للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ الْقَسَامَةِ فِي الدَّمِ وَالْأَيْمَانِ فِي الْحُقُوقِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا دَايَنَ الرَّجُلَ اسْتَثْبَتَ عَلَيْهِ فِي حَقِّهِ وَأَنَّ الرَّجُلَ إذَا أَرَادَ قَتْلَ الرَّجُلِ لَمْ يَقْتُلْهُ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ النَّاسِ وَإِنَّمَا يَلْتَمِسُ الْخَلْوَةَ قَالَ فَلَوْ لَمْ تَكُنْ الْقَسَامَةُ إلَّا فِيمَا تَثْبُتُ فِيهِ الْبَيِّنَةُ وَلَوْ عَمِلَ فِيهَا كَمَا يَعْمَلُ فِي الْحُقُوقِ هَلَكَتْ الدِّمَاءُ وَاجْتَرَأَ النَّاسُ عَلَيْهَا إذَا عَرَفُوا الْقَضَاءَ فِيهَا وَلَكِنْ إنَّمَا جُعِلَتْ الْقَسَامَةُ إلَى وُلَاةِ الْمَقْتُولِ يَبْدَءُونَ بِهَا فِيهَا لِيَكُفَّ النَّاسُ عَنْ الْقَتْلِ وَلِيَحْذَرْ الْقَاتِلُ أَنْ يُؤْخَذَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ بِقَوْلِ الْمَقْبُولِ قَالَ يَحْيَى.

وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْقَوْمِ يَكُونُ لَهُمْ الْعَدَدُ يُتَّهَمُونَ بِالدَّمِ فَيَرُدُّ وُلَاةُ الْمَقْتُولِ الْأَيْمَانَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ نَفَرٌ لَهُمْ عَدَدٌ أَنَّهُ يَحْلِفُ كُلُّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ عَلَى نَفْسِهِ خَمْسِينَ يَمِينًا وَلَا تُقْطَعُ الْأَيْمَانُ عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ عَدَدِهِمْ وَلَا يَبْرَءُونَ دُونَ أَنْ يَحْلِفَ كُلُّ إنْسَانٍ عَنْ نَفْسِهِ خَمْسِينَ يَمِينًا قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْت فِي ذَلِكَ قَالَ وَالْقَسَامَةُ تَصِيرُ إلَى عَصَبَةِ الْمَقْتُولِ وَهُمْ وُلَاةُ الدَّمِ الَّذِينَ يَقْسِمُونَ عَلَيْهِ وَاَلَّذِينَ يُقْتَلُ بِقَسَامَتِهِمْ) .

ــ

[المنتقى]

أَنْ يَحْلِفَ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْقَاتِلِ مَنْ يَبْلُغُ خَمْسِينَ رَجُلًا يُرِيدُ وَكَانَ مَنْ وُجِدَ مِنْهُمْ اثْنَانِ فَزَائِدٌ رُدَّتْ الْأَيْمَانُ عَلَى مَنْ وُجِدَ مِنْهُمْ حَتَّى يَسْتَوْفُوا خَمْسِينَ يَمِينًا قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْوَاضِحَةِ لَهُمْ أَنْ يَسْتَعِينُوا بِوُلَاتِهِمْ وَعَصَبَتِهِمْ وَعَشِيرَتِهِمْ كَمَا كَانَ ذَلِكَ لِوُلَاةِ الْمَقْتُولِ وَقَالَهُ الْمُغِيرَةُ وَأَصْبَغُ وَقَالَ مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ لَا يَجُوزُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَاحِدًا كَانُوا أَوْ جَمَاعَةً أَنْ يَسْتَعِينُوا بِمَنْ يَحْلِفُ مَعَهُمْ كَمَا يَفْعَلُ وُلَاةُ الْمَقْتُولِ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يُبَرِّءُونَ أَنْفُسَهُمْ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الَّذِينَ طَاعُوا بِالْأَيْمَانِ مَعَهُ خَمْسِينَ رَجُلًا؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ مِمَّنْ كَانَ يَصِحُّ أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُ أَبَوْا مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ الْخَمْسِينَ يَمِينًا تُرَدُّ عَلَى مَنْ تَطَوَّعَ بِذَلِكَ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْقَتْلُ مَنْ يَحْلِفُ مَعَهُ حَلَفَ وَحْدَهُ خَمْسِينَ يَمِينًا وَبَرِئَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَيْمَانِ وَالْحَالِفِينَ أَنَّ الْأَيْمَانَ لَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إلَى التَّبْعِيضِ فِيهَا عَنْ الْعَدَدِ الْمَشْرُوعِ وَقَدْ يُعْدَمُ فِي الْأَغْلَبِ عَدَدُ الْحَالِفِينَ وَقَوْلُهُ وَبَرِئَ يُرِيدُ بَرِئَ مِنْ الدَّمِ وَعَلَيْهِ جَلْدُ مِائَةٍ وَسِجْنُ عَامٍ قَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ سُجِنَ حَتَّى يَحْلِفَ وَفِي النَّوَادِرِ.

وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهِ عَنْ مَالِكٍ قَوْلًا لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ غَيْرِهِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ إذَا رُدَّتْ عَلَيْهِمْ الْأَيْمَانُ فَنَكَلُوا فَالْعَقْلُ عَلَيْهِمْ فِي مَالِ الْجَارِحِ خَاصَّةً وَيُقْتَصُّ مِنْهُ فِي الْجُرْحِ يُرِيدُ فِيمَنْ ثَبَتَ جُرْحُهُ وَاحْتِيجَ إلَى الْقَسَامَةِ أَنَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْجُرْحِ مَاتَ.

وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْقَتْلُ وَأَتَى الْمُدَّعُونَ بِمَا يُوجِبُ الْقَسَامَةَ وَنَكَلُوا عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْقَتْلُ وَتَسْقُطُ عَنْهُ الدَّعْوَى فَإِنْ نَكَلَ فَفِيهَا رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا يُحْبَسُ إلَى أَنْ يَحْلِفَ وَالثَّانِيَةُ تَلْزَمُهُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَأَرَاهُ أَشَارَ لِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ.

(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا أَنَّهُ يُحْبَسُ إلَى أَنْ يَحْلِفَ فَإِنْ حُبِسَ وَطَالَ حَبْسُهُ فَقَدْ رَوَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ يُخَلَّى سَبِيلُهُ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ يُحْبَسُ حَتَّى يَحْلِفَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ هَذَا إنْ نَكَلَ سُجِنَ أَبَدًا حَتَّى يَحْلِفَ.

(ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْقَسَامَةِ وَأَيْمَانِ الْحُقُوقِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا دَايَنَ اسْتَظْهَرَ لِحَقِّهِ بِالْوَثَائِقِ وَالْبَيِّنَةِ أَهْلَ الْعَدْلِ فَإِذَا تَرَكَ ذَلِكَ فَمِنْ تَضْيِيعِهِ لَهُ وَالْمَقْتُولُ إنَّمَا يَلْتَمِسُ قَاتِلُهُ مَوْضِعَ خَلْوَتِهِ وَحَيْثُ يُعْدَمُ مَنْ يَرَاهُ فَكَيْفَ يَسْتَظْهِرُ بِأَهْلِ الْعَدْلِ وَلَا عِلْمَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَقْتُولِ بِذَلِكَ فَلَا يُمْكِنُهُ الِاسْتِظْهَارُ بِالْبَيِّنَةِ وَلَا اسْتِحْضَارُ مَنْ يَشْهَدَ لَهُ وَلَوْ لَمْ يَتَصَرَّفْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لَقَلَّ تَصَرُّفُهُ وَامْتَنَعَ مِنْ مَنَافِعِهِ وَمَكَاسِبِهِ وَسَجَنَ نَفْسَهُ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ عَيْشُهُ فَلِذَلِكَ جُعَلِ قَوْلُهُ عِنْدَ مَالِكٍ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ مُؤَثِّرًا فِي الْقَسَامَةِ وَجَعَلَ الْأَيْمَانَ إلَى وُلَاتِهِ، وَهَذَا الْفَرْقُ إنَّمَا يَعُودُ إلَى قَبُولِ قَوْلِ الْمُدَّعِي دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ وَبَيْنَ قَوْلِهِ لِي عِنْدَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي وَجْهًا آخَرَ مِنْ الْفَرْقِ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَ الْمُدَّعِي دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ إنَّمَا يَشْهَدُ لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنَّمَا يَشْهَدُ لِوُلَاتِهِ، وَقَوْلُ الْقَائِلِ لِي عِنْدَ فُلَانٍ دِرْهَمٌ أَوْ دِينَارٌ شَهَادَتُهُ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ هُوَ الْمُطَالَبَةَ بِهِ فِي حَيَاتِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>