للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُوصِي لَا يَقْدِرُ عَلَى تَغْيِيرِ وَصِيَّتِهِ وَلَا مَا ذَكَرَ فِيهَا مِنْ الْعَتَاقَةِ كَانَ كُلُّ مُوصٍ قَدْ حَبَسَ مَالَهُ الَّذِي أَوْصَى فِيهِ مِنْ الْعَتَاقَةِ وَغَيْرِهَا، وَقَدْ يُوصِي الرَّجُلُ فِي صِحَّتِهِ وَعِنْدَ سَفَرِهِ قَالَ مَالِكٌ فَالْأَمْرُ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ أَنَّهُ يُغَيِّرُ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ غَيْرَ التَّدْبِيرِ)

ــ

[المنتقى]

(ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ أَنَّ الْمُوصِيَ فِي صِحَّتِهِ، أَوْ مَرَضِهِ يَعْتِقُ بَعْضَ رَقِيقِهِ، أَوْ يَتَصَدَّقُ بِصَدَقَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ فَإِنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ لَهُ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْوَصِيَّةِ عَقْدٌ جَائِزٌ غَيْرُ لَازِمٍ وَلَهُ أَنْ يُغَيِّرَ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ وَيُبْطِلَ مِنْهُ مَا شَاءَ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ أَوْ يُعَوِّضُ مِنْهُ غَيْرَهُ فِي صِحَّتِهِ، أَوْ مَرَضِهِ مَا لَمْ يَمُتْ فَإِذَا مَاتَ فَقَدْ لَزِمَتْ تِلْكَ الْوَصِيَّةُ فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يُغَيِّرَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلَا يُبْطِلَهُ وَلَا يُبَدِّلَهُ بِغَيْرِهِ فَأَمَّا التَّدْبِيرُ فَإِنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ لَيْسَ لِمَنْ عَقَدَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ بِالْقَوْلِ وَلَا بِالْفِعْلِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ فِي كِتَابِ التَّدْبِيرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّدْبِيرِ وَالْوَصِيَّةِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ عَقْدَ الْوَصِيَّةِ عَقْدٌ جَائِزٌ وَعَقْدُ التَّدْبِيرِ عَقْدٌ لَازِمٌ يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الرُّجُوعِ عَنْ الْوَصِيَّةِ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَنْ أَجَازَ الرُّجُوعَ عَنْ التَّدْبِيرِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِالْقَوْلِ فَكَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِالْفِعْلِ وَإِذَا فَرَّقَ هُوَ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالتَّدْبِيرِ فِي الرُّجُوعِ عَنْهُمَا بِالْقَوْلِ جَازَ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا فِي الرُّجُوعِ بَيْنَهُمَا بِالْفِعْلِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصَى فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ» فَتَأَوَّلَ فِي ذَلِكَ أَنَّ عَقْدَ الْوَصِيَّةِ وَاجِبٌ، أَوْ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَأَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ ثُمَّ قَالَ فَلَوْ كَانَ الْمُوصِي لَا يَقْدِرُ عَلَى تَغْيِيرِ وَصِيَّتِهِ كَانَ كُلُّ مُوصٍ حَبَسَ مَالَهُ يَعْنِي أَنَّ الْوَصِيَّةَ كَانَتْ تَكُونُ مَانِعَةً لَهُ مِنْ تَصَرُّفِهِ فِي مَالِهِ فَمَتَى أَوْصَى بِعِتْقِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتِرْقَاقُهُ وَلَا بَيْعُهُ وَإِذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْإِنْفَاقُ مِنْهُ لَا سِيَّمَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِيعَابِ لَهُ وَفِي هَذَا إضْرَارٌ بِالنَّاسِ وَمَنْعٌ مِنْ الْوَصِيَّةِ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ، وَقَدْ يُوصِي الرَّجُلُ فِي صِحَّتِهِ وَعِنْدَ سَفَرِهِ يُرِيدُ أَنَّ مَنْ أَرَادَ السَّفَرَ قَدْ يُوصِي مَعَ كَوْنِهِ صَحِيحًا.

وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بَلْ جَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ عَلَى جَوَازِ تَغْيِيرِ ذَلِكَ وَالْوَصِيَّةُ تَكُونُ عَلَى ضَرْبَيْنِ مُقَيَّدَةً وَمُطْلَقَةً فَإِنْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: إنْ مِتُّ فِي سَفَرِي هَذَا، أَوْ مِتُّ فِي مَرَضِي هَذَا فَيُنْفِذُ عَنِّي وَصِيَّةَ كَذَا وَكَذَا وَيَذْكُرُ مَا شَاءَ مِنْ عِتْقٍ، أَوْ صَدَقَةٍ فَهَذَا عِنْدَ مَالِكٍ وَصِيَّةً وَلَهُ أَنْ يُغَيِّرَهَا فَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْهَا حَتَّى مَاتَ فِي مَرَضِهِ، أَوْ سَفَرِهِ فَهِيَ فِي ثُلُثِهِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا وَصِيَّةٌ مُتَضَمِّنَةٌ قُرْبَةً شَرَطَ فِيهَا شَرْطًا لَا يُنَافِي الشَّرْعَ فَكَانَتْ عَلَى مَا شَرَطَ كَمَا لَوْ شَرَطَ فِيهَا التَّغْيِيرَ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ بَرِئَ مِنْ مَرَضِهِ أَوْ قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ وَصِيَّتُهُ كَتَبَهَا، أَوْ لَمْ يَكْتُبْهَا وَأَشْهَدَ بِهَا فَإِنْ كَانَ كَتَبَهَا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ وَضَعَ الْكِتَابَ عَلَى يَدِ رَجُلٍ، أَوْ أَقَرَّهُ عِنْدَهُ فَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ فَهَذِهِ الْوَصِيَّةُ تَنْفُذُ فِي ثُلُثِهِ قَالَهُ مَالِكٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ خِلَافًا بَيْنَ أَصْحَابِنَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا أَثْبَتَ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ وَخَصَّ ذَلِكَ بِأَنْ وَضَعَهُ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ ثُمَّ أَبْقَى الْكِتَابَ بَعْدَ الْبُرْءِ، أَوْ الْقُدُومِ عَلَى حَالَتِهِ لَمْ يَأْخُذْهُ مِمَّنْ وَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ حَتَّى مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ وَجْهٌ مِنْ اسْتِدَامَةِ الْوَصِيَّةِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِنْ قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ أَوْ بَرِئَ مِنْ مَرَضِهِ فَأَخَذَ الْكِتَابَ مِنْ عِنْدِ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ ثُمَّ مَاتَ فَوُجِدَ الْكِتَابُ عِنْدَ الْمُوصِي فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ اسْتِرْجَاعَهُ لِلْكِتَابِ مِنْ عِنْدِ مَنْ وَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ تَغْيِيرٌ لِحَالِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا عَلَى وَجْهِ الْإِجَازَةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ تَرَكَ اسْتِدَامَتَهُ كَتَمْزِيقِهِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِنْ كَانَ إنَّمَا كَتَبَهُ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ وَأَمْسَكَهُ عِنْدَ نَفْسِهِ ثُمَّ قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ، أَوْ بَرِئَ مِنْ مَرَضِهِ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَمُوتَ فِي مَرَضٍ، أَوْ سَفَرٍ، أَوْ فِي غَيْرِ مَرَضٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>