للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَبِسَ خَمِيصَةً لَهَا عَلَمٌ ثُمَّ أَعْطَاهَا أَبَا جَهْمٍ وَأَخَذَ مِنْ أَبِي جَهْمٍ أَنْبِجَانِيَّةً لَهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلِمَ فَقَالَ إنِّي نَظَرْت إلَى عَلَمِهَا فِي الصَّلَاةِ» ) .

ــ

[المنتقى]

اتِّسَاقَ النَّخْلِ وَاتِّصَالَ جَرَائِدِهَا لِتَنَسُّقِهَا كَانَتْ تَمْنَعُ الدُّبْسِيَّ مِنْ الْخُرُوجِ فَجَعَلَ يَتَرَدَّدُ بِطَلَبِ الْمَخْرَجِ فَرَأَى ذَلِكَ أَبُو طَلْحَةَ فَأَتْبَعَهُ بَصَرَهُ اتِّبَاعَ الْمَسْرُورِ بِصَلَاحِ مَالِهِ وَحُسْنِ إقْبَالِهِ وَتَنَعُّمِهِ فَشَغَلَهُ ذَلِكَ عَمَّا هُوَ فِيهِ مِنْ صَلَاتِهِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى صَلَاتِهِ مَعْنَاهُ رَجَعَ إلَى الْإِقْبَالِ عَلَيْهَا وَتَفْرِيغِ نَفْسِهِ لِإِتْمَامِهَا فَإِذَا هُوَ لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى لِأَنَّهُ نَسِيَ ذَلِكَ بِنَظْرَةٍ إلَى الدُّبْسِيِّ فَقَالَ لَقَدْ أَصَابَتْنِي فِي مَالِي هَذَا فِتْنَةٌ أَصْلُ الْفِتْنَةِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الِاخْتِبَارُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} [طه: ٤٠] مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اخْتَبَرْنَاك اخْتِبَارًا إلَّا أَنَّ لَفْظَ الْفِتْنَةِ إذَا أُطْلِقَ فَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ غَالِبًا فِيمَنْ أَخْرَجَهُ الِاخْتِبَارُ عَنْ الْحَقِّ يُقَالُ فُلَانٌ مَفْتُونٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ اُخْتُبِرَ فَوُجِدَ عَلَى غَيْرِ الْحَقِّ فَمَعْنَى قَوْلِهِ أَصَابَتْنِي فِتْنَةٌ أَيْ اُخْتُبِرْت بِهَذَا الْمَالِ فَشَغَلَنِي عَنْ الصَّلَاةِ وَتَكُونُ الْفِتْنَةُ بِمَعْنَى الْمَيْلِ عَنْ الْحَقِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [الإسراء: ٧٣] مَعْنَاهُ يُمِيلُونَك فَيَكُونُ مَعْنَى أَصَابَتْنِي فِتْنَةٌ أَيْ أَصَابَتْنِي مِنْ بَهْجَةِ هَذَا الْمَالِ مَا أَمَالَنِي عَنْ الْإِقْبَالِ إلَى صَلَاتِي وَتَكُونُ الْفِتْنَةُ أَيْضًا الْإِحْرَاقَ يُقَالُ فَتَنْتُ الرَّغِيفَ إذَا أَحْرَقْتُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} [الذاريات: ١٣] أَيْ يُحْرَقُونَ وَاللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ فَتَنْت الرَّجُلَ وَأَهْلُ نَجْدٍ يَقُولُونَ أَفَتَنْت الرَّجُلَ لَمَّا أَصَابَتْ أَبَا طَلْحَةَ الْفِتْنَةُ فِي مَالِهِ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ لَهُ الَّذِي أَصَابَهُ فِي حَائِطِهِ مِنْ الْفِتْنَةِ وَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ صَدَقَةٌ لِلَّهِ يُرِيدُ بِذَلِكَ إخْرَاجَ مَا فُتِنَ بِهِ مِنْ مَالِهِ وَتَكْفِيرَ اشْتِغَالِهِ عَنْ صَلَاتِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا كَانَ يَقِلُّ مِنْهُمْ وَيَعْظُمُ فِي نُفُوسِهِمْ فَكَيْفَ مِمَّنْ يَكْثُرُ ذَلِكَ مِنْهُ تَغَمَّدَ اللَّهُ زَلَلَنَا بِفَضْلِهِ وَفِي الْجُمْلَةِ أَنَّ الْإِقْبَالَ عَلَى الصَّلَاةِ وَتَرْكِ الِالْتِفَاتِ فِيهَا مَأْمُورٌ بِهِ مِنْ أَحْكَامِهَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: ٢] قَالَ الْإِقْبَالُ عَلَيْهَا وَالْخُشُوعُ فِيهَا وَقَدْ كُرِهَ كُلُّ مَا يَكُونُ سَبَبًا إلَى الِالْتِفَاتِ فِيهَا قَالَ مَالِكٌ وَلِذَلِكَ كَرِهَ النَّاسُ تَزْوِيقَ الْمَسْجِدِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْفُسَيْفِسَاءِ وَتَأَوَّلُوا أَنَّهُ يَشْغَلُ النَّاسَ فِي صَلَاتِهِمْ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ هُوَ صَدَقَةٌ لِلَّهِ ضَعْهُ حَيْثُ شِئْت يَقْتَضِي الصَّدَقَةَ بِرَقَبَةِ الْمَالِ وَإِنَّمَا صَرَفَ ذَلِكَ إلَى اخْتِيَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعِلْمِهِ بِأَفْضَلِ مَا تُصْرَفُ إلَيْهِ الصَّدَقَاتُ وَحَاجَتُهُ إلَى صَرْفِهَا فِي وُجُوهِهَا.

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ كَانَ يُصَلِّي فِي حَائِطٍ لَهُ بِالْقُفِّ وَادٍ مِنْ أَوْدِيَةِ الْمَدِينَةِ فِي زَمَنِ الثَّمَرِ وَالنَّخْلُ قَدْ ذُلِّلَتْ فَهِيَ مُطَوَّقَةٌ بِثَمَرِهَا فَنَظَرَ إلَيْهَا فَأَعْجَبَهُ مَا رَأَى مِنْ ثَمَرِهَا ثُمَّ رَجَعَ إلَى صَلَاتِهِ فَإِذَا هُوَ لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى فَقَالَ لَقَدْ أَصَابَتْنِي فِي مَالِي هَذَا فِتْنَةٌ فَجَاءَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ خَلِيفَةٌ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ وَقَالَ هُوَ صَدَقَةٌ فَاجْعَلْهُ فِي سُبُلِ الْخَيْرِ فَبَاعَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بِخَمْسِينَ أَلْفًا فَسُمِّيَ ذَلِكَ الْمَالُ الْخَمْسِينَ) .

(ش) : قَوْلُهُ بِالْقُفِّ الْقُفُّ مَا صَلُبَ مِنْ الْأَرْضِ وَاجْتَمَعَ وَأَصْلُ الْقُفُوفِ الِاجْتِمَاعُ وَمِنْهُ قَفَا شَعْرِك أَيْ اجْتَمَعَ وَتَقَبَّضَ وَقَوْلُهُ قَدْ ذُلِّلَتْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى مَعْنَى ذُلِّلَتْ مَالَتْ الثَّمَرَةُ بِعَرَاجِينِهَا فَبَرَزَتْ وَصَارَتْ كَالطَّوْقِ لِلنَّخْلَةِ.

وَقَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ النَّخْلَ تُجْمَعُ عَرَاجِينُهَا بِحَبْلٍ أَوْ شَيْءٍ فَتَبْرُزُ الثَّمَرَةُ فَتَبِينُ لِلْخَرْصِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ الثَّمَرَةَ تُفْتَلُ عَرَاجِينُهَا لِتُثْمِرَ وَرَوَى عِيسَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ لِيَتَمَكَّنَ الْخِرْصُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي فِي ذَلِكَ أَنَّ الثَّمَرَةَ إذَا عَظُمَتْ وَبَلَغَتْ حَدَّ النُّضْجِ ثَقُلَتْ فَمَالَتْ بِعَرَاجِينِهَا فَهُوَ مَعْنَى تَذْلِيلِهَا وَهُوَ فِيمَا يَقَعُ فِي نَفْسِي مَعْنَى قَوْله تَعَالَى {وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلا} [الإنسان: ١٤] .

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ هُوَ صَدَقَةٌ هَذِهِ اللَّفْظَةُ بِانْفِرَادِهَا تَقْتَضِي الْبِرَّ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ صَدَقَةً لِلَّهِ وَلِذَلِكَ مَنْ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ اعْتِصَارُ صَدَقَتِهِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ فَإِنَّ لَهُ اعْتِصَارَهَا حَتَّى يَقُولَ هِبَةٌ لِلَّهِ وَتُفَارِقُ الصَّدَقَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>