للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

فِي التَّوْرَاةِ، وَهَذَا قَبْلَ نُزُولِ الْحُدُودِ وَالْحَاكِمُ مِنَّا الْيَوْمَ لَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ، وَإِنَّمَا يَحْكُمُ عَلَى مَنْ يَحْكُمُ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ.

وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَإِذَا طَلَبَ أَهْلُ الذِّمَّةِ إقَامَةَ الرَّجْمِ بَيْنَهُمْ عَلَى مَنْ زَنَى مِنْهُمْ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَذَلِكَ لَهُمْ وَكَانُوا أَهْلَ صُلْحٍ أَوْ عَنْوَةٍ إلَّا مَنْ كَانَ مِنْهُمْ رَقِيقًا لِمُسْلِمٍ مِنْ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ فَلَيْسَ لَهُمْ فِيهِ رَجْمٌ وَلَا جَلْدٌ وَلَا قَتْلٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ حَقَّ السَّيِّدِ الْمُسْلِمِ يَتَعَلَّقُ بِهِمْ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ» يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عَلِمَ بِالْوَحْيِ أَنَّ حُكْمَ الرَّجْمِ فِيهَا ثَابِتٌ عَلَى مَا شُرِعَ لَمْ يَلْحَقْهُ تَغْيِيرٌ وَلَا تَبْدِيلٌ، وَإِنْ كَانَ قَدْ لَحِقَ كَثِيرًا مِنْ أَحْكَامِهَا تَغْيِيرُ أَحْبَارِهِمْ وَتَبْدِيلُهُمْ لَهَا وَتَحْرِيفُهُمْ إيَّاهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ بِذَلِكَ بِخَبَرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ عُلَمَاءِ الْيَهُودِ عَلَى وَجْهٍ حَصَلَ لَهُ بِهِ الْعِلْمُ بِصِحَّةِ مَا نَقَلُوهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَسْأَلَهُمْ عَنْ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ مَا عِنْدَهُمْ فِيهِ، ثُمَّ يَسْتَعْلِمَ صِحَّةَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ قَصَدَ الْحُكْمَ بَيْنَهُمَا فِي التَّوْرَاةِ لِأَحَدِ وَجْهَيْنِ: إمَّا لِأَنَّهُمْ حَكَّمُوهُ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِالتَّوْرَاةِ، وَأَظْهَرُوا إلَيْهِ أَنَّهُمْ قَصَدُوا بِذَلِكَ إنْفَاذَهُ الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ إذَا كَانَ الْحُكْمُ مَصْرُوفًا إلَيْهِ وَمَقْصُورًا عَلَيْهِ، وَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَمْ يَكُونُوا أَهْلَ ذِمَّةٍ وَلَكِنَّهُمْ حَكَّمُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَكَمَ بَيْنَهُمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ إنَّمَا حَكَمَ بَيْنَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا أُظْهِرَ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ شَرِيعَةَ مَنْ قَبْلِنَا يَلْزَمُنَا إنْفَاذُ مَا ثَبَتَ عِنْدَنَا مِنْهَا بِقُرْآنٍ أَوْ حَدِيثٍ عَنْ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَحِيحٌ حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَنَا نَسْخُهَا إمَّا شَرِيعَتُنَا فَقَطْ وَإِمَّا شَرِيعَتُنَا وَشَرِيعَةُ مَنْ قَبْلِنَا مِمَّنْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ مِنْ الرُّسُلِ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُنْسَخْ هَذَا الْحُكْمُ مِنْ التَّوْرَاةِ بِشَرْعِ مُوسَى وَلَا شَرْعٍ لِغَيْرِهِ مِنْ الرُّسُلِ بَعْدَهُ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُمْ أَنَّهُمْ يَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ «نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ» ظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ قَصَدُوا التَّبْدِيلَ وَالتَّحْرِيفَ وَالْكَذِبَ عَلَى التَّوْرَاةِ إمَّا رَجَاءَ أَنْ يَحْكُمَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ، وَإِمَّا لِأَنَّهُمْ قَصَدُوا بِتَحْكِيمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّخْفِيفَ عَلَى الزَّانِيَيْنِ، وَرَأَوْا أَنَّ ذَلِكَ يُخْرِجُهُمْ عَمَّا أُوجِبَ عَلَيْهِمْ مِنْ إقَامَةِ الرَّجْمِ عَلَيْهِمَا، وَلَعَلَّهُمْ قَصَدُوا بِذَلِكَ اخْتِيَارَ أَمْرِهِ إذَا اعْتَقَدُوا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُقِرُّ عَلَى الْحُكْمِ بِبَاطِلٍ فَعَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَظْهَرَ أَمْرَهُمَا وَأَبْطَلَ كَيْدَهُمْ وَهَدَاهُ إلَى الْحَقِّ وَالْحُكْمِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ، وَجَعَلَ سَبَبَ ذَلِكَ بِأَنْ أَكْذَبَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وَقَالَ لَهُمْ «إنَّ فِي التَّوْرَاةِ الرَّجْمَ» وَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ وَتَنَاهَوْا فِي الْمَكْرِ بَلْ جَعَلَ قَارِئُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ، وَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا وَلَمْ يَقْرَأْهَا لِيُرِيَ أَنَّ التَّوْرَاةَ لَا تَتَضَمَّنُ الرَّجْمَ حَتَّى أُمِرَ بِرَفْعِ يَدِهِ عَنْهَا فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ فُصُولَ التَّوْرَاةِ تُسَمَّى آيَاتٍ لِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ الْهُدَى وَالْحَقِّ الَّذِي نَزَلَ عَلَى سَبِيلِ الْهُدَى وَالْحَقِّ مَا لَمْ يُنْسَخْ فَإِذَا نُسِخَ حُكْمُهَا وَتِلَاوَتُهَا امْتَنَعَ ذَلِكَ فِيهَا.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ «فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرُجِمَا» يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الرَّجْمِ قَدْ لَزِمَهُمَا وَلَزِمَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْفَاذُ ذَلِكَ فِيهِمَا بِتَحْكِيمِهِمْ لَهُ وَقَبُولِهِ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ الرُّجُوعُ عَنْ تَحْكِيمِهِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَذْهَبُوا إلَيْهِ مَعَ تَعَلُّقِهِمْ فِي إسْقَاطِ الرَّجْمِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ ادِّعَاءِ عَدَمِهِ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَجْمِهِمَا وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْإِمَامَ لَا يُبَاشِرُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُزَنِيَّةِ وَقَدْ أَقَامَتْ الْأَئِمَّةُ الْحُدُودَ فَلَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا مِنْهُمْ تَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، وَإِلَّا لَزِمَ ذَلِكَ الْبَيِّنَةُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ ثَبَتَ الزِّنَا بِالِاعْتِرَافِ كَانَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَبْدَأَ بِالرَّجْمِ، ثُمَّ يَتْبَعَهُ سَائِرُ النَّاسِ، وَإِنْ كَانَ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ بَدَأَ الشُّهُودُ ثُمَّ الْإِمَامُ ثُمَّ سَائِرُ النَّاسِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا حَدٌّ مِنْ الْحُدُودِ فَلَمْ يَلْزَمْ الْإِمَامَ مُبَاشَرَتُهُ كَالْجَلْدِ وَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ.

١ -

<<  <  ج: ص:  >  >>