للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

الدَّيْنُ دَنَانِيرَ فَيَدْفَعُ عَنْهُ الْحَمِيلُ دَرَاهِمَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ قَبْلَ الْأَجَلِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَأْخِيرِ أَحَدِ عِوَضَيْ الصَّرْفِ، وَأَمَّا بَعْدَ الْأَجَلِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَفِيهِ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ وَإِلَيْهِ رَجَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَأَصْحَابُهُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ مَا بَيْنَ الطَّالِبِ وَالْغَرِيمِ قَدْ صَحَّ بِاِتِّخَاذِ الْمُصَارَفَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُتَعَلِّقٌ بِذِمَّتِهِ كَاَلَّذِي كَانَ لَهُ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي بِالْمَنْعِ مَا احْتَجَّ بِهِ مُحَمَّدٌ مِنْ أَنَّ الْغَرِيمَ يَكُونُ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ مَا كَانَ عَلَيْهِ، أَوْ مَا دَفَعَ عَنْهُ فَيَدْخُلُهُ الْخِيَارُ فِي الصَّرْفِ وَفَسْخِ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِالْجَوَازِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُؤْخَذُ مِنْ الْغَرِيمِ الدَّنَانِيرُ وَلَكِنْ يُخْرِجُ الْغَرِيمُ الدَّنَانِيرَ ثُمَّ يَشْتَرِي بِهَا دَرَاهِمَ فَإِنْ نَقَصَتْ لَمْ يَكُنْ لِلْحَمِيلِ غَيْرُهَا، وَإِنْ زَادَتْ فَلَيْسَ لَهُ الْفَضْلُ، وَكَانَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَقُولُ: الْغَرِيمُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ دَفَعَ الدَّنَانِيرَ أَوْ الدَّرَاهِمَ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: هَذَا حَرَامٌ بَيْنَ الْحَمِيلِ وَالْغَرِيمِ، وَقَالَهُ أَشْهَبُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ عَمَلَ الْكَفِيلِ مَعَ صَاحِبِ الْحَقِّ إذَا حَكَمْنَا بِصِحَّتِهِ وَجَبَ أَنْ يَصِحَّ مَا بَيْنَ الْحَمِيلِ وَالْغَرِيمِ لِلدَّنَانِيرِ؛ لِأَنَّهُ تَأْخِيرٌ فِي الصَّرْفِ فَوَجَبَ أَنْ يَصِحَّ بِأَنْ يُخْرِجَ الْغَرِيمُ مَا كَانَ عَلَيْهِ فَلَا يَفْسُدُ مِنْ جِهَتِهِ شَيْءٌ ثُمَّ يَشْتَرِي لِلْحَمِيلِ مِنْ جِنْسِ مَا أَدَّى فَإِنْ كَانَ فِيهِ نَقْصٌ فَهُوَ الَّذِي أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ؛ لِأَنَّ مَا دَفَعَ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ سَلَفٌ أَسْلَفَهُ إيَّاهُ فَلَا يَأْخُذُ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ بِالتَّخْيِيرِ أَنَّ هَذَا تَخْيِيرٌ ثَابِتٌ بِالشَّرْعِ فَلَا يَبْطُلُ الصَّرْفُ كَخِيَارِ مَنْ وُجِدَ فِي عِوَضِ الصَّرْفِ زَائِفًا فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ الْمَعِيبَ، أَوْ يُمْسِكَ وَلَا يَمْنَعُ صِحَّةُ ذَلِكَ الصَّرْفَ.

(فَرْعٌ) فَإِنْ قُلْنَا بِرِوَايَةِ الْمَنْعِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَالِحَ الْكَفِيلَ طَالِبُ الْحَقِّ إذَا كَانَ الدَّيْنُ دَنَانِيرَ بِدَرَاهِمَ وَلَا شَيْءَ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِنْ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ إلَّا بِالْجُزَافِ مِنْهُ أَوْ بِمَا يَرْجِعُ إلَى الْقِيمَةِ مِنْ حَيَوَانٍ، أَوْ عَرْضٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ فِيمَا يُكَالُ، أَوْ يُوزَنُ يَرْجِعُ إلَى أَنْ يَكُونَ الْغَرِيمُ مُخَيَّرًا وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَدْخُلُهُ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الدَّيْنِ فِي دَيْنِ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ، وَأَمَّا مَا يَرْجِعُ إلَى الْقِيمَةِ فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ بِجِنْسِ الدَّيْنِ فَلَا يَدْخُلُهُ تَخْيِيرٌ وَلَا فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمَنْ تَحَمَّلَ بِمَالٍ لِرَجُلٍ إلَى أَجَلٍ فَمَاتَ الْحَمِيلُ قَبْلَ الْأَجَلِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ لِرَبِّ الْحَقِّ أَنْ يَتَعَجَّلَ حَقَّهُ مِنْ مَالِهِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ كَانَ الْغَرِيمُ مَلِيًّا حَاضِرًا فَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يَأْخُذُوهُ مِنْ مَالِ الْغَرِيمِ قَبْلَ الْأَجَلِ.

وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا يَحِلُّ الْحَقُّ بِمَوْتِهِ وَلَكِنْ يُوقَفُ مِنْ مَالِهِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الدَّيْنَ مُتَعَلِّقٌ بِذِمَّتِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَحِلَّ بِمَوْتِهِ وَيَتَعَجَّلُ طَلَبَهُ مِنْهُ كَالْغَرِيمِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ حَمِيلٌ فَلَا تُطْلَبُ تَرِكَتُهُ بِالدَّيْنِ لِمَوْتِهِ إذَا كَانَ الْغَرِيمُ حَاضِرًا مَلِيًّا أَصْلُ ذَلِكَ إذَا مَاتَ بَعْدَ الْأَجَلِ.

(فَرْعٌ) وَلَوْ مَاتَ الْحَمِيلُ مُفْلِسًا فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ أَنْ يُحَاصَّ الْغُرَمَاءَ فِي مَالِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَحِلُّ الدَّيْنَ بِمَوْتِهِ فَوَجَبَ أَنْ يُحَاصَّ الْغُرَمَاءَ فِي مَالِهِ كَالْغَرِيمِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَوْ مَاتَ الْحَمِيلُ عِنْدَ الْأَجَلِ، أَوْ بَعْدَهُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ هَاهُنَا يَبْدَأُ بِالْغَرِيمِ فَإِنْ كَانَ غَائِبًا أَوْ عَدِيمًا أَخَذَ مِنْ مَالِ الْحَمِيلِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْغَرِيمَ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْحَمِيلَ، وَإِنَّمَا لَهُ مُطَالَبَةُ الْحَمِيلِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مُطَالَبَةُ الْغَرِيمِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَوْ مَاتَ الْغَرِيمُ قَبْلَ الْأَجَلِ فَلِلطَّالِبِ أَنْ يَتَعَجَّلَ حَقَّهُ مِنْ مَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ بِهِ الْحَمِيلُ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الدَّيْنَ يَحِلُّ بِمَوْتِ مَنْ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ فَإِنْ طَلَبَ مِنْ الْغَرِيمِ رُوعِيَتْ حَالُهُ فِي أَخْذِهِ مِنْهُ بِمَوْتِهِ، وَإِنْ طَلَبَ مِنْ الْحَمِيلِ رُوعِيَتْ حَالُهُ فَلَا يَحِلُّ بِمَوْتِ غَيْرِهِ كَمَا لَوْ مَاتَ الْحَمِيلُ قَبْلَ الْأَجَلِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِمُطَالَبَةِ الْغَرِيمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(فَصْلٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَنَرْجِعُ إلَى تَقْسِيمِ لَفْظِ مَسْأَلَةِ الْأَصْلِ وَهُوَ قَوْلُهُ فَإِنْ هَلَكَ الْحَمِيلُ أَوْ أَفْلَسَ فَإِنَّ الَّذِي تَحَمَّلَ لَهُ يَرْجِعُ عَلَى غَرِيمِهِ الْأَوَّلِ يُرِيدُ أَنَّهُ إنْ مَاتَ مُفْلِسًا، أَوْ أَفْلَسَ مَعَ بَقَاءِ حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>