للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأُمِّهِ مَدْحٌ غَيْرُ هَذَا نَرَى أَنْ تَجْلِدَهُ الْحَدَّ فَجَلَدَهُ عُمَرُ الْحَدَّ ثَمَانِينَ، وَقَالَ مَالِكٌ لَا حَدَّ عِنْدَنَا إلَّا فِي نَفْيٍ أَوْ قَذْفٍ أَوْ تَعْرِيضٍ يَرَى أَنَّ قَائِلَهُ إنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ نَفْيًا أَوْ قَذْفًا فَعَلَى مَنْ قَالَ ذَلِكَ الْحَدُّ تَامًّا) .

ــ

[المنتقى]

(ش) : قَوْلُهُ أَنَّ أَحَدَ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ اسْتَبَّا فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ لِلْآخَرِ وَاَللَّهِ مَا أُمِّي بِزَانِيَةٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ قَالَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْمُشَاتَمَةِ، وَالْمَفْهُومُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ مِنْ هَذَا إضَافَةُ مِثْلِ هَذَا إلَى أُمِّ الْمَسْبُوبِ وَفَجْرُهُ عَلَيْهِ بِسَلَامَةِ أُمِّهِ بِذَلِكَ مَعَ شَاهِدِ الْحَالِ مِنْ الْمُشَاتَمَةِ يَقْتَضِي أَنَّ أُمَّ الْمَسْبُوبِ مَعِيبَةٌ بِذَلِكَ، وَلَوْ اسْتَوَيَا فِي السَّلَامَةِ لَمْ يَكُنْ هَذَا وَقْتَ ذِكْرِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَضَمَّنُ ذَلِكَ مَزِيَّةً لِلسَّابِّ عَلَى الْمَسْبُوبِ، وَلَمَّا كَانَ اللَّفْظُ فِيهِ بَعْضُ احْتِمَالٍ، وَيَحْتَاجُ فِي كَوْنِهِ قَذْفًا إلَى نَوْعٍ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ أَوْ التَّأْوِيلِ أَوْ الْعُدُولِ عَنْ ظَاهِرِ هَذَا اللَّفْظِ اسْتَشَارَ فِيهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عُلَمَاءَ الصَّحَابَةِ فَتَعَلَّقَ بَعْضُهُمْ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ، وَقَالَ مَدَحَ أَبَاهُ، وَتَعَلَّقَ بَعْضُهُمْ بِالْمَفْهُومِ مِنْهُ مَعَ شَاهِدِ الْحَالِ، وَقَدْ كَانَ لِأُمِّهِ مَدْحٌ غَيْرُ هَذَا يُرِيدُ لَيْسَ هَذَا مِمَّا يَقْصِدُ بِهِ الْإِنْسَانُ مَدْحَ أُمِّهِ، وَإِنَّمَا يَمْدَحُهُ بِالصِّفَاتِ الْمَحْمُودَةِ فِي الْغَالِبِ، وَإِنَّمَا يَقْصِدُ إلَى وَصْفِهَا بِهَذَا الْبِرَّ فِي فَضْلِهَا عَلَى مَنْ يُوجَدُ فِيهَا هَذِهِ الْمَعَايِبُ لَا سِيَّمَا مَعَ مَا يَشْهَدُ لِذَلِكَ مِنْ حَالِ الْمُشَاتَمَةِ وَقَصْدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى ذَمِّ الْآخَرِ وَذَمِّ أَبَوَيْهِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي ذِكْرَ أَبِيهِ مِنْ الْفَضَائِلِ بِمَا يُوجَدُ فِي أَبِ مَنْ شَاتَمَهُ ضِدُّ ذَلِكَ مِنْ الْمَثَالِبِ، وَلِذَلِكَ أَخَذَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِقَوْلِ مَنْ أَوْجَبَ فِيهِ حَدَّ الْقَذْفِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ قَالَ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ لَا يُجْلَدَ أَحَدٌ حَدَّ قَذْفٍ إلَّا فِي قَذْفٍ مُصَرَّحٍ أَوْ تَعْرِيضٍ أَوْ حَمْلٍ يَظْهَرُ بِامْرَأَةٍ غَيْرِ طَارِئَةٍ، وَقَدْ جَلَدَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي التَّعْرِيضِ، وَقَالَ حَقُّ اللَّهِ لَا تُرْعَى جَوَانِبُهُ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ لَيْسَ فِي التَّعْرِيضِ حَدٌّ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَفْظٌ يُفْهَمُ مِنْهُ الْقَذْفُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَذْفًا أَصْلُهُ التَّصْرِيحُ قَالَ فَإِنْ مَنَعُوا أَنْ يَكُونَ قَذْفًا فَقَدْ أَحَالُوا الْمَسْأَلَةَ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ إنَّمَا هُوَ فِيمَا يُفْهَمُ بِالتَّصْرِيحِ فَإِذَا لَمْ يُفْهَمْ ذَلِكَ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا حَدَّ فِيهِ، وَجَوَابٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّ عُرْفَ التَّخَاطُبِ يَنْفِي مَا قَالُوا؛ لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ يُسَمُّونَ التَّعْرِيضَ بِمَا فُهِمَ مِنْهُ مَعْنَى التَّصْرِيحِ، وَلِذَلِكَ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ قَوْمِ شُعَيْبٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُمْ قَالُوا {أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} [هود: ٨٧] ، وَإِنَّمَا أَرَادُوا ضِدَّ ذَلِكَ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَيْضًا أَنَّ الْعِلْمَ بِمَقَاصِدِ الْمُخَاطِبِ يُعْلَمُ بِالْمُشَاهَدَةِ ضَرُورَةً كَمَا يُعْلَمُ ضَرُورَةً الْعِلْمُ بِمَا يَقَعُ مِنْهُ مِنْ خَجَلٍ أَوْ غَضَبٍ أَوْ جَزَعٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ اسْتِعْمَالٍ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ فِي مُشَاتَمَةٍ إنِّي لَعَفِيفُ الْفَرْجِ وَمَا أَنَا بِزَانٍ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَلَيْهِ الْحَدُّ.

وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ مَنْ قَالَ لِامْرَأَةٍ فِي مُشَاتَمَةٍ إنِّي لَعَفِيفٌ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَوْ قَالَهُ لِرَجُلٍ عَلَيْهِ الْحَدُّ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ عَفِيفٌ فِي الْمَكْسَبِ وَالْمَطْعَمِ فَيَحْلِفُ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَيَنْكُلُ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يُعَرَّضُ لَهَا بِذِكْرِ الْعَفَافِ فِي الْمَكْسَبِ، وَالرَّجُلَ يُعَرَّضُ لَهُ بِذَلِكَ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَمَنْ قَالَ فِي مُشَاتَمَتِهِ إنَّك لَعَفِيفُ الْفَرْجِ حُدَّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنْ قَالَ فَعَلْت بِفُلَانَةَ فِي أَعْكَانِهَا أَوْ بَيْنَ فَخِذَيْهَا حُدَّ.

وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُحَدُّ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مَا قَالَ هُوَ مِنْ التَّعْرِيضِ بَلْ هُوَ أَشَدُّ مِنْ التَّعْرِيضِ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ الْجِمَاعُ فَلَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى مَنْ قَذَفَهَا بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا ابْنَ الْعَفِيفَةِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ يَحْلِفُ مَا أَرَادَ الْقَذْفَ وَيُعَاقَبُ وَقَالَ أَصْبَغُ إنْ قَالَهُ عَلَى وَجْهِ الْمُشَاتَمَةِ حُدَّ.

(فَصْلٌ) :

وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ مَا لَك أَصْلٌ وَلَا فَصْلٌ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَقَالَ أَصْبَغُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَقِيلَ أَلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الْعَرَبِ فَفِيهِ الْحَدُّ، وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ إنَّهُ إنَّمَا نَفَى صِفَةَ أَصْلِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَنْفِيَ بِذَلِكَ الشَّرَفَ وَأَمَّا أَصْلُهُ فَمَحَلُّ نَفْيِهِ؛ لِأَنَّهُ مَا مِنْ أَحَدٍ إلَّا لَهُ أَصْلٌ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّ اللَّفْظَ يَقْتَضِي

<<  <  ج: ص:  >  >>