للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

كَانَ لَهُمْ أَنْ يَحْلِفُوا وَيَسْتَحِقُّوا مَا يُوجِبُ أَيْمَانَهُمْ مِنْ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ وَلَيْسَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ أَنْ يَحْلِفُوا وَيَبْرَءُوا إلَّا أَنْ يَنْكُلَ وُلَاةُ الدَّمِ عَنْ الْأَيْمَانِ فَحِينَئِذٍ تُرَدُّ الْأَيْمَانُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَالْقَسَامَةُ لَا تَجِبُ إلَّا بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يَقُولَ الْمَقْتُولُ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ، أَوْ يَأْتِي وُلَاةُ الدَّمِ بِلَوْثٍ مِنْ بَيِّنَةٍ وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ تَجِبُ الْقَسَامَةُ بِوُجُوهٍ أَرْبَعَةٍ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ الْمَذْكُورُ وَالثَّانِي أَنْ يَشْهَدَ الضَّرْبَ وَالْجُرْحَ شَاهِدَانِ مَرْضِيَّانِ ثُمَّ يُقِيمُ الْمَضْرُوبُ أَوْ الْمَجْرُوحُ بَعْدَ ذَلِكَ أَيَّامًا، ثُمَّ يَمُوتُ وَالثَّالِثُ أَنْ يَشْهَدَ شَاهِدٌ مَرْضِيٌّ أَنَّ فُلَانًا قَتَلَ فُلَانًا وَالرَّابِعُ أَنْ يَشْهَدَ اللَّوْثُ أَوْ أَهْلُ الْبَدْوِ عَلَى قَتِيلٍ فَيُقْسِمَ مَعَ قَوْلِهِمْ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ مِنْ اللَّوْثِ الَّذِي يَكُونُ بِهِ الْقَسَامَةُ اللَّفِيفُ مِنْ السَّوَادِ وَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ يَحْضُرُونَ ذَلِكَ وَمِثْلُ الرَّجُلَيْنِ أَوْ النَّفَرِ غَيْرِ الْعُدُولِ، وَهَذَا الْقَوْلُ لَيْسَ بِمُخَالِفٍ لِقَوْلِ مَالِكٍ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْقَسَامَةَ فِي الثَّلَاثَةِ دَاخِلَةٌ تَحْتَ الْقَسَمِ الَّذِي قَالَ فِيهِ مَالِكٌ، أَوْ يَأْتِي بِلَوْثِ بَيِّنَةٍ وَقَدْ زَادَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ قِسْمَا خَامِسًا وَهُوَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْقَاتِلِ يُوجَدُ الْمَقْتُولُ بِقُرْبِهِ وَلَمْ يَرَوْهُ حِينَ قَتَلَهُ وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي النَّوَادِرِ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مَعُونَتِهِ قِسْمًا سَادِسًا فِي فِئَتَيْنِ اقْتَتَلَتَا فَوُجِدَ بَيْنَهُمَا قَتِيلٌ فِيهَا رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّ وُجُودَهُ بَيْنَهُمَا لَوْثٌ يُقْسِمُ مَعَهُ الْأَوْلِيَاءُ عَلَى مَنْ يَدَّعُونَ عَلَيْهِ قَتْلَهُ فَيَقْتُلُونَهُ وَالْأُخْرَى لَا قَسَامَةَ فِيهِ، قَالَ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ لِحُصُولِهِ مَقْتُولًا بَيْنَهُمَا إنْ قَتَلَهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْهُمَا فَكَانَ ذَلِكَ لَوْثًا يُوجِبُ الْقَسَامَةَ لِأَوْلِيَائِهِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْقَسَامَةَ لَا تَكُونُ إلَّا مَعَ لَوْثٍ فِي مُشَارٍ إلَيْهِ مُعَيَّنٍ وَهَذَا أَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّ اللَّوْثَ إذَا تَعَلُّقٍ بِمُعَيَّنٍ أَثَّرَ فِي الْقَسَامَةِ وَإِذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِمُعَيَّنٍ وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ بِجَمَاعَةٍ عَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ لَا يُتَيَقَّنُ، أَوْ آحَادٌ غَيْرُ مُعَيَّنِينَ فَهَلْ يُؤَثِّرُ فِي الْقَسَامَةِ أَمْ لَا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَأَمَّا قَوْلُ الْمَقْتُولِ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ فَهُوَ عِنْدَ مَالِكٍ فِي الْجُمْلَةِ لَوْثٌ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ.

وَقَدْ اسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا فِي ذِكْرِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: ٦٧] الْآيَةَ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ قَالَ مَالِكٌ وَمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْ شَأْنِ الْبَقَرَةِ الَّتِي ضُرِبَ الْقَتِيلُ بِلَحْمِهَا فَحَيِيَ فَأَخْبَرَهُ عَمَّنْ قَتَلَهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ قَوْلِ الْمَيِّتِ فَإِنْ قِيلَ إنَّ ذَلِكَ آيَةٌ قِيلَ إنَّمَا الْآيَةُ فِي إحْيَائِهِ فَإِذَا صَارَ حَيًّا لَمْ يَكُنْ كَلَامُهُ آيَةً وَقَدْ قَبِلَ قَوْلَهُ فِيهِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ شَرِيعَةَ مَنْ قَبْلَنَا شَرِيعَةٌ لَنَا إلَّا مَا ثَبَتَ نَسْخُهُ، وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا بِمَا رَوَى هِشَامُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ يَهُودِيًّا قَتَلَ جَارِيَةً عَلَى أَوْضَاحٍ لَهَا فَقَتَلَهَا بِحَجَرٍ فَجِيءَ بِهَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِهَا رَمَقٌ فَقَالَ أَقَتَلَكِ فُلَانٌ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا أَنْ لَا، ثُمَّ قَالَ الثَّانِيَةَ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا أَنْ نَعَمْ» وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ فَزَادَ فِيهِ «فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى أَقَرَّ فَرَضَّ رَأْسَهُ بِالْحِجَارَةِ» وَاسْتَدَلُّوا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى بِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ أَحْوَالِ النَّاسِ عِنْدَ الْمَوْتِ أَنْ لَا يَتَزَوَّدُونَ مِنْ الدُّنْيَا قَتْلَ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ بَلْ يَسْعَى إلَى التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالنَّدَمِ عَلَى التَّفْرِيطِ وَرَدِّ الْمَظَالِمِ وَلَا أَحَدَ أَبْغَضَ إلَى الْمَقْتُولِ مِنْ الْقَاتِلِ فَمُحَالٌ أَنْ يَتَزَوَّدَ مِنْ الدُّنْيَا سَفْكَ دَمٍ حَرَامٍ يَعْدِلُ إلَيْهِ وَيَحْقِنُ دَمَ قَاتِلِهِ وَهَذَا عُمْدَةُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَصْحَابُنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ فِيهَا نَظَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا قُلْنَا إنَّ قَوْلَ الْمَقْتُولِ إنَّ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ قَتَلَنِي عَمْدًا لَهُ تَأْثِيرٌ فِي الْقَسَامَةِ فَإِنَّهُ إنْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ شَجَّهُ، أَوْ ضَرَبَهُ ضَرْبًا زَعَمَ أَنَّهُ يَخَافُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ وَقَدْ عُرِفَتْ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ فَقَدْ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ لَا يُحْبَسُ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِلَطْخٍ بَيِّنٍ وَشُبْهَةٍ قَوِيَّةٍ أَوْ يَكُونَ الْمُدَّعَى بِحَالٍ يَخَافُ مِنْهَا الْمَوْتَ وَقَدْ يَحْرِصُ الرَّجُلُ عَلَى مَعَرَّةِ عَدُوِّهِ بِالسِّجْنِ بِأَنْ يَجْرَحَ نَفْسَهُ.

(فَرْعٌ) فَإِذَا مَاتَ وَقَدْ قَالَ فُلَانٌ قَتَلَنِي أَوْ جَرَحَنِي أَوْ ضَرَبَنِي فَفِي كِتَابِ

<<  <  ج: ص:  >  >>