للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

فَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ، الْوَاهِبُ يَطْلُبُ الثَّوَابَ عَلَى هِبَتِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ لَا يَطْلُبُ الثَّوَابَ عَلَى هِبَتِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْهُوبِ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ فَإِنْ أَشْكَلَ ذَلِكَ وَاحْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَاهِبِ مَعَ يَمِينه.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَا ثَوَابَ لِذِي سُلْطَانٍ فِيمَا وَهَبَهُ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يُعْرَفُ أَنَّ ذَا السُّلْطَانِ يَطْلُبُ اسْتِقْرَارَ ثَوَابٍ، وَإِنَّمَا يَطْلُبُهُ غَيْرُهُ مِنْهُ، وَأَمَّا مَا يَهَبُهُ أَحَدٌ لِلسُّلْطَانِ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ لَا ثَوَابَ فِيهِ وَالظَّاهِرُ عِنْدِي مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ عَلَى الثَّوَابِ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ مَنْ أَهْدَى إلَيْهِ فَإِنَّمَا يُقْصَدُ التَّقَرُّبُ مِنْهُ فَعَلَى ذَلِكَ تُحْمَلُ هِبَتُهُ مَعَ الْإِطْلَاقِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ عَطِيَّتَهُ وَهِبَتَهُ مَقْصُودَةٌ بِعِوَضٍ وَبِغَيْرِ عِوَضٍ وَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يُرْغَبُ التَّقَرُّبُ إلَيْهِ بِسَبَبِهَا.

(مَسْأَلَةٌ) :

قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَمَا أُهْدِيَ إلَى الْفَقِيرِ فَعَلَى غَيْرِ الثَّوَابِ وَمَا أَهْدَى هُوَ فَعَلَى الثَّوَابِ وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهُ أَرَادَ الثَّوَابَ، وَأَمَّا الْغَنِيُّ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ حُكْمَ سَائِرِ الْأَغْنِيَاءِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَا ثَوَابَ عَلَى سَيِّدٍ فِيمَا أَهْدَاهُ إلَيْهِ مَوْلَاهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إنَّمَا يُهْدِي إلَيْهِ شُكْرًا لِإِنْعَامِهِ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا هِبَةُ ذِي الرَّحِمِ فَلَيْسَتْ عَلَى الثَّوَابِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إلَّا أَنْ يَرَى النَّاسُ أَنَّهُ وَهَبَهُ لِلثَّوَابِ مِثْلَ أَنْ يَطْلُبَ الْمَوْهُوبُ لَهُ مَا يَسْتَحْسِنُهُ عِنْدَ الْوَاهِبِ فَيَهَبُهُ إيَّاهُ اسْتِقْرَارًا لِلْعِوَضِ فَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الثَّوَابِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مَا لَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَ الثَّوَابِ فَهُوَ عَلَى غَيْرِ الثَّوَابِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هِبَتَهُ مَحْمُولَةٌ عَلَى صِلَةِ الرَّحِمِ وَكُلُّ هِبَةٍ لَهَا وَجْهٌ غَيْرُ الثَّوَابِ فِي الْأَغْلَبِ فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَيْهِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَهِبَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّهَا لِغَيْرِ الثَّوَابِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَّا أَنْ يَرَى أَنَّهُ أَرَادَ الثَّوَابَ وَمَعْنَاهُ مَا تَقَدَّمَ وَذَكَر الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مَعُونَتِهِ أَنَّ فِي الْهِبَةِ الْمُطْلَقَةِ رِوَايَتَيْنِ:

إحْدَاهُمَا: أَنَّهَا تَقْتَضِي الثَّوَابَ، وَالثَّانِيَةُ: لَا تَقْتَضِي الثَّوَابَ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الْمِلْكَيْنِ مُتَمَيِّزَانِ وَأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ مَطْلُوبَةٌ بَيْنَهُمَا، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتَقَرَّبُ إلَى الْآخَرِ بِالْهَدِيَّةِ وَيُحِبُّ التَّقَرُّبَ إلَيْهِ.

وَقَدْ ذُكِرَ فِي كِتَابِ الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً تَسْكُنُ فِي بَيْتٍ بِكِرَاءٍ فَسَاكَنَهَا حَتَّى انْقَضَتْ الْمُدَّةُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الزَّوْجِ مِنْ الْكِرَاءِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ بَيَّنَتْ لَهُ بِذَلِكَ وَأَعْلَمَتْهُ بِالْكِرَاءِ وَقَالَتْ إنْ شِئْت فَأَدِّهِ، وَإِنْ شِئْت فَاخْرُجْ، وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَهِيَ سَاكِنَةٌ فِي دَارِهَا ثُمَّ طَلَبَتْ كِرَاءَهَا فَلَا كِرَاءَ لَهَا، وَقَالَ غَيْرُهُ: عَلَيْهِ كِرَاءُ مِثْلِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِمَّا اكْتَرَتْ بِهِ.

وَاخْتِلَافُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْغَيْرِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي هَذَا الْأَصْلِ فِي كِتَابِ الْعِدَّةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْمُعْتَدَّةِ تَعْتَدُّ فِي مَسْكَنٍ بِكِرَاءٍ فَطَلَبَتْ الْكِرَاءَ بَعْدَ تَمَامِ الْعِدَّةِ أَنَّ لَهَا ذَلِكَ إنْ كَانَ مُوسِرًا حِينَ السُّكْنَى.

وَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا الْأَنْدَلُسِيِّينَ أَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَانِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ سَكَنَتْ فِي وَقْتٍ لَا يَظُنُّ بِهِ الصِّلَةُ، وَقَدْ بَسَطْت الْقَوْلَ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا: إنَّهَا تَقْتَضِي الثَّوَابَ مَعَ الْإِطْلَاقِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا إنْ ادَّعَتْ أَنَّهَا شَرَطَتْ عَلَيْهِ الثَّوَابَ تَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ وَتَبْرَأُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا ادَّعَتْ أَنَّهَا شَرَطَتْ مَا لَا يَقْتَضِيه الْإِطْلَاقُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِي إنْكَارِ دَعْوَاهَا كَادِّعَائِهَا سَائِرَ الشُّرُوطِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَهَذَا حُكْمُ الْعَطِيَّةِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ، أَوْ الْهَدِيَّةِ فَأَمَّا لَفْظُ الصَّدَقَةِ فَلَا ثَوَابَ فِيهِ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: ٦٠] الْآيَةَ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مُقْتَضَاهَا الْقُرْبَةُ، وَذَلِكَ يُنَافِي الْعِوَضَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>