للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَزِيزِ {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: ١٥] . وَقَالَ {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: ٢٣٣] فَالْحَمْلُ يَكُونُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَلَا رَجْمَ عَلَيْهَا، فَبَعَثَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فِي أَثَرِهَا فَوَجَدَهَا قَدْ رُجِمَتْ) .

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ الَّذِي يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ عَلَيْهِ الرَّجْمُ أُحْصِنَ أَوْ لَمْ يُحْصَنْ) .

ــ

[المنتقى]

(ش) : قَوْلُهُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أُتِيَ بِامْرَأَةٍ قَدْ وَلَدَتْ فِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ يُرِيدُ بَعْدَ أَنْ نُكِحَتْ فَأَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ حَمْلٌ إلَّا عَنْ وَطْءٍ يَلْتَقِي فِيهِ الْخِتَانَانِ، وَاعْتَقَدَ أَنَّ الْحَمْلَ لَا يَكُونُ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إمَّا لِأَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ أَوْ نَحْوِهَا فَلِذَلِكَ أَمَرَ بِرَجْمِهَا إذْ يَقْتَضِي اعْتِقَادُ الْأَمْرَيْنِ أَنَّهُ حَمْلٌ مِنْ جِمَاعٍ مُتَقَدِّمٍ عَلَى نِكَاحِهَا، وَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ فِرَاشٌ يُضَافُ إلَيْهِ مِنْ نِكَاحٍ مُتَقَدِّمٍ عَلَيْهِ لِمَوْتٍ يَلْحَقُ فِيهَا الْوَلَدُ، وَإِنَّمَا أَتَتْ بِهِ بَعْدَ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ لِمُدَّةٍ قَدْ لَا يَلْحَقُ بِالْأَوَّلِ لِانْقِضَاءِ أَكْثَرِ أَمَدِ الْحَمْلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَحَكَمَ بِأَنَّهُ مِنْ زِنًا وَكَانَتْ ثَيِّبًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ بِنَاءُ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ بِهَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ زَوْجٌ أَوَّلٌ لَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهَا زَنَتْ فِي وَقْتِ بَكَارَةٍ فَلَمْ يَكُنْ حُكْمُهَا إلَّا الْجَلْدَ، وَإِنْ أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ بَعْدَ الْإِحْصَانِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِحَالِهَا حِينَ وُقُوعِ الْجِمَاعِ دُونَ وَقْتِ إقَامَةِ الْحَدِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهَا يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْ الْمَجْلِسَ الَّذِي أَمَرَ فِيهِ بِرَجْمِهَا، وَأَنَّهُ أُعْلِمَ بِالْأَمْرِ فَبَادَرَ إنْكَارَهُ وَإِظْهَارَ مَا عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ كَمَا يَلْزَمُ الرُّجُوعُ إلَيْهِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: ١٥] وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَمَدَيْ الْحَمْلِ وَالرَّضَاعِ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: ٢٣٣] فَبَيَّنَ أَنَّ مُدَّةَ الرَّضَاعَةِ عَامَانِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ مُدَّةَ الْحَمْلِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أَكْثَرَ أَمَدِ الْحَمْلِ، فَإِنَّنَا نُعَايِنُ مُشَاهَدَةً أَنَّ مُدَّةَ الْحَمْلِ قَدْ تَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ تَكُونَ السِّتَّةُ أَشْهُرٍ أَقَلَّ أَمَدِ الْحَمْلِ وَعَلَى هَذَا جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَبَعَثَ عُثْمَانُ فِي أَثَرِهَا فَوَجَدَهَا قَدْ رُجِمَتْ يَعْنِي أَنَّهُ قَدْ أَرَادَ الرُّجُوعَ عَمَّا أَمَرَ بِهِ مِنْ رَجْمِهَا لَمَّا ظَهَرَ إلَيْهِ مِنْ الْحَقِّ فَوَجَدَهَا قَدْ نُفِّذَ فِيهَا مَا كَانَ أَمَرَ بِهِ مِنْ رَجْمِهَا، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ حُكْمٍ حَكَمَ بِهِ إلَى مَا هُوَ عِنْدَهُ أَصْوَبُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا إنْ كَانَ رَأَى أَنَّ لِلْحُكْمِ الْأَوَّلِ وَجْهًا سَائِغًا مِنْ الِاجْتِهَادِ، وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ رَأَى أَنَّهُ كَانَ خَطَأً فَعَادَ إلَى الصَّوَابِ وَلَعَلَّهُ قَدْ أَدَّى دِيَتَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(ش) : قَوْلُ ابْنِ شِهَابٍ فِي الَّذِي يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ يُرْجَمُ أُحْصِنَ أَوْ لَمْ يُحْصَنْ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ.

وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَكَتَبَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ أَنْ يُحَرِّقُوهُ بِالنَّارِ فَفَعَلَ وَفَعَلَ ذَلِكَ ابْنُ الزُّبَيْرِ فِي زَمَانِهِ وَهِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي زَمَانِهِ وَالسُّدِّيُّ بِالْعِرَاقِ وَمَنْ أَخَذَ بِهَذَا لَمْ يُخْطِئْ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ حُكْمُهُ حُكْمُ الزَّانِي يُرْجَمُ الْمُحْصَنُ وَيُجْلَدُ غَيْرُ الْمُحْصَنِ مِائَةً، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ فِيهِ حَدٌّ وَإِنَّمَا فِيهِ التَّعْزِيرُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اُقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ» قَالَ مَالِكٌ وَلَمْ نَزَلْ نَسْمَعُ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُمَا يُرْجَمَانِ أَحْصَنَا أَوْ لَمْ يُحْصِنَا قَالَ مَالِكٌ وَرَبِيعَةُ الرَّجْمُ هِيَ الْعُقُوبَةُ الَّتِي أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْمِ لُوطٍ وَلِأَنَّ هَذَا فَرْجٌ لِآدَمِيٍّ فَتَعَلَّقَ الرَّجْمُ بِالْإِيلَاجِ فِيهِ كَالْقُبُلِ، وَلِأَنَّ هَذَا لَا يُسْتَبَاحُ بِوَجْهٍ فَلِذَلِكَ تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ التَّغْلِيظِ أُشَقُّ مَا تَعَلَّقَ بِالْقُبُلِ، وَلِأَنَّهُ إيلَاجٌ لَا يُسَمَّى زِنًا فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ الْإِحْصَانُ كَالْإِيلَاجِ فِي الْبَهِيمَةِ.

(فَرْعٌ) فَإِنْ كَانَا عَبْدَيْنِ فَقَدْ قِيلَ يُرْجَمَانِ، وَقَالَ أَشْهَبُ يُحَدُّ الْعَبْدَانِ خَمْسِينَ خَمْسِينَ وَيُؤَدَّبُ الْكَافِرَانِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا الْمُتَسَاحِقَانِ مِنْ النِّسَاءِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>