للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

لَمْ يُرَدَّ بَعْدَ الْفَسْخِ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ يَقْتَضِي عِنْدِي أَنَّ لِلْمَسْجِدِ بُنْيَانًا مَخْصُوصًا يُمْنَعُ مَنْ يُرِيدُ التَّمَلُّكَ مِنْ بُنْيَانِهِ وَيُمْنَعُ مَنْ تَمَلَّكَهُ مِنْ اسْتِدَامَةِ تَمَلُّكِهِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ وَيُمْنَعُ مَنْ أَرَادَ بُنْيَانَ الْمَسَاجِدِ مِنْ أَنْ يَعْدِلَ عَنْهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ السَّيِّئَةِ وَلِلذَّرِيعَةِ إلَى تَمَلُّكِ الْمَسَاجِدِ وَتَرْكِ تَعْظِيمِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(فَرْعٌ) وَقَوْلُهُ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا فِي قَرْيَةٍ ثُمَّ صُلِّيَ فِيهِ يُرِيدُ إبَاحَةً لِمَنْ صَلَّى فِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَلْزَمُ بِهِ تَحْبِيسُهُ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِالتَّحْبِيسِ، وَلَوْ تَلَفَّظَ بِهِ لَلَزِمَهُ ذَلِكَ، وَظَاهِرُ قَوْلِ مُطَرِّفٍ وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ لِمُجَرَّدِ الْبُنْيَانِ، وَفِي هَذَا عِنْدِي نَظَرٌ، وَقَدْ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَلْزَمَ لِمُجَرَّدِ الْبُنْيَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَتِمُّ الْحِيَازَةُ فِيهِ إلَّا بِإِبَاحَتِهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ فِيهِ قَالَ أَصْبَغُ أَبُو إِسْحَاقَ إذَا خَلَّى بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهُ فَهُوَ مَاضٍ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُجْعَلَ بِيَدِ قَيِّمٍ سَوَاءً كَانَ بَابُ الْمَسْجِدِ دَاخِلُ بَابِ دَارِهِ يُغْلَقُ عَلَيْهِ أَوْ خَارِجَ الْبَابِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَا يَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ اللِّسَانِ لِمَنْ جَوَّزَ أَنْ يَبْنِيَ مِثْلَ هَذَا الْبُنْيَانِ فِي دَارِهِ مَسْجِدًا لِنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ فَلَا يَكُونُ بِذَلِكَ حَبْسًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(فَرْعٌ) وَمَا كَانَ فِي الْمَسَاجِدِ مِنْ بَيْتِ الْمَاءِ، أَوْ بَيْتٍ لِزَيْتِهِ وَحُصُرِهِ وَآلَتِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ تَبَعٌ لَهُ، وَكَذَلِكَ سَلَاسِلُهُ وَقَنَادِيلُهُ وَبُنْيَانُهُ وَجُذُوعُهُ مَا انْكَسَرَ مِنْهَا رُدَّ إلَيْهِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمَنْ حَبَسَ حَبْسًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ قَبْلَ الْحَبْسِ وَاسْتَحْدَثَ دَيْنًا بَعْدَ الْحَبْسِ فَقَامَ أَهْلُ الدَّيْنِ قَالَ سَحْنُونٌ: قَدْ قِيلَ يُبَاعُ مِنْهَا لِلدَّيْنِ الْقَدِيمِ وَيَدْخُلُ مَعَهُمْ أَهْلُ الدَّيْنِ الثَّانِي وَلَا يُبَاعُ مِنْهَا غَيْرُ ذَلِكَ، وَقَدْ قِيلَ: إذَا دَخَلَ مَعَهُمْ الْآخَرُونَ بِيعَ لِلْأَوَّلِينَ بِقَدْرِ مَا انْتَقَضَهُمْ الْآخَرُونَ ثُمَّ يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ الْآخَرُونَ وَهَكَذَا أَبَدًا حَتَّى يَسْتَوْفُوا، أَوْ يَفْرُغَ الْحَبْسُ، وَكَذَلِكَ لِأَصْحَابِنَا قَوْلَانِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَوْ كَانَ رَجُلَانِ حُبِسَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَبْسٌ مُنْفَرِدٌ لَمْ يَجُزْ لَهُمَا أَنْ يَتَنَاقَلَاهُ وَهُوَ كَالْبَيْعِ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ فَلَمْ يَصِحَّ فِيهِ الْمُبَايَعَةُ، وَالْمُنَاقَلَةُ نَوْعٌ مِنْ الْبَيْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَوْ كَانَتْ أَرْضًا مُحْبَسَةً لِدَفْنِ الْمَوْتَى فَضَاقَتْ بِأَهْلِهَا فَأَرَادُوا أَنْ يُوَسِّعُوا وَيَدْفِنُوا وَبِجَانِبِهَا مَسْجِدٌ فَأَرَادُوا أَنْ يَدْفِنُوا فِيهِ مَيِّتًا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَذَلِكَ حَبْسٌ كُلُّهُ قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ.

وَقَالَ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي مَقْبَرَةٍ عَفَتْ: فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبْنَى فِيهَا مَسْجِدٌ وَكُلُّ مَا كَانَ لِلَّهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُسْتَعَانَ بِبَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْحَبْسَانِ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ لِغَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ بِصَرْفِ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ مَنْ نَقَلَ الْمَقْبَرَةَ إلَى الْمَسْجِدِ وَيُدْفَنُ الْمَيِّتُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى سَبِيلِ التَّوَسُّعِ فَأَمَّا مَا كَانَ لِلْمَخْلُوقِينَ مِنْ الْحُقُوقِ فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ يَنْقُلُ مَنْفَعَةَ أَحَدِ الْحَبْسَيْنِ مِنْ مَالِكٍ إلَى مَالِكٍ غَيْرِهِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَا يُنْقَلُ مِنْ مَالِكٍ إلَى مَالِكٍ، وَإِنَّمَا يُنْقَلُ مِنْ وَجْهِ مَنْفَعَةٍ إلَى وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ كُلُّهُ لِلَّهِ تَعَالَى.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِذَا كَانَتْ الدُّورُ الْمُحْبَسَةُ حَوْلَ الْمَسْجِدِ وَاحْتَاجَ الْمَسْجِدُ إلَى سَعَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ دُورَ الْحَبْسِ لِيُوَسِّعَ بِهَا الْمَسْجِدَ وَالطَّرِيقَ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ عَامٌّ أَعَمُّ مِنْ نَفْعِ الدَّارِ الْمُحْبَسَةِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَذَلِكَ عِنْدِي فِي مِثْلِ جَوَامِعِ الْأَمْصَارِ دُونَ مَسَاجِدِ الْقَبَائِلِ وَقَالَهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَمَنْ مَعَهُ

أَنَّ الْأَحْبَاسَ إنَّمَا تُغَيَّرُ إلَى الْمَنَافِعِ الْعَامَّةِ دُونَ الْخَاصَّةِ

، وَذَلِكَ فِي مِثْلِ الْجَوَامِعِ، وَأَمَّا مَسَاجِدُ الْقَبَائِلِ فَإِنَّهَا خَاصَّةٌ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ فِي الْبَلَدِ الْوَاحِدِ مِنْهَا كَثِيرٌ فَمَتَى ضَاقَ مَسْجِدٌ بُنِيَ بِالْقُرْبِ مِنْهُ مَسْجِدٌ يَتَّسِعُ فِيهِ وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِي الْجَوَامِعِ، وَأَمَّا عَلَى تَجْوِيزِ مَالِكٍ ذَلِكَ فِي الطُّرُقِ فَيَصِحُّ ذَلِكَ فِي مَسَاجِدِ الْقَبَائِلِ وَغَيْرِهَا.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَعَقْدُ الْحَبْسِ لَازِمٌ مُؤَبَّدٌ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ الْأَحْبَاسِ خِلَافًا لِابْنِ حَنْبَلٍ فِي تَجْوِيزِ ذَلِكَ وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ رَبِيعَةَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا احْتَجَّ بِهِ مَالِكٌ فَإِنَّهُ قَالَ وَبَقَاءُ أَحْبَاسِ السَّلَفِ دَائِرَةٌ دَلِيلٌ عَلَى مَنْعِ ذَلِكَ وَدَلِيلٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ مَا لَا يَنْقُلُ الْحَبْسَ عَنْ مُقْتَضَاهُ إذَا لَمْ تَخْرَبْ فَإِنَّهُ لَا يَنْقُلُهُ عَنْ مُقْتَضَاهُ، وَإِنْ خَرِبَ كَالْغَصْبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>