للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَكُونُ إلَّا خَطَأً، وَذَلِكَ لَوْ أَنَّ صَبِيًّا وَكَبِيرًا قَتَلَا رَجُلًا حُرًّا خَطَأً، كَانَ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ) .

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ قُتِلَ خَطَأً فَإِنَّمَا عَقْلُهُ مَالٌ لَا قَوَدَ فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ كَغَيْرِهِ مِنْ مَالِهِ يُقْضَى بِهِ دَيْنُهُ وَتَجُوزُ فِيهِ وَصِيَّتُهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ تَكُونُ الدِّيَةُ قَدْرَ ثُلُثِهِ، ثُمَّ عَفَا عَنْ دِيَتِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرَ دِيَتِهِ جَازَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ إذَا عَفَا عَنْهُ وَأَوْصَى بِهِ) .

ــ

[المنتقى]

(ش) : قَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا قَوَدَ بَيْنَ الصِّبْيَانِ الْقَوَدُ هُوَ الْقِصَاصُ يُرِيدُ إنَّ عَمْدَ الصَّبِيِّ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَقَوْلُهُمْ عَمْدُهُمْ خَطَأٌ يُرِيدُ أَنَّ لَهُ فِي ذَلِكَ حُكْمَ الْخَطَإِ، وَقَوْلُهُ مَا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِمْ الْحُدُودُ، يُرِيدُ الْحُدُودَ الَّتِي تَجِبُ عَلَى مَنْ فَعَلَ أَسْبَابَهَا مِنْ حَدِّ قَذْفٍ وَشُرْبِ خَمْرٍ وَزِنًا، وَقَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ يُرِيدُ الِاحْتِلَامَ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ مَا جَنَى غُلَامٌ لَمْ يَحْتَلِمْ وَصَبِيَّةٌ لَمْ تَحِضْ مِنْ عَمْدٍ فَهُوَ كَالْخَطَإِ، وَمَا كَانَ بَعْدَ الْحَيْضِ وَالِاحْتِلَامِ أُقِيدَ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ فِي وِلَايَةٍ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَعْنَى لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِمْ الْحُدُودُ وَلَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ سَوَاءً، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِمْ الْحُدُودُ بِالْإِنْبَاتِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا الِاحْتِلَامُ فَهُوَ مِمَّا يَنْفَرِدُ بِمَعْرِفَتِهِ الْمُحْتَلِمُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُنْكِرَهُ إذَا جَنَى أَوْ أَتَى بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ حَدٌّ، وَلِذَلِكَ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ كَانَ يُرَاعِي فِيمَنْ يَقْتُلُهُ مِنْ الرِّجَالِ يَوْمَ قُرَيْظَةَ» وَغَيْرِهِمْ الْإِنْبَاتَ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ ظَاهِرٌ، وَالِاحْتِلَامُ أَمْرٌ غَائِبٌ يُمْكِنُ أَنْ يَدَّعِيَهُ وَيُنْكِرَهُ مِنْ وُجُوهٍ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَهَذَا حُكْمُ الصَّغِيرِ يَعْقِلُ وَيَعْرِفُ مَا يَعْمَلُ وَلَهُ قَصْدٌ، وَأَمَّا الرَّضِيعُ فَلَا شَيْءَ فِيمَا أَفْسَدَ وَكَسَرَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ قِيلَ فَلَوْ فَقَأَ عَيْنَ رَجُلٍ فَوَقَفَ، وَقَالَ قَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي هَذَا، وَالْكَسْرُ عِنْدِي أَبْيَنُ.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إنْ كَانَ الصَّبِيُّ ابْنَ سَنَةٍ، وَقَالَ عَنْهُ عِيسَى فِي الْعُتْبِيَّةِ ابْنَ سَنَةٍ وَنِصْفٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَكَسَرَ لُؤْلُؤَةً، وَأَتْلَفَ شَيْئًا فَفِي مَالِهِ إنْ كَانَ قَدْ جَنَى وَيَنْتَهِي إذَا زُجِرَ، وَأَمَّا ابْنُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَنَحْوِهَا لَا يُزْدَجَرُ، وَإِنْ زُجِرَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِذَا سَرَقَ الصَّبِيُّ الشَّيْءَ فَاسْتَهْلَكَهُ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَشَدُّ ذَلِكَ أَنْ يُتَّبَعَ بِهِ، وَمَا هُوَ بِالْبَيِّنِ، وَمِنْ الْأُمُورِ مَا لَا يَتَبَيَّنُ أَبَدًا، وَكَذَلِكَ مَا كَانَ دُونَ ثُلُثِ الدِّيَةِ مِنْ جِرَاحَاتِهِ، وَهَذَا إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَقَدْ قَالَ ابْنِ نَافِعٍ هُوَ دَيْنٌ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِذَا جَنَى الصَّبِيُّ أُدِّبَ إنْ كَانَ يَعْقِلُ مَا يَصْنَعُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَفْهَمُ الزَّجْرَ، وَالْعُقُوبَةُ وَالتَّعْزِيرُ إنَّمَا وُضِعَا لِلرَّدْعِ وَالزَّجْرِ وَالتَّعْلِيمِ كَمَا يُؤَدَّبُ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَنْتَفِعُ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَلَوْ قَتَلَ صَغِيرٌ وَكَبِيرٌ حُرًّا خَطَأً كَانَ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ يُرِيدُ أَنَّ الْعَقْلَ كُلَّهُ كَمَا كَانَ خَطَأً كَانَ مِمَّا تَجِبُ بِهِ الدِّيَةُ فَلَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي ذَلِكَ بِعَدَدِ الْقَاتِلِينَ، وَعَلَى حَسَبِ ذَلِكَ تَكُونُ الدِّيَةُ مَقْسُومَةً عَلَى عَوَاقِلِهِمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ الْعِوَضَ مِنْ قَتْلِ الْخَطَإِ إنَّمَا هُوَ الدِّيَةُ خَاصَّةً، وَهُوَ الْعَقْلُ دُونَ الْقِصَاصِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ مَالٌ حُكْمُهُ حُكْمُ مَالِ الْمَقْتُولِ يُقْضَى بِهِ دَيْنُهُ، وَيَدْخُلُ فِيهِ وَصَايَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْإِطْلَاقِ قَالَهُ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَإِذَا عَفَا الْمَقْتُولُ عَنْ الْقَاتِلِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُوصِي لَهُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ مَالٍ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَإِنْ كَانَ ثُلُثُ مَالِهِ وَدَيْنِهِ يَحْمِلُ دِيَتَهُ جَازَ عَفْوُهُ وَعَنْهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرَ الدِّيَةِ سَقَطَ عَنْ عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ ثُلُثُهَا.

وَقَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ يُحَاصُّ بِهَا أَهْلُ الْوَصَايَا قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فَمَا أَصَابَ أَهْلَ الْوَصَايَا أَخَذُوهُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ الْعَاقِلَةِ، وَأَخَذَ الْوَرَثَةُ ثُلُثَهَا كَذَلِكَ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِذَا عَفَا الْمَقْتُولُ عَمْدًا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ قَتْلَ غِيلَةٍ أَوْ غَيْرَ غِيلَةٍ فَإِنْ كَانَ قَتْلَ غِيلَةٍ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ حُكْمَهُ لَازِمٌ، وَحَدٌّ ثَابِتٌ لَا يَجُوزُ الْعَفْوُ عَنْهُ كَاَلَّذِي يَقْتُلُهُ الْمُحَارِبُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْغِيلَةِ، وَعَفَا عَنْ قَاتِلِهِ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>