للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا لَا حَدَّ فِيهِ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ إنَّ أَحْسَنَ مَا سُمِعَ فِي الْأَمَةِ يَقَعُ بِهَا الرَّجُلُ وَلَهُ فِيهَا شِرْكٌ أَنَّهُ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَأَنَّهُ يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ وَتُقَوَّمُ عَلَيْهِ الْجَارِيَةُ حِينَ حَمَلَتْ فَيُعْطَى شُرَكَاؤُهُ حِصَصَهُمْ مِنْ الثَّمَنِ وَتَكُونُ الْجَارِيَةُ لَهُ

ــ

[المنتقى]

إلَّا فِي مُشَاتَمَةٍ فَحُمِلَ عَلَى ذَلِكَ وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ أَنَّ الْعَرَبَ هِيَ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالْأَنْسَابِ، وَيُتَوَاصَلُ بِهَا وَتَتَفَاخَرُ بِاتِّصَالِهَا وَتَذُمُّ بِانْقِطَاعِهَا فَاخْتَصَّ هَذَا الْحُكْمُ بِهَا.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمَنْ نَسَبَ رَجُلًا إلَى غَيْرِ أَبِيهِ فَقَالَ أَنْتَ ابْنُ فُلَانٍ نَسَبَهُ إلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوْ غَيْرِ جَدِّهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْهُ عَلَى سِبَابٍ وَلَا غَضَبٍ إلَّا أَنْ يَقُولَهُ عَلَى وَجْهِ الْإِخْبَارِ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُحَدُّ إلَّا أَنْ يَقُولَهُ عَلَى وَجْهِ السِّبَابِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقُولُهُ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ كَذَلِكَ.

(فَرْعٌ) وَلَوْ نَسَبَهُ إلَى جَدِّهِ فِي مُشَاتَمَةٍ لَمْ يُحَدَّ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَقَالَ أَشْهَبُ يُحَدُّ قَالَ مُحَمَّدٌ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَحَبُّ إلَيَّ إلَّا أَنْ يُعْرَفَ أَنَّهُ أَرَادَ الْقَذْفَ مِثْلَ أَنْ يَتَّهِمَ الْجَدَّ بِأُمِّهِ وَنَحْوِهِ، وَإِلَّا لَمْ يُحَدَّ فَقَدْ نُسِبَ إلَيْهِ لِشَبَهِهِ فِي خَلْقٍ أَوْ طَبْعٍ.

١ -

(فَرْعٌ) وَمَنْ نَسَبَ رَجُلًا إلَى عَمٍّ أَوْ خَالٍ أَوْ زَوْجِ أُمِّهِ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ أَشْهَبُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَقُولَهُ فِي مُشَاتَمَةٍ، وَقَالَهُ أَصْبَغُ وَمُحَمَّدٌ قَالَ أَصْبَغُ وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْعَمَّ أَبًا فَقَالَ {إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [البقرة: ١٣٣] .

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا ابْنَ الْبَرْبَرِيِّ أَوْ يَا ابْنَ النَّبَطِيِّ فَإِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ لِعَرَبِيٍّ حُدَّ، وَإِنْ كَانَ قَالَهُ لِمَوْلًى فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: إنْ قَالَ لَهُ يَا ابْنَ الْبَرْبَرِيِّ وَأَبُوهُ فَارِسِيٌّ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي الْبَيَاضِ كُلِّهِ، وَإِنْ كَانَ أَبُوهُ أَسْوَدَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي السَّوَادِ كُلِّهِ إذَا نَسَبَهُ إلَى غَيْرِ جِنْسِهِ مِنْ السَّوَادِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ أَبْيَضَ فَيَكُونَ ذَلِكَ نَفْيًا وَيُحَدُّ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لِأَسْوَدَ يَا ابْنَ الْفَارِسِيِّ فَإِنَّهُ يُحَدُّ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ مَنْ قَالَ لِمَوْلًى يَا ابْنَ الْأَسْوَدِ حُدَّ، وَمَنْ قَالَ لَهُ يَا ابْنَ الْحَبَشِيِّ لَمْ يُحَدَّ؛ لِأَنَّ مَنْ دَعَا مَوْلًى إلَى غَيْرِ جِنْسِهِ لَمْ يُحَدَّ، وَإِنْ دَعَاهُ إلَى غَيْرِ لَوْنِهِ وَصِفَتِهِ حُدَّ، وَكَذَلِكَ مَنْ خَرَجَ بِهِ إلَى لَوْنٍ لَيْسَ فِي آبَائِهِ ذَلِكَ اللَّوْنُ حُدَّ مِثْلُ يَا ابْنَ الْأَزْرَقِ أَوْ الْأَصْهَبِ أَوْ الْأَبْيَضِ أَوْ الْأَحْمَرِ أَوْ الْأَعْوَرِ أَوْ الْأَقْطَعِ فَفِيهِ الْحَدُّ، وَإِنْ قَالَ لِمَوْلًى إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي آبَائِهِ مَنْ هُوَ كَذَلِكَ لَمْ يُحَدَّ يُرِيدُ فِي قَوْلِهِ يَا ابْنَ كَذَا قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ قَالَ لِنُوبِيٍّ يَا ابْنَ الْأَسْوَدِ فَهَذَا قَرِيبٌ فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَبْيَضِ يَنْسِبُهُ إلَى غَيْرِ جِنْسِهِ أَوْ وَصْفِهِ بِصِفَةِ ذَلِكَ الْجِنْسِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ وَصَفَهُ بِصِفَةِ غَيْرِ ذَلِكَ الْجِنْسِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ السُّودَانِ فَيَصِفَهُ بِالْبَيَاضِ، أَوْ يَصِفَهُ بِصِفَةٍ لَا تَخْتَصُّ بِجِنْسٍ لَكِنَّهَا مَعْدُومَةٌ فِي آبَائِهِ فَهَذَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحَدُّ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ مُسْلِمٍ يَا ابْنَ الْيَهُودِيِّ أَوْ يَا ابْنَ النَّصْرَانِيِّ أَوْ يَا ابْنَ عَابِدِ وَثَنٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي آبَائِهِ مَنْ هُوَ عَلَى ذَلِكَ فَيُنَكَّلُ قَالَ أَشْهَبُ لَا يُحَدُّ إذَا حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ نَفْيًا، وَلَوْ قَالَ لَهُ يَا ابْنَ الْخَيَّاطِ أَوْ الْحَدَّادِ أَوْ يَا ابْنَ الْحَائِكِ أَوْ يَا ابْنَ الْحَجَّامِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ إنْ كَانَ عَرَبِيًّا حُدَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي آبَائِهِ مَنْ هُوَ كَذَلِكَ، وَقَالَ هُمَا سَوَاءٌ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَيَحْلِفُ مَا أَرَادَ نَفْيًا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ، وَكَأَنَّهُ قَالَ لَهُ أَبُوك الَّذِي وَلَدَك حَجَّامٌ أَوْ حَائِكٌ فَلَا حَدَّ فِيهِ وَإِنْ كَانَ عَرَبِيًّا.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ أُمُّ الَّذِي نُفِيَ مَمْلُوكَةً فَإِنَّ عَلَيْهِ الْحَدَّ، يُرِيدُ أَنَّ الْحَدَّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ لِقَطْعِ نَسَبِهِ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ فِيمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا وَلَدَ الزِّنَا أَوْ أَنْتَ لِزِنًا أَوْ وَلَدَ زَنْيَةٍ أَوْ فَرْخَ زِنًا فَالْحَدُّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ مَمْلُوكَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَأَبُوهُ وَحْدَهُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَذْفَ تَوَجَّهَ إلَى الْمُسْلِمِ الْمَقْذُوفِ، وَذَلِكَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ وَأُمُّهُ مَمْلُوكَةٌ أَوْ ذِمِّيَّةٌ يُرِيدُ فَإِنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْقَذْفَ اخْتَصَّ بِالْأُمِّ، وَقَدْ تَكُونُ زَانِيَةً وَيَثْبُتُ ابْنُهَا مِنْ أَبِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>