للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ قَذَفَ قَوْمًا جَمَاعَةً أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ تَفَرَّقُوا فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ) .

ــ

[المنتقى]

بُلُوغِ الْإِمَامِ جَائِزٌ، وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي غَيْرِ الْأَبِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ كَانَ مَالِكٌ يُجِيزُ الْعَفْوَ بَعْدَ أَنْ يَبْلُغَ الْإِمَامَ كَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ.

وَقَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ سَتْرًا قَالَ ثُمَّ رَجَعَ مَالِكٌ فَلَمْ يُجِزْهُ عِنْدَ الْإِمَامِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ سَتْرًا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ الْمَقْذُوفِ يَجُوزُ لَهُ الْعَفْوُ عَنْهُ قَبْلَ بُلُوغِ الْإِمَامِ فَكَانَ لَهُ الْعَفْوُ عَنْهُ بَعْدَ بُلُوغِ الْإِمَامِ كَالدُّيُونِ وَالْقِصَاصِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا وَمَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى لَمْ يَجُزْ الْعَفْوُ عَنْهُ بَعْدَ بُلُوغِ الْإِمَامِ كَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا الْعَفْوُ قَبْلَ بُلُوغِ الْإِمَامِ فَجَائِزٌ عِنْدَ مَالِكٍ رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَلَهُ الْقِيَامُ بِهِ مَتَى شَاءَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ سَتْرًا، وَقَالَهُ ابْنُ شِهَابٍ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ حَقٌّ لِمَخْلُوقٍ لَمْ يَبْلُغْ الْإِمَامَ فَلَزِمَ الْعَفْوُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ بِالْقِيَامِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ يَجُوزُ الْقِيَامُ بِهِ وَلَا يَلْزَمُ الْعَفْوُ فِيهِ بَعْدَ بُلُوغِ الْإِمَامِ فَلَمْ يَكُنْ قَبْلَ بُلُوغِهِ كَحَدِّ الزِّنَا.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَإِنْ افْتَرَى عَلَى أَبَوَيْهِ وَقَدْ هَلَكَا أَوْ أَحَدُهُمَا فَخُذْ لَهُ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يُرِيدُ لَا يَجُوزُ عَفْوُهُ إذَا وَصَلَ إلَى الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْمَقْذُوفَ غَيْرُهُ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ إنَّمَا يَجُوزُ الْعَفْوُ يُرِيدُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ إذَا قَذَفَهُ فِي نَفْسِهِ فَإِذَا قَذَفَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا وَقَدْ مَاتَ الْمَقْذُوفُ لَمْ يَجُزْ الْعَفْوُ عَنْهُ بَعْدَ بُلُوغِ الْإِمَامِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ لَزِمَ الْإِمَامَ الْقِيَامُ بِالْحَدِّ، وَإِلَّا حُدَّ لِلْمَقْذُوفِ بِهِ؛ لِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَفْوُ بَعْضِ الْقَائِمِينَ بِهِ بِخِلَافِ وُلَاةِ الدَّمِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بَدَلًا مِنْ الْمَالِ وَالدَّمُ بَدَلٌ مِنْ الْمَالِ فَيَنْتَقِلُ بَعْضُ مَنْ قَامَ بِالدَّمِ إلَيْهِ إذَا عَفَا بَعْضُهُمْ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ سَتْرًا قَالَ مَالِكٌ قَدْ ضُرِبَ الْحَدَّ فَخَافَ أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْآنَ فَأَمَّا إنْ عَمَلَ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُ فَلَا يَجُوزُ عَفْوُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ فِي قَذْفٍ وَلَا غَيْرِهِ إلَّا فِي الدَّمِ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي عَفْوِ الْمَقْذُوفِ فِي نَفْسِهِ أَوْ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْإِمَامِ إنْ قَالَ أَرَدْت سَتْرًا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ، وَيَكْشِفُ عَنْ ذَلِكَ الْإِمَامُ فَإِنْ خَافَ أَنْ يَثْبُتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَجَازَ عَفْوَهُ، وَإِلَّا لَمْ يُجِزْهُ وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ.

وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ مَعْنَى قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ سَتْرًا إنْ كَانَ مِثْلُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ جَازَ عَفْوُهُ وَلَا يُكَلَّفُ إلَّا أَنْ يَقُولَ أَرَدْت سَتْرًا، وَأَمَّا الْعَفِيفُ الْفَاضِلُ فَلَا يَجُوزُ عَفْوُهُ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا الْقَاذِفُ يُعْطِي الْمَقْذُوفَ دِينَارًا عَلَى أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَيُجْلَدُ الْحَدَّ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَقٌّ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَسْقُطُ بِمَالٍ كَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلِلْمَقْذُوفِ أَنْ يَكْتُبَ بِهِ كِتَابًا أَنَّهُ مَتَى شَاءَ قَامَ بِهِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ مَالِكٌ وَإِنِّي لَأَكْرَهُهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ الْإِمَامَ، وَأَمَّا إذَا بَلَغَ الْإِمَامَ فَإِنَّ الْإِمَامَ يُقِيمُ الْحَدَّ وَلَا يُؤَخِّرُهُ، وَقَدْ رَأَيْت لِمَالِكٍ نَحْوَ هَذَا، وَقَالَ هَذَا يُشْبِهُ الْعَفْوَ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى قَاذِفِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ، ثُمَّ أَكْذَبَهُمْ وَأَكْذَبَ نَفْسَهُ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَيُحَدُّ الْقَاذِفُ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لِلْحَدِّ كَالْعَفْوِ، وَإِذَا صَدَقَ الْقَاذِفُ فَأَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ إنْ ثَبَتَ عَلَى إقْرَارِهِ حُدَّ، وَلَمْ يُحَدَّ الْقَاذِفُ.

وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إنْ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ فَقَدْ دَرَأَ عَنْهُ الْحَدَّ وَدُرِئَ عَنْ الْقَاذِفِ الْحَدُّ بِإِقْرَارِهِ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ مَا لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ أَرَادَ بِإِقْرَارِهِ إسْقَاطَ الْحَدِّ عَنْ الْقَاذِفِ فَيَبْطُلُ إقْرَارُهُ.

(ش) : قَوْلُهُ فِي قَاذِفِ الْجَمَاعَةِ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ قَالَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ فِي غَيْرِ مَا كِتَابٍ سَوَاءٌ قَذَفَهُمْ مُجْتَمِعِينَ أَوْ مُفْتَرِقِينَ فَحُدَّ لَهُمْ أَوْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ فَذَلِكَ لِكُلِّ قَذْفٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>