(ص) : (قَالَ مَالِكٌ مَنْ أَعْطَى عَطِيَّةً لَا يُرِيدُ ثَوَابَهَا ثُمَّ مَاتَ الْمُعْطَى فَوَرَثَته بِمَنْزِلَتِهِ، وَإِنْ مَاتَ الْمُعْطِي قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْمُعْطَى عَطِيَّتَهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً لَمْ يَقْبِضْهُ فَإِنْ أَرَادَ الْمُعْطِي أَنْ يُمْسِكَهَا، وَقَدْ أَشْهَدَ عَلَيْهَا حِينَ أَعْطَاهَا فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ إذَا قَامَ صَاحِبُهَا أَخَذَهَا) .
ــ
[المنتقى]
يَسْأَلُ الرَّجُلَ السَّلَفَ، أَوْ الْهِبَةَ فَيَقُولُ: أَنَا أُسَلِّفُك وَأَنَا أَهَبُك فَفِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ لَهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَوْعِدٌ لِغَيْرِ سَبَبٍ.
١ -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا إذَا كَانَ السَّلَفُ وَالْعِدَّةُ لِغَيْرِ سَبَبٍ يَتَسَبَّبُ بِهِ وَلَا حَاجَةَ يَذْكُرُهَا فَإِنْ كَانَتْ الْعِدَّةُ مِنْ رَجُلٍ بِسَبَبٍ يَتَسَبَّبُ بِهِ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أُرِيدُ الْحَجَّ، أَوْ السَّفَرَ، أَوْ نِكَاحًا، أَوْ شِرَاءَ سِلْعَةٍ، أَوْ هَدْمَ دَارِي وَبُنْيَانَهَا فَيَقُولَ لَهُ الرَّجُلُ: افْعَلْ ذَلِكَ وَأَنَا أُسَلِّفُك فَفِي الْعُتْبِيَّةِ لِسَحْنُونٍ أَنَّ هَذِهِ الْعِدَّةَ لَازِمَةٌ لِمَنْ وَعَدَهَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِهَا؛ لِأَنَّهَا لَازِمَةٌ بِالْقَوْلِ كَالنَّظْرَةِ بِالدَّيْنِ تَلْزَمُ بِالْقَوْلِ سَوَاءٌ قَالَ: أَنْظُرُك أَوْ أَنْظَرْتُك، وَكَذَلِكَ فِي هَذَا سَوَاءٌ قَالَ: أُسَلِّفُك أَوْ أَسْلَفْتُك سَوَاءٌ ذَكَرَ أَجَلًا لِلسَّلَفِ، أَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ فَإِنْ ذَكَرَ الْأَجَلَ لَزِمَهُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ لَزِمَهُ مِنْ الْأَجَلِ بِقَدْرِ مَا يَرَى أَنَّ مِثْلَهُ فِي غِنَاهُ وَقُوَّتِهِ عَلَى السَّلَفِ يُسَلِّفُ مِثْلَ التَّسَلُّفِ فِي غِنَاهُ وَقُوَّتِهِ عَلَى الْأَدَاءِ يُرَاعَى الْأَمْرَانِ فِي ذَلِكَ وَعَنْهُ أَنَّهُ يُرَاعَى مَعَ ذَلِكَ قَدْرُ الدَّيْنِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَلَوْ كَانَ مَا اسْتَسْلَفَ، أَوْ اسْتَعَارَ بِسَبَبِهِ لَا يُفْضِي إلَى التَّسَبُّبِ بِشَيْءٍ وَلَكِنَّهُ أَسْلَفَ لِحَاجَةٍ ذَكَرَهَا مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لَهُ إنَّ غُرَمَائِي يُلْزِمُونَنِي بِدَيْنٍ فَأَسْلِفْنِي أَقْضِهِمْ أَوْ يَقُولُ أَعِرْنِي دَابَّتَك أَرْكَبُهَا غَدًا إلَى مَوْضِعِ كَذَا وَيَذْكُرُ حَاجَتَهُ فَيُعِدْهُ عَلَى ذَلِكَ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ لِأَصْبَغَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ بِالْقَوْلِ تَسَبَّبَ لِحَاجَتِهِ، أَوْ لَمْ يَتَسَبَّبْ لَهَا إلَّا أَنْ يَتْرُكَ حَاجَتَهُ تِلْكَ فَيَسْقُطُ عَنْ الْوَاعِدِ حُكْمُ عِدَّتِهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
١ -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَيَحْلِفُ الْمُعْطِي مَعَ شَاهِدِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْحُكْمِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فَإِنْ أَبَى الْمُعْطِي أَنْ يَحْلِفَ لَقَدْ أَعْطَاهُ مَا شَهِدَ بِهِ شَاهِدُهُ حَلَفَ الْمُعْطَى أَنَّهُ مَا أَعْطَاهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ حُكِمَ الْمُعْطِي بِهَا دُونَ يَمِينٍ لِنُكُولِ الْمُعْطَى بَعْدَ رَدِّ الْيَمِينِ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ نَكَلَ عَنْ يَمِينٍ رُدَّتْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ كَمَنْ ادَّعَى قِبَلَ زَيْدٍ مَالًا فَلَمْ يَحْلِفْ زَيْدٌ وَرَدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي فَنَكَلَ فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِبُطْلَانِ دَعْوَاهُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَاهِدٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ ظَاهِرُهُ لَيْسَتْ لَهُ يَمِينٌ وَلَا غَيْرُهَا عَلَى مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ الْهِبَةَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْهِبَةَ عَلَى قِسْمَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ الْهِبَةُ مُعَيَّنَةً وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ فِي ذِمَّةِ الْمُدَّعِي أَمَّا مَا لَمْ يَكُنْ فِي ذِمَّةِ الْمُدَّعِي فَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى وَوَجْهُ ذَلِكَ ضَعْفُ سَبَبِ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ فِي دَعْوَى الْحُقُوقِ اللَّازِمَةِ بِاتِّفَاقٍ لَا يَجِبُ الْيَمِينُ إلَّا بِسَبَبٍ يُقَوِّي الدَّعْوَى فَكَانَ يَضْعُفُ الْهِبَةَ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي لُزُومِهَا وَحَاجَتِهَا عِنْدَ مَالِكٍ إلَى الْحِيَازَةِ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ فِي تَفْرِيعِهِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْهِبَةُ الْيَمِينُ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْهِبَةَ أُخِذَ مِنْهُ ذَلِكَ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا مَا كَانَ فِي ذِمَّةِ مُدَّعِي الصَّدَقَةِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لِعَمْرٍو دَيْنٌ قِبَلَ زَيْدٍ فَيَطْلُبُهُ مِنْهُ فَيَقُولُ زَيْدٌ قَدْ وَهَبْتنِيهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ لَعَمْرٍو عَلَى زَيْدٍ بِذَلِكَ الدَّيْنِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا وَهَبَهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُعْطِيَ يُرِيدُ إخْرَاجَ مَا عِنْدَهُ فَإِنْ ادَّعَى الْغَرِيمُ فِيهِ مَا يُبَرِّئُ ذِمَّتَهُ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ إلَّا بَعْدَ يَمِينِهِ عَلَى إبْطَالِ تِلْكَ الدَّعْوَى كَمَا لَوْ ادَّعَى الْقَضَاءَ وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي قِسْمَةً أُخْرَى إنْ كَانَتْ الْهِبَةُ بِغَيْرِ يَدِ الْمَوْهُوبِ فَلَا يَمِينَ عَلَى الْوَاهِبِ، وَإِنْ كَانَتْ بِيَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَمْ يَكُنْ لِلْوَاهِبِ انْتِزَاعُهَا مِنْهُ إلَّا بَعْدَ يَمِينِهِ أَنَّهُ مَا وَهَبَ سَوَاءٌ كَانَتْ الْهِبَةُ عَرْضَا أَوْ عَيْنًا يُصَحِّحُ هَذَا التَّقْسِيمَ أَنَّ مَنْ اسْتَحَقَّ عَرْضًا بِيَدِ رَجُلٍ وَزَعَمَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُهُ مِنْهُ حَتَّى يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا بَاعَ وَلَا وَهَبَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
(ش) : قَوْلُهُ مَنْ أَعْطَى عَطِيَّةً لَا يُرِيدُ ثَوَابَهَا فَمَاتَ الْمُعْطَى فَوَرَثَتُهُ بِمَنْزِلَتِهِ يُرِيدُ