للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

فِي مَاشِيَتِهِ كَلْبًا عَقُورًا فَتَقَدَّمَ إلَيْهِ الْإِمَامُ فِي إزَالَتِهِ فَلَمْ يُزِلْهُ وَقَتَلَ أَحَدًا أَنَّ عَلَى صَاحِبِهِ دِيَتَهُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَبْدًا لَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ.

وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ غَشَّ لَبَنًا أَوْ زَعْفَرَانًا، أَوْ مِسْكًا لَا يُهْرَاقُ وَلْيَتَصَدَّقْ بِهِ وَلَمْ يَخُصَّ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ إنَّمَا ذَلِكَ فِي الْيَسِيرِ فَأَمَّا الْكَثِيرُ فَلَا يَتَصَدَّقُ بِهِ وَيُوجَعُ أَدَبًا هَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ أَصْحَابُنَا فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ أَرَادَ الْغَرِيمَ لِمَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ مِنْ قِيمَةِ النَّاقَةِ لِمَا اعْتَقَدَهُ مِنْ كَثْرَةِ قِيمَتِهَا وَإِنَّ حَاطِبًا شَقَّ عَلَيْهِ غُرْمُ مِثْلِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ سَأَلَ ابْنُ مُزَيْنٍ أَصْبَغَ عَنْ قَوْلِ مَالِكٍ لَيْسَ الْعَمَلُ عِنْدَنَا عَلَى تَضْعِيفِ الْقِيمَةِ إنْ كَانَ مَالِكٌ يَرْعَى عَلَى السَّيِّدِ الْغُرْمَ مِنْ غَيْرِ تَضْعِيفٍ.

قَالَ أَصْبَغُ: لَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ مِنْ ذَلِكَ إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ لَا أَقَلُّ وَلَا أَكْثَرُ لَا فِي مَالِهِ وَلَا فِي رِقَابِ الْعَبِيدِ الْقَطْعُ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِمْ قَالَ الدَّاوُدِيُّ: غَلِطَ مَنْ ظَنَّ أَنَّ الْقَطْعَ نَفَذَ، وَإِنَّمَا كَانَ عُمَرُ أَمَرَ بِقَطْعِهِمْ ثُمَّ قَالَ أَرَاك تُجِيعُهُمْ ثُمَّ أَمَرَ بِصَرْفِهِمْ وَلَمْ يَقْطَعْهُمْ وَعَذَرَهُمْ بِالْجُوعِ، وَهَذَا مَعْلُومٌ مِنْ سِيرَةِ عُمَرَ فِي عَامِ الرَّمَادَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقْطَعْ سَارِقًا.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ فِي مُوَطَّئِهِ هَذَا مُفَسَّرًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ حَاطِبٍ قَالَ تُوُفِّيَ حَاطِبٌ وَتَرَكَ أَعْبُدًا مِنْهُمْ مَنْ يَمْنَعُهُ مِنْ سِتَّةِ آلَافٍ يَعْمَلُونَ فِي مَالٍ لِحَاطِبٍ بِسَوَانٍ فَأَرْسَلَ عُمَرُ فَقَالَ هَؤُلَاءِ عَبِيدُك قَدْ سَرَقُوا وَوَجَبَ عَلَيْهِمْ مَا وَجَبَ عَلَى السَّارِقِ فَانْتَحَرُوا نَاقَةً لِرَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةَ وَاعْتَرَفُوا بِهَا وَمَعَهُمْ الْمُزَنِيّ فَأَمَرَ كَثِيرَ بْنَ الصَّلْتِ أَنْ يَقْطَعَ أَيْدِيَهُمْ ثُمَّ أَرْسَلَ وَرَاءَهُ مَنْ يَأْتِيهِ بِهِمْ فَجَاءَ بِهِمْ فَقَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ أَمَا لَوْلَا أَنِّي أَظُنُّكُمْ تَسْتَعْمِلُونَهُمْ وَتُجِيعُونَهُمْ حَتَّى لَوْ وَجَدُوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ لَأَكَلُوهُ لَقَطَعْتهمْ وَلَكِنْ وَاَللَّهِ إذَا تَرَكْتهمْ لَأُغَرِّمَنَّكَ غَرَامَةً تُوجِعُك.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِنْ كَانَ لِلْعَبِيدِ أَمْوَالٌ فَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ إنَّمَا كَانَ يَكُونُ غُرْمُهَا فِي أَمْوَالِ الْعَبِيدِ لَوْ كَانَتْ لَهُمْ أَمْوَالٌ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ، وَإِنَّمَا يَكُونُ فِي رِقَابِهِمْ مَا كَانَ مِنْ سَرِقَةٍ لَا قَطْعَ فِيهَا فَيُخَيَّرُ السَّيِّدُ بَيْنَ إسْلَامِهِمْ، أَوْ افْتِكَاكِهِمْ بِقِيمَتِهَا.

وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَا يُتْبَعُ فِي السَّرِقَةِ الَّتِي تُقْطَعُ فِي رَقَبَتِهِ وَلَا فِيمَا فِي يَدِهِ، وَلَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ إذَا لَمْ تُوجَدْ بِعَيْنِهَا؛ لِأَنَّ مَالَهُ إنَّمَا صَارَ لَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ لِلْمُزَنِيِّ كَمْ ثَمَنُ نَاقَتِك يُرِيدُ قِيمَتَهَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَمَّا انْتَفَى حَاطِبٌ مِنْ مَعْرِفَةِ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْغَارِمِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَدَأَ بِالْمُزَنِيِّ لِيَعْرِفَ مُنْتَهَى مَا يَدَّعِيه ثُمَّ تَوَقَّفَ حَاطِبٌ عَنْ الْإِقْرَارِ بِذَلِكَ وَالْإِنْكَارُ لَهُ وَهَكَذَا وَجْهُ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوقَفُ مُدَّعًى عَلَيْهِ حَتَّى يُعْلَمَ مُنْتَهَى دَعْوَى الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ تِلْكَ فِي قَدْرِهَا وَجِنْسِهَا فَيَصِحُّ تَوْقِيفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى ذَلِكَ لِيُقِرَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ يُنْكِرَ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُ الْمُزَنِيّ كُنْت وَاَللَّهِ أَمْنَعُهَا مِنْ أَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى مَعْنَى الْإِخْبَارِ بِقِيمَتِهَا عَلَى التَّحَرِّي بِذَلِكَ، وَإِنْ ذَكَرَ أَقَلَّ مَا يُمْكِنُ مِنْ قِيمَتِهَا وَمَا كَانَ يَمْتَنِعُ مِنْ بَيْعِهَا بِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَسَمَهُ عَلَى مَعْنَى تَحْقِيقِ دَعْوَاهُ وَالْإِخْبَارِ عَنْ تَيَقُّنِهِ كَمَا قَالَ وَمَا أَدْعَى مِنْ الْقِيمَةِ لَا عَلَى مَعْنَى الِاسْتِحْقَاقِ لِلْقِيمَةِ بِيَمِينِهِ، وَلَمْ يَحْتَجَّ عُمَرُ أَنْ يُحَلِّفَهُ إمَّا؛ لِأَنَّ حَاطِبًا صَدَقَ؛ لِأَنَّ قَوْمًا شَهِدُوا لَهُ بِذَلِكَ، أَوْ لِأَنَّهُ بَنَى أَنْ يَأْخُذَ لَهُ مِنْ حَاطِبٍ أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ عَلَى مَعْنَى التَّأْدِيبِ لَهُ لِمَا جَنَاهُ بِإِجَاعَةِ رَقِيقِهِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى مَا ادَّعَاهُ الْمُزَنِيّ مِنْ قِيمَةِ نَاقَتِهِ حَتَّى أَضْعَفَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَرَأْيُ الْمُزَنِيّ أَحَقُّ النَّاسِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي جُنِيَ عَلَيْهِ بِتَفْوِيتِ نَاقَتِهِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ أَخَذَ قِيمَتَهَا أَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَقَدْ كَانَ لَهُ غَرَضٌ فِي عَيْنِهَا فَفَوَّتَهُ عَيْنَهَا بِسَرِقَتِهَا وَنَحْرِهَا، وَهَذَا، وَإِنْ كَانَ وَجْهًا لِاجْتِهَادِ عُمَرَ فَالْقُضَاةُ الْيَوْمَ لَا يَرَوْنَ ذَلِكَ وَيَرَوْنَ عَلَى مَنْ جَنَى بِتَعَدٍّ، أَوْ غَيْرِهِ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ هَذَا إذَا حَمَلْنَا قَوْلَ عُمَرَ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ تَضْعِيفَ الْقِيمَةِ عَلَيْهِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ وَقَصَدَ وَجْهًا مِنْ وُجُوهٍ سَنَذْكُرُ بَعْضَهَا بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ أَعْطِهِ ثَمَانَمِائَةِ دِرْهَمٍ ظَاهِرُهُ تَضْعِيفُ الْقِيمَةِ الَّتِي ادَّعَاهَا الْمُزَنِيّ.

وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ بِإِثْرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>