للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

سُقُوطَ الْقِصَاصِ عَنْ الْحُرِّ لَا يُسْقِطُهُ عَنْ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ مَا أَسْقَطَهُ عَنْ صَاحِبِهِ لَمْ يَكُنْ لِمَعْنًى فِي الْفِعْلِ، وَإِنَّمَا كَانَ لِمَعْنًى فِي الْفَاعِلِ، وَلَوْ قَتَلَهُ أَحَدُهُمَا عَمْدًا وَالْآخَرُ خَطَأً لَسَقَطَ الْقِصَاصُ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنْ أَحَدِهِمَا لِمَعْنًى فِي الْفِعْلِ، وَلَا يُدْرَى هَلْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ الَّذِي يَمْنَعُ الْقِصَاصَ مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ مِنْ فِعْلِ الْآخَرِ الَّذِي لَا يَمْنَعُ الْقِصَاصَ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَوْ قَتَلَ رَجُلًا رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا خَطَأً وَالْآخَرُ عَمْدًا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْوَاضِحَةِ وَالْمَجْمُوعَةِ: عَلَى الْعَامِدِ الْقَتْلُ، وَعَلَى الْمُخْطِئِ نِصْفُ الدِّيَةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَاضْطَرَبَ فِيهَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فَقَالَ مَرَّةً يُجْبَرُ الْأَوْلِيَاءُ أَنْ يُقْسِمُوا عَلَى مَنْ شَاءُوا مِنْهُمَا مَاتَ الْقَتِيلُ قَصْعًا أَوْ صَدْمًا، وَاسْتَحْسَنَ هَذَا أَصْبَغُ، ثُمَّ قَالَ مَرَّةً يُقْسِمُونَ أَنَّ مِنْ ضَرْبِهِمَا مَاتَ، ثُمَّ يَكُونُ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي مَالِ الْعَامِدِ، وَنِصْفُهَا عَلَى عَاقِلَةِ الْمُخْطِئِ، وَإِنْ كَانَ مَاتَ الْقَتِيلُ قَصْعًا، وَثَبَتَتْ فِي ذَلِكَ بَيِّنَةٌ قَالَ، وَلَا يُقْتَلُ الْمُتَعَمِّدُ إذَا شَارَكَهُ الْمُخْطِئُ، وَاَلَّذِي حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّهُ مَتَى اشْتَرَكَ فِي الْقَتْلِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَوَدُ، وَمَنْ لَا قَوَدَ عَلَيْهِ كَالْعَامِدِ، وَالْمُخْطِئِ، وَالْبَالِغِ، وَالصَّغِيرِ، وَالْعَاقِلِ، وَالْمَجْنُونِ قُتِلَ مَنْ يَلْزَمُهُ الْقَوَدُ، وَكَانَ عَلَى الْآخَرِ بِقِسْطِهِ مِنْ الدِّيَةِ فَسَوَّى بَيْنَ مُشَارَكَةِ الْمُخْطِئِ، وَمُشَارَكَةِ الصَّغِيرِ فِي الْقِصَاصِ مِمَّنْ شَارَكَهُ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ لَا قَوَدَ عَلَى مَنْ يَشْرَكُ أَحَدًا مِنْهُمْ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: ١٧٨] ، وَمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «فَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إنْ شَاءُوا قَتَلُوا» ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي الْقَتْلِ لَا يُغَيِّرُ جِنْسَهُ كَاشْتِرَاكِ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَعَلَى الصَّغِيرِ نِصْفُ الدِّيَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ فِي مَالِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ فَقَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ عَمْدَهُ كَالْخَطَإِ.

وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا، وَقَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ مَا وَقَعَ مِنْ الدِّيَةِ عَلَى الْحُرِّ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثِ دِيَةٍ فَإِنَّهُ فِي مَالِهِ بَلْ يَكُونُ عَلَى مَا وَقَعَ عَلَى الصَّغِيرِ فِي مَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْهُ مَعَهُ إلَّا كَبِيرٌ وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ أَحَدَ عَشَرَ عَلَى عَاقِلَتِهِ إذَا كَانَ الْقَتْلُ كُلُّهُ خَطَأً، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّهُ قَتْلٌ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْقِصَاصُ مَعَ ثُبُوتِهِ بِالْبَيِّنَةِ فَكَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَالْخَطَإِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ عَمْدٌ فَلَمْ تَجِبْ بِهِ دِيَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَعَمْدِ الْكَبِيرِ.

(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُونَ عَشَرَةً وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ عُشْرَ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّغِيرِ قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ، وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِأَصْلِ الدِّيَةِ، وَهِيَ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَذَلِكَ الْجُزْءُ وَإِنْ قَلَّ مُؤَجَّلٌ فِي ثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الِاعْتِبَارِ بِأَصْلِ الدِّيَةِ، وَهِيَ دِيَةٌ كَامِلَةٌ فَوَجَبَ أَنْ يُنَجَّمَ فِي ثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ؛ لِأَنَّ عَلَى كُلِّ عَاقِلَةٍ جُزْءًا مِنْ دِيَةٍ كَامِلَةٍ كَمَا يُنَجَّمُ مَا يَلْزَمُ كُلُّ إنْسَانٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ، وَرُبَّمَا كَانَ الَّذِي يُصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ أَقَلَّ مِمَّا يُصِيبُ عَاقِلَةً أُخْرَى مِنْ ثُلُثِ دِيَةٍ، وَلَكِنَّ سُنَّةَ الدِّيَاتِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الِاعْتِبَارِ بِأُصُولِهَا، وَعَلَى حَسَبِ ذَلِكَ يَكُونُ تَنْجِيمُهَا، وَتَحَمُّلُ الْعَاقِلَةِ لَهَا.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَكَذَلِكَ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ يَقْتُلَانِ الْعَبْدَ عَمْدًا فَإِنَّهُ يُقْتَلُ الْعَبْدُ، وَعَلَى الْحُرِّ نِصْفُ قِيمَةِ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ، وَهَذَا عَلَى مَا قَالَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْحُرَّ لَا يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ، وَيُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْحُرِّ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُقْتَلُ بِعَبْدٍ غَيْرِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا أَحَدُ نَوْعَيْ الْقِصَاصِ فَلَمْ يَجْرِ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ كَالْقِصَاصِ فِي الْأَطْرَافِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْحُرَّ لَا يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ، وَقَتَلَ عَبْدًا حُرٌّ وَعَبْدٌ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ، وَيُقْتَلُ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ كُلَّهُ قَتْلٌ عَمْدٌ فَمَا سَقَطَ مِنْ الْقِصَاصِ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>