للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْمَنْبُوذِ أَنَّهُ حُرٌّ وَأَنَّ وَلَاءَهُ لِلْمُسْلِمِينَ هُمْ يَرِثُونَهُ وَيَعْقِلُونَ عَنْهُ) .

الْقَضَاءُ بِإِلْحَاقِ الْوَلَدِ بِأَبِيهِ (ص) : (قَالَ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إلَى أَخِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمَعَةَ مِنِّي فَاقْبِضْهُ إلَيْك قَالَتْ فَلَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ أَخَذَهُ سَعْدٌ. وَقَالَ ابْنُ أَخِي قَدْ كَانَ عَهِدَ إلَيَّ فِيهِ فَقَامَ إلَيْهِ عَبْدُ بْنُ زَمَعَةَ

ــ

[المنتقى]

لَفْظٌ يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ ذَلِكَ أَنْ لَوْ عَلِمَ أَنَّ عُمَرَ أَرَادَ مَا يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَيْهِ لَمْ أُخَالِفْهُ لِتَقَارُبِ الْأَدِلَّةِ فِي ذَلِكَ وَتَرَجُّحِهَا وَلَوْ أَنَّ مَالِكًا قَدْ تَأَوَّلَ قَوْلَ عُمَرَ لَك وَلَاؤُهُ أَيْ قَدْ جَعَلْت لَك أَنْ تَتَوَلَّى تَرْبِيَتَهُ وَالْقِيَامَ بِأَمْرِهِ وَأَنْتَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِك وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ الْتَقَطَ لَقِيطًا فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنْ نَزَعَهُ مِنْهُ غَيْرُهُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ مُلْتَقِطُهُ قَوِيًّا عَلَى مُؤْنَتِهِ وَإِمْسَاكِهِ رُدَّ إلَيْهِ قَالَ أَشْهَبُ إنْ كَانَا سَوَاءً أَوْ مُتَقَارِبِينَ فَالْأَوَّلُ أَوْلَى، فَإِنْ خِيفَ أَنْ يَضِيعَ عِنْدَ الْأَوَّلِ فَالثَّانِي أَوْلَى بِهِ إلَّا أَنْ يَطُولَ مُكْثُهُ عِنْدَ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ اللَّقِيطُ فِي ضَرَرٍ فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ بِهِ، وَهَذَا إنْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ فَإِنْ كَانَ مُلْتَقِطُهُ نَصْرَانِيًّا فَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ: يُنْزَعُ مِنْهُ لِئَلَّا يُنَصِّرَهُ أَوْ يَدْرُسَ أَمْرَهُ فَيَسْتَرِقَّهُ وَهَذِهِ وِلَايَةُ الْإِسْلَامِ لَا وِلَايَةُ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ اللَّقِيطَ مَجْهُولُ النَّسَبِ فَوَلَاؤُهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ.

وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ اللَّقِيطُ حُرٌّ وَلَهُ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ أَحَبَّ الَّذِي الْتَقَطَهُ أَوْ غَيْرُهُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَعَطَاءٌ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ: مِيرَاثُ اللَّقِيطِ بِمَنْزِلَةِ اللُّقَطَةِ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْكُوفِيِّينَ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مِيرَاثُهُ لِمَنْ الْتَقَطَهُ إلَّا أَنَّ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْهُ حَيْثُ شَاءَ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ مَنْ وَالَاهُ فَإِنْ عَقَلَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْهُ بِوَلَائِهِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ يُرِيدُ مُؤْنَتُهُ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ إنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ فُقَرَائِهِمْ مَعَ عَجْزِهِ عَنْ التَّكَسُّبِ وَخَوْفِ الضَّيَاعِ عَلَيْهِ وَإِنْ تَعَذَّرَ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ مَنْ الْتَقَطَ لَقِيطًا فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهُ حَتَّى يَبْلُغَ وَيَسْتَغْنِيَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطْرُدَهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا أَخَذَهُ مُلْتَقِطًا لَهُ فَقَدْ لَزِمَهُ أَمْرُهُ وَحِفْظُهُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ وَإِنْ اسْتَأْذَنَ فِي ذَلِكَ الْإِمَامَ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ قَالَ: وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ لَا يَعْلَمُ بِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْغَلَ ذِمَّتَهُ بِدَيْنِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْفُقَرَاءِ.

١ -

(فَرْعٌ)

فَإِنْ اسْتَلْحَقَهُ أَحَدٌ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ اسْتَلْحَقَهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ غَيْرِهَا رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَ إنْ كَانَ تَعَمَّدَ طَرْحَهُ وَهُوَ مَلِيءٌ وَإِنْ لَمْ يَطْرَحْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْأَبِ.

وَقَالَ أَشْهَبُ لَا شَيْءَ عَلَى الْأَبِ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ هَذَا أَنْفَقَ عَلَى وَجْهِ التَّطَوُّعِ.

(ص) : (قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْمَنْبُوذِ أَنَّهُ حُرٌّ وَأَنَّ وَلَاءَهُ لِلْمُسْلِمِينَ هُمْ يَرِثُونَهُ وَيَعْقِلُونَ عَنْهُ) .

(ش) : وَهَذَا عَلَى حَسَبِ مَا قَالَ أَنَّ الْمَنْبُوذَ وَهُوَ الْمَطْرُوحُ مِنْ قَوْلِهِمْ نَبَذْت الشَّيْءَ إذَا طَرَحْته قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ} [الصافات: ١٤٥] إلَّا أَنَّهُ فِي عُرْفِ اللُّغَةِ مُسْتَعْمَلٌ فِيمَنْ طُرِحَ مِنْ الْأَطْفَالِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِسْرَارِ بِهِ فَيَلْتَقِطُهُ مَنْ يَخَافُ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ فَقَالَ مَالِكٌ أَنَّهُ حُرٌّ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَرَا مِنْ أَسْبَابِ الِاسْتِرْقَاقِ فَهُوَ لَاحِقٌ بِالْأَحْرَارِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ وَجَدْنَاهُ مِنْ الْكِبَارِ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ إنَّمَا نَحْمِلُهُمْ عَلَى الْحُرِّيَّةِ لِعَدَمِ مَعَانِي الِاسْتِرْقَاقِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ يُرِيدُ أَنَّ وَلَاءَهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ كَسَائِرِ مَنْ لَا يُعْرَفُ نَسَبُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ وَقَوْلُهُ وَهُمْ يَرِثُونَهُ وَيَعْقِلُونَ عَنْهُ عَلَى مَعْنَى تَفْسِيرِ الْمَوْلَى الَّذِي أَثْبَتَهُ فِي حُكْمِ الْمَنْبُوذِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>