للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَرَضَ لِلْجَدِّ الَّذِي يَفْرِضُ النَّاسُ لَهُ الْيَوْمَ) .

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ فَرَضَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ لِلْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ الثُّلُثَ) .

ــ

[المنتقى]

وَجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ أَقَامُوهُ مَقَامَ الْأَبِ وَحَجَبُوا بِهِ الْإِخْوَةَ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ.

قَالَ الشَّعْبِيُّ أَوَّلُ جَدٍّ وَرِثَ فِي الْإِسْلَامِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مَاتَ ابْن لِعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ وَتَرَكَ أَخَوَيْنِ فَأَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَسْتَأْثِرَ بِمَالِهِ فَاسْتَشَارَ عَلِيًّا وَزَيْدًا فِي ذَلِكَ فَمَثَّلَا لَهُ مَثَلًا فَقَالَ: لَوْلَا أَنَّ رَأْيَكُمَا اجْتَمَعَ مَا رَأَيْت أَنْ يَكُونَ ابْنِي وَلَا أَكُونَ أَبَاهُ وَكَانَ زَيْدٌ وَابْنُ مَسْعُودٍ يُقَاسِمَانِ الْجَدَّ بِالْإِخْوَةِ إلَّا أَنْ تَنْقُصَهُ الْمُقَاسَمَةُ مِنْ الثُّلُثِ فَيَفْرِضَانِهِ لَهُ فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ زَوْجٌ أَوْ زَوْجَةٌ أَوْ أُمٌّ، أَوْ جَدَّةٌ أَعْطَيَا الْجَدَّ الْأَوْفَرَ مِنْ الْمُقَاسَمَةِ، أَوْ ثُلُثَ مَا بَقِيَ بَعْدَ فَرْضِ ذَوِي السِّهَامِ أَوْ سُدُسَ جَمِيعِ الْمَالِ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ} [النساء: ٧] وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ جَدٌّ وَلَا يَكُونُ فِيهِمْ جَدٌّ فَإِنْ قِيلَ إنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ أَهْلَ الْفُرُوضِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: ٧] فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ مَعْنَى قَوْلِهِ مَفْرُوضًا مُقَدَّرًا وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ وَاجِبٌ وَثَابِتٌ، الْإِخْوَةُ مَعَ الْجَدِّ لَهُمْ سَهْمٌ ثَابِتٌ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا ذَكَرٌ يُعَصِّبُ أُخْتَهُ فَلَمْ يَحْجُبْهُ الْجَدُّ عَنْ جَمِيعِ الْمِيرَاثِ كَالِابْنِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْجَدَّ يُسْقِطُ بَنِي الْإِخْوَةِ مِنْ الْمِيرَاثِ هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أَجْرَى بَنِي الْإِخْوَةِ مَعَ الْجَدِّ فِي الْمُقَاسَمَةِ مَجْرَى الْإِخْوَةِ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ قَالَ بِهِ غَيْرُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا ذَكَرٌ لَا يُعَصِّبُ أُخْتَهُ فَلَمْ يُقَاسِمْ الْجَدَّ كَالْعَمِّ وَابْنِ الْعَمِّ.

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَرَضَ لِلْجَدِّ الَّذِي يَفْرِضُ النَّاسُ لَهُ الْيَوْمَ) .

(ش) : يَحْتَاجُ فِي مَعْرِفَتِهِ إلَى أَنْ يَعْلَمَ مَا كَانَ يَفْرِضُ النَّاسُ لَهُ مِنْ يَوْمِ قَالَهُ قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ وَمَعْنَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ زَيْدٍ فِيهِ؛ لِأَنَّ قَبِيصَةَ مَدَنِيٌّ وَقَالَ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ وَبِقَوْلِ زَيْدٍ كَانَ حُكْمُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَسَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذِكْرُ الْجَدِّ وَمِيرَاثُهُ وَذِكْرُ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِيهِ.

(ش) : قَوْلُهُ إنَّهُمْ فَرَضُوا لِلْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ الثُّلُثَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُمْ قَدَّرُوا لَهُ تَقْدِيرًا لَا يُنْقَصُ مِنْهُ وَإِنْ جَازَ أَنْ يُزَادَ عَلَيْهِ فَيَكُونُ يَرِثُ بِالْفَرْضِ مَعَ الْإِخْوَةِ الثُّلُثَ وَإِنْ حَصَلَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَبِالتَّعْصِيبِ مَعَ الْفَرْضِ، أَوْ بِالِانْتِقَالِ مِنْ الْفَرْضِ إلَى التَّعْصِيبِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا لَهُ الثُّلُثَ وَذَلِكَ أَنَّ الْجَدَّ يُقَاسِمُ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ، أَوْ لِلْأَبِ مَا لَمْ تُنْقِصْهُ الْمُقَاسَمَةُ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ نَقَصَتْهُ مِنْ الثُّلُثِ أَوْجَبُوا لَهُ الثُّلُثَ فَإِذَا كَانَ مَعَ الْأَخَوَيْنِ فَالْفَرْضُ وَالْمُقَاسَمَةُ سَوَاءٌ وَإِذَا كَانَ مَعَ ثَلَاثَةٍ مِنْ الْإِخْوَةِ فَالْفَرْضُ أَفْضَلُ لَهُ مِنْ الْمُقَاسَمَةِ فَيُعْطَى الثُّلُثَ وَإِنْ كَانَ مَعَ أَخٍ وَاحِدٍ فَالْمُقَاسَمَةُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ يَحْصُلُ لَهُ فَيُعْطَى النِّصْفَ هَذَا مَذْهَبُ زَيْدٍ فِيهِ قَالَهُ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ.

وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مِثْلُ ذَلِكَ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَاسَمَ الْإِخْوَةَ بِالْجَدِّ إلَى سَبْعَةٍ وَإِلَى ثَمَانِيَةٍ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّ ابْنَ حُصَيْنٍ وَأَبَا مُوسَى أَنَّهُمَا قَاسَمَا إلَى اثْنَيْ عَشَرَ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ أَنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ يَسْتَحِقُّونَ مَعَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَمَعَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ الثُّلُثَ وَالْجَدُّ يَحْجُبُ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ عَنْ ذَلِكَ الثُّلُثِ فَكَانَ أَوْلَى بِهِ مِنْ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَهُوَ يُشَارِكُهُمْ فِيمَا زَادَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْجَدَّ يَرِثُ الثُّلُثَ مَعَ الْإِخْوَةِ بِالْفَرْضِ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ يَرِثُهُ بِالتَّعْصِيبِ؛ فَلِذَلِكَ لَا يُنْقَصُ مِنْ الثُّلُثِ وَثَبَتَ لَهُ بِذَلِكَ حَالَةٌ مِنْ حَالَاتِ الْأَبِ يَرِثُ بِالْفَرْضِ السُّدُسَ وَسَائِرَ الْمَالِ بِالتَّعْصِيبِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَكُونُ فَرْضُهُ الثُّلُثَ وَهُوَ إنَّمَا يَسْتَفِيدُ ذَلِكَ مِنْ الْأَبِ وَالْأَبُ فَرْضُهُ السُّدُسُ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَبَ فَرْضُهُ السُّدُسُ مَعَ الِابْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>