للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ مَنْ حَبَسَ عَلَى قَوْمٍ مُعَيَّنِينَ دُونَ تَعَقُّبٍ فَإِنَّ حَقَّ الْغَائِبِ مِنْهُمْ ثَابِتٌ فِي السُّكْنَى وَحَاضِرُهُمْ وَغَائِبُهُمْ سَوَاءٌ.

وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَفَقِيرُهُمْ وَغَنِيُّهُمْ سَوَاءٌ، وَأَمَّا الْعُمْرَى وَالْحَبْسُ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنِينَ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ مَنْ حَبَسَ عَلَى قَوْمٍ وَأَعْقَابِهِمْ فَإِنَّهُ يُفَضِّلُ أَهْلَ الْحَاجَةِ وَالْمَسْكَنَةِ وَالْمُؤْنَةِ وَالْعِيَالِ وَالزَّمَانَةِ بِقَدْرِ مَا يَرَاهُ مَنْ وُلِّيَ ذَلِكَ، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ لَا يُفَضَّلُ ذُو الْحَاجَةِ عَلَى الْغَنِيِّ فِي الْحَبْسِ إلَّا بِشَرْطٍ مِنْ الْمُحْبِسِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ مَعْنَى الْحَبْسِ الْقُرْبَةُ وَإِيثَارُ ذَوِي الْحَاجَةِ يَقْتَضِي الْقُرْبَةَ إلَّا أَنْ يُصْرَفَ عَنْ ظَاهِرِهِ بِشَرْطٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْحَبْسِ الْمُخْتَصِّ بِالْمُعَيَّنِينَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ مَنْ حَبَسَ عَلَى مُعَيَّنِينَ فَقَدْ قَصَدَ اسْتِيفَاءَهُمْ وَالْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمْ وَإِذَا أَفْرَدَ غَيْرَ مُعَيَّنِينَ وَأَضَافَهُمْ إلَى مُعَيَّنِينَ فَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الِاسْتِيعَابَ وَلَا الْمُسَاوَاةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِيهِمْ فَكَانَ ذَلِكَ مُقْتَضَى حَبْسِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَجْهُ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ الْمُحْبِسَ تَصَدَّقَ عَلَى وَلَدِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ مِنْهُمْ الْغَنِيَّ وَالْمُحْتَاجَ.

(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ إيثَارُ ذَوِي الْحَاجَةِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ حَبَسَ عَلَى الْفُقَرَاءِ، أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَذَوِي الْقُرْبَى وَفِي قَرَابَتِهِ غَنِيٌّ لَا يُعْطَى مِنْهُ وَلَكِنَّ ذَوِي الْحَاجَةِ وَفِي الْمَجْمُوعَةِ مَنْ حَبَسَ عَلَى قَوْمٍ وَعَلَى أَعْقَابِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ كَالصَّدَقَةِ لَا يُعْطَى مِنْهُ الْغَنِيُّ شَيْئًا وَيُعْطَى الْمُتَوَسِّطُ بِقَدْرِ حَالِهِ فَإِنْ كَانَ لِلْأَغْنِيَاءِ أَوْلَادٌ كِبَارٌ فُقَرَاءُ قَدْ بَلَغُوا أَعْطُوا بِقَدْرِ حَاجَتِهِمْ وَمَعْنَى ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ ظَاهِرَ الْحَبْسِ وَمُقْتَضَاهُ الْقُرْبَةُ وَسَدُّ الْخَلَّةِ، وَذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِذَوِي الْحَاجَةِ، وَأَمَّا الْمُسَدِّدُ فَهُوَ الَّذِي لَهُ كِفَايَةٌ وَرُبَّمَا ضَاقَتْ حَالُهُ بِكَثْرَةِ عِيَالِهِ، وَأَمَّا وَلَدُ الْغَنِيِّ لَا مَالَ لَهُ فَهُوَ فَقِيرٌ وَإِذَا بَلَغَ صَحِيحًا فَلَمْ يَلْزَمْ الْأَبَ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ فَهُوَ مِنْ الْفُقَرَاءِ وَذَوِي الْحَاجَةِ.

(فَرْعٌ) وَإِذَا تَسَاوَى أَهْلُ الْحَبْسِ فِي الْفَقْرِ، أَوْ الْغِنَى أُوثِرَ الْأَقْرَبُ وَيُعْطَى الْفَضْلُ مَنْ يَلِيه، وَإِنْ كَانَ الْأَبْعَدُ غَنِيًّا أُوثِرَ الْفَقِيرُ الْأَبْعَدُ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا قَصَدَ بِالْحَبْسِ قَرَابَتَهُ كَانَ لِلْقَرِيبِ تَأْثِيرٌ فِي الْإِيثَارِ إلَّا أَنَّ تَأْثِيرَ ذَوِي الْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ أَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودُ الصَّدَقَاتِ وَالْأَحْبَاسِ، وَهَذَا إذَا كَانَ عَدَدُ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِمْ لَا يَنْحَصِرُ وَلَا يَفْضُلُ عَنْ فُقَرَائِهِمْ شَيْءٌ فَإِنَّهُ يَصْرِفُ إلَى الْأَغْنِيَاءِ.

وَقَدْ رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْحَبْسَ لَا يَخْتَصُّ بِالْفُقَرَاءِ، وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْبِسَ عَلَى رَجُلٍ غَنِيٍّ، وَإِنَّمَا يُؤْثِرُ الْفُقَرَاءَ فَإِنْ فَضَلَتْ فَضْلَةٌ جَازَ صَرْفُهَا إلَى مَنْ شَرَكَ الْفُقَرَاءَ فِي مَعْنَى الْحَبْسِ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ.

(فَرْعٌ) وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِي الْحَبْسِ سَوَاءٌ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِشَرْطٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ لَفْظَ التَّشْرِيكِ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: ١٢] وَسَوَّى بَيْنَ ذُكُورِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ فِي ذَلِكَ الثُّلُثِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِذَا قَسَمَ الْحَبْسَ بَيْنَ أَهْلِهِ مِنْ غَلَّةٍ وَسُكْنَى فَلَيْسَ عَلَى كَثْرَةِ الْعَدَدِ وَلْيَبْدَأْ بِأَهْلِ الْحَاجَةِ قَالَ ابْنُ كِنَانَةٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ: وَلَوْ بَدَرَ إلَى سُكْنَى الْحَبْسِ بَعْضُهُمْ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْبِدَارِ وَلَكِنَّ الْمُقَدَّمَ أَحْوَجُهُمْ وَأَقْرَبُهُمْ مِنْ الْمُحْبِسِ، وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ تَسَاوَوْا فِي الْغِنَى وَالْحَاجَةِ فَمَنْ سَبَقَ إلَى سُكْنَاهَا مِنْهُمْ فَهُوَ أَحَقُّ وَلَا يَخْرُجُ لِمَنْ بَقِيَ وَلَيْسَ عَلَى عَدَدِهِمْ وَلَكِنْ بِقَدْرِ كَثْرَةِ الْعِيَالِ وَلَيْسَ الْأَعْزَبُ فِي السُّكْنَى كَالْمُتَأَهِّلِ الْمُعَقِّبِ رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فَأَمَّا إنْ كَانَ بَعْضُهُمْ غَائِبًا وَالْحَاضِرُ أَوْلَى مِنْهُ بِالسُّكْنَى؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ لَا يُمْكِنُهُ سُكْنَاهُ فَكَانَ الْحَاضِرُ أَوْلَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي حُبِسَ عَلَيْهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْمَعَانِيَ الْمُؤْثِرَةَ فِي التَّقْدِيمِ الْحَاجَةُ وَالْقَرَابَةُ وَالْبِدَارُ، وَالْحَاجَةُ مُقَدَّمَةٌ فَإِنْ تَسَاوَوْا فِي الْحَاجَةِ وَالْقَرَابَةِ فَمَنْ بَادَرَ إلَى السُّكْنَى كَانَ أَحَقُّ بِهِ وَفِي مَعْنَاهُ أَنَّ الْحَاضِرَ أَحَقُّ مِنْ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّ الْحَاضِرَ بَادَرَ إلَى السُّكْنَى قَبْلَهُ وَالِاعْتِبَارُ

<<  <  ج: ص:  >  >>