للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ نُفِيَ إلَى فَدَكَ) .

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَعْتَرِفُ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا ثُمَّ يَرْجِعُ عَنْ ذَلِكَ وَيَقُولُ لَمْ أَفْعَلْ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنِّي عَلَى وَجْهِ كَذَا وَكَذَا لِشَيْءٍ يَذْكُرُهُ أَنَّ ذَلِكَ يُقْبَلُ مِنْهُ وَلَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَذَلِكَ أَنَّ الْحَدَّ الَّذِي هُوَ لِلَّهِ لَا يُؤْخَذُ إلَّا بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ إمَّا بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ تَثْبُتُ عَلَى صَاحِبِهَا، وَإِمَّا بِاعْتِرَافٍ يُقِيمُ عَلَيْهِ حَتَّى يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَإِنْ أَقَامَ عَلَى اعْتِرَافِهِ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ قَالَ مَالِكٌ: الَّذِي أَدْرَكْت عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَا نَفْيَ عَلَى الْعَبِيدِ إذَا زَنَوْا) .

ــ

[المنتقى]

ثُمَّ نُفِيَ إلَى فَدَكَ) (ش) : أَمَرَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَنْ اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا وَلَمْ يُحْصِنْ أَنْ يُجْلَدَ ثُمَّ نَفَاهُ إلَى أَنَفْذَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ يَجْرِي أَنْ يُنْفَى الزَّانِي إلَى فَدَكَ وَنَحْوِهَا.

(ش) : قَوْلُهُ فِي الَّذِي يَعْتَرِفُ بِالزِّنَا ثُمَّ يَرْجِعُ وَيَقُولُ إنَّمَا قُلْته لِوَجْهِ كَذَا الْمَعْنَى يَذْكُرُهُ أَنَّ ذَلِكَ يُقْبَلُ مِنْهُ، وَيُقَالُ وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِي يَعْتَرِفُ بِالزِّنَا لَا يُنْتَظَرُ بِهِ شَيْءٌ وَلَكِنْ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَإِنْ تَمَادَى عَلَى الِاعْتِرَافِ أُنْفِذَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَإِنْ رَجَعَ عَنْ الْإِقْرَارِ وَالِاعْتِرَافِ إلَى الْإِنْكَارِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَنْزِعَ إلَى وَجْهٍ أَوْ إلَى غَيْرِ وَجْهٍ فَإِنْ رَجَعَ إلَى وَجْهٍ قَالَ مُحَمَّدٌ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أَصَبْت امْرَأَتِي حَائِضًا أَوْ جَارِيَتِي وَهِيَ الَّتِي مِنْ الرَّضَاعَةِ فَظَنَنْت أَنَّ ذَلِكَ زِنًا فَإِنَّهُ يُقْبَلُ رُجُوعُهُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَمْ يَخْتَلِفْ فِي هَذَا أَصْحَابُ مَالِكٍ، وَأَمَّا إذَا رَجَعَ إلَى غَيْرِ شُبْهَةٍ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَاَلَّذِي رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ وَمُطَرِّفٍ أَنَّهُ يُقَالُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا بِأَمْرٍ يُعْذَرُ بِهِ وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ، وَلِأَنَّهُ قَتْلٌ هُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لَزِمَهُ بِقَوْلٍ فَوَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ إذَا رَجَعَ عَنْهُ كَالْقَتْلِ بِالرِّدَّةِ، وَوَجْهُ قَوْلِهِ لَا يُقْبَلُ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِ لَنَا صَفْحَةَ وَجْهِهِ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى» وَمَا رُوِيَ «عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِأُنَيْسٍ فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْإِقْرَارَ مَعْنًى يَجِبُ عَلَيْهِ بِثُبُوتِهِ حَدُّ الزِّنَا فَلَمْ يَسْقُطْ بِإِكْذَابِهِ كَالشَّهَادَةِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَهَذَا إذَا رَجَعَ قَبْلَ ابْتِدَاءِ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ فَإِنْ شُرِعَ فِي إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ نَزَعَ بَعْدَ أَنْ جُلِدَ أَكْثَرَ الْحَدِّ أُقِيلَ، وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ يُعَزَّرْ.

وَقَالَ أَشْهَبُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ لَا يُقَالُ إلَّا أَنْ يُوَرِّكَ فَيُقَالُ مَا لَمْ يُضْرَبْ أَكْثَرَ الْحَدِّ فَيُتِمُّ عَلَيْهِ، وَإِنْ وَرِكَ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ «مَاعِزٍ أَنَّهُ لَمَّا أَزْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ حَمِرَ فَرَمَاهُ بِصُلْبِ جَمَلٍ فَقَتَلَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلَّا تَرَكْته لَعَلَّهُ يَتُوبُ فَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ» وَبِهَذَا احْتَجَّ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الرُّجُوعَ عَنْ الْإِقْرَارِ مَعَ التَّوْبَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَهَذَا إذَا كَانَ الْحَدُّ إنَّمَا يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ وَأَمَّا إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ لَمْ يُقْبَلْ إنْكَارُهُ لِذَلِكَ أَوَّلًا وَلَا آخِرًا.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَذَلِكَ أَنَّ الْحَدَّ الَّذِي هُوَ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَثْبُتُ إلَّا بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ إمَّا بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ تَثْبُتُ عَلَى صَاحِبِهَا وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا يَجِبُ حَدُّ الزِّنَا إلَّا بِأَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ إمَّا بِإِقْرَارٍ لَا رُجُوعَ فِيهِ حَتَّى يُحَدَّ أَوْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ عُدُولٍ عَلَى الرُّؤْيَةِ أَوْ حَمْلٍ يَظْهَرُ بِامْرَأَةٍ غَيْرِ طَارِئَةٍ لَا يُعْرَفُ لَهَا نِكَاحٌ وَلَا مِلْكٌ، هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ قَالَ مَالِكٌ حَتَّى يَقُولُوا كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ فِي الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي شَهَادَتِهِمْ أَنَّهُ زَنَى، وَإِنَّمَا شَهِدُوا عَلَى مَا وَصَفُوا.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) إذَا كَمُلَ عَدَدُ الشُّهُودِ فِي الزِّنَا أُقِيمَ الْحَدُّ عَلَى مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكْمُلْ عَدَدُهُمْ حُدَّ الشُّهُودُ حَدَّ الْقَذْفِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ لَا حَدَّ عَلَيْهِمْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ ذَلِكَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ جَلَدَ أَبَا بَكْرَةَ وَصَاحِبَهُ لَمَّا تَوَقَّفَ زِيَادٌ.

وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ أَدْخَلُوا الْمَضَرَّةَ عَلَيْهِ بِإِضَافَةِ الزِّنَا إلَيْهِ بِسَبَبٍ لَمْ يُوجِبْ الْحَدَّ عَلَيْهِ فَكَانُوا قَذْفَةً كَمَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>