٍ فَاسْتَوْفَاهُ ثُمَّ ضَاعَ الرَّهْنُ عِنْدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَقْبُوضٌ عَلَى حُكْمِ الرَّهْنِ فَلَا تَأْثِيرَ فِيهِ لِقَضَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ مِائَةٌ فَأَدَّاهَا كُلَّهَا إلَّا دِرْهَمًا وَاحِدًا ثُمَّ ضَاعَ الرَّهْنُ لَمْ يُنْقِصْهُ مَا أَدَّى مِنْ ضَمَانِ الرَّهْنِ شَيْئًا، وَلَوْ كَانَ لَهُ فِيهِ تَأْثِيرٌ لَوَجَبَ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ ضَمَانِ الرَّهْنِ بِقَدْرِ مَا أَدَّى مِنْ دَيْنِهِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ بِقِيمَتِهِ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ بِضَمَانِهِ تَعَلُّقٌ لَكَانَ مَضْمُونًا بِدَيْنِهِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَوْ كَانَ لَك عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَلَهُ بِيَدِك رَهْنٌ فَوَهَبْته الدَّيْنَ ثُمَّ ضَاعَ عِنْدَك الرَّهْنُ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ أَنَّك تَضْمَنُهُ، وَنَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ مَقْبُوضٌ عَلَى حُكْمِ الرَّهْنِ فَبَرَاءَةُ الرَّاهِنِ مِمَّا رَهَنَ بِهِ لَا تُغَيِّرُ حُكْمِهِ فِي الضَّمَانِ كَمَا لَوْ قَضَاهُ ذَلِكَ.

(فَرْعٌ) وَهَلْ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ فِي هِبَتِهِ قَالَ أَشْهَبُ يَرْجِعُ الْوَاهِبُ فِيمَا وَضَعَ مِنْ حَقِّهِ لِيُقَاصَّهُ بِهِ فِي قِيمَةِ الرَّهْنِ فَإِنْ بَقِيَ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْضُهُ، وَإِنْ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ قِيمَةِ الثَّوْبِ شَيْءٌ أَدَّاهُ قَالَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُضَيِّعْ حَقَّهُ لِيُتْبَعَ بِقِيمَتِهِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَيُّ وَقْتٍ يُرَاعَى فِي قِيمَتِهِ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَضْمَنُ قِيمَةَ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْ الرَّهْنِ مِنْ حُلِيٍّ وَثِيَابٍ وَغَيْرِهِ يَوْمَ الضَّيَاعِ لَا يَوْمَ الرَّهْنِ.

وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: يَضْمَنُ قِيمَتَهُ يَوْمَ ارْتَهَنَهُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: أَنَّهُ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ عَلَيْهِ مِنْ يَوْمِ الرَّهْنِ، وَلِذَلِكَ لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ لَمْ يَضْمَنْهُ فَلِذَلِكَ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ ضَاعَ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ ضَمِنَهُ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي: أَنَّهُ إنَّمَا يَضْمَنُ بِالْقِيمَةِ فَلِذَلِكَ رُوعِيَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِنَا يَوْمَ الرَّهْنِ وَقَالَ أَصْبَغُ فِي الْوَاضِحَةِ مَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُرَاعَى قِيمَتُهُ يَوْمَ الضَّيَاعِ فَإِنْ جُهِلَتْ فَقِيمَتُهُ يَوْمَ الرَّهْنِ.

(فَرْعٌ) وَهَذَا إذَا لَمْ يُقَوَّمْ الرَّهْنُ يَوْمَ الِارْتِهَانِ، وَأَمَّا لَوْ قُوِّمَ الرَّهْنُ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَضَاعَ فَتِلْكَ الْقِيمَةُ تَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَا قَدْ زَادَا فِي قِيمَتِهِ أَوْ نَقَصَا فَيُرَدُّ إلَى قِيمَتِهِ إذَا عُلِمَ بِذَلِكَ قَالَهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ تَقْوِيمَهُمَا لِلرَّهْنِ عِنْدَ الرَّاهِنِ اتِّفَاقٌ مِنْهُمَا عَلَى قِيمَتِهِ، وَإِقْرَارٌ بِذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>