للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا قَالَتْ خَرَجَتْ عَائِشَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى مَكَّةَ وَمَعَهَا مَوْلَاتَانِ لَهَا وَمَعَهَا غُلَامٌ لِبَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَبَعَثَتْ مَعَ الْمَوْلَاتَيْنِ بِبُرْدٍ مُرَجَّلٍ قَدْ خِيطَ عَلَيْهِ خِرْقَةٌ خَضْرَاءُ قَالَتْ فَأَخَذَ الْغُلَامُ الْبُرْدَ فَفَتَقَ عَنْهُ فَاسْتَخْرَجَهُ، وَجَعَلَ مَكَانَهُ لِبْدًا أَوْ فَرْوَةً وَخَاطَ عَلَيْهِ فَلَمَّا قَدِمَتْ الْمَوْلَاتَانِ الْمَدِينَةَ دَفَعَتَا ذَلِكَ إلَى أَهْلِهِ، فَلَمَّا فَتَقُوا عَنْهُ وَجَدُوا فِيهِ اللِّبْدَ، وَلَمْ يَجِدُوا الْبُرْدَ فَكَلَّمُوا الْمَرْأَتَيْنِ فَكَلَّمَتَا عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ كَتَبَتَا إلَيْهَا، وَاتَّهَمَتَا الْعَبْدَ فَسُئِلَ الْعَبْدُ عَنْ ذَلِكَ فَاعْتَرَفَ فَأَمَرَتْ بِهِ عَائِشَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُطِعَتْ يَدُهُ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ الْقَطْعُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا وَقَالَ مَالِكٌ أَحَبُّ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ إلَيَّ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، وَإِنْ ارْتَفَعَ الصَّرْفُ أَوْ اتَّضَعَ ذَلِكَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ فِي مِجَنٍّ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ» ، وَأَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَطَعَ فِي أُتْرُجَّةٍ قُوِّمَتْ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْت إلَيَّ فِي ذَلِكَ)

ــ

[المنتقى]

قَالَ مَالِكٌ: وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهَا قُوِّمَتْ، وَلَوْ كَانَتْ مِنْ ذَهَبٍ لَمْ تُقَوَّمْ؛ لِأَنَّ شَأْنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ إذَا سُرِقَا أَنْ لَا يُقَوَّمَا، وَإِنْ كَانَا مَصُوغَيْنِ وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ لَفْظَ الْأُتْرُجَّةِ إنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى الثَّمَرَةِ الَّتِي تُؤْكَلُ كَمَا يَنْطَلِقُ لَفْظُ الثَّمَرِ وَالْعِنَبِ وَسَائِرِ الْمَطْعُومَاتِ عَلَى الْمَأْكُولِ دُونَ التَّمَاثِيلِ وَهَذَا يَقْتَضِي الْقَطْعَ فِي الْفَوَاكِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَأَمَرَ بِهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ أَنْ تُقَوَّمَ فَقُوِّمَتْ قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُقَوِّمُ السَّرِقَةَ رَجُلٌ وَلَكِنْ رَجُلَانِ عَدْلَانِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يَحْتَاجُ الْإِمَامُ إلَى تَقْوِيمِهِ مِنْ عِتْقِ شِقْصٍ وَغَيْرِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا شَهَادَةٌ تُؤَدَّى عِنْدَ الْحَاكِمِ بِمَا يَعْلَمُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ غَالِبًا كَسَائِرِ الشَّهَادَاتِ.

(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ اجْتَمَعَ عَدْلَانِ عَلَى قِيمَةٍ نُفِّذَ الْحُكْمُ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ: وَلَا يُنْظَرُ إلَى مَنْ خَالَفَهُمَا.

وَقَالَ أَيْضًا: إذَا اجْتَمَعَ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَرْبَعَةٌ فَشَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى قِيمَةٍ، وَشَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى قِيمَةٍ نَظَرَ الْقَاضِي إلَى أَقْرَبِ الْقِيمَتَيْنِ إلَى السَّدَادِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي أَمَرَ بِذَلِكَ رَجُلَيْنِ فَقَوَّمَا بِمَا يُوجِبُ الْقَطْعَ أَنْفَذَ الْحُكْمَ، وَلَمْ يَنْظُرْ إلَى خِلَافِ مَنْ خَالَفَهُمَا وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ سَأَلَ عَنْهَا أَرْبَعَةٌ فَاخْتَلَفُوا شَهِدَ اثْنَانِ بِمَا يُوجِبُ الْقَطْعَ وَآخَرَانِ بِمَا يَنْفِيهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ نَظَرَ الْقَاضِي إلَى أَقْرَبِ الْقِيمَتَيْنِ إلَى السَّدَادِ يُرِيدُ أَعَادَ النَّظَرَ فِي ذَلِكَ وَالسُّؤَالَ عَنْهُ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ إنْ اخْتَلَفُوا أَخَذَ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ ثَمَنُهَا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ إنْ كَانَا عَدْلَيْنِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَيُنْظَرُ إلَى قِيمَتِهَا يَوْمَ السَّرِقَةِ لَا يَوْمَ الْقَطْعِ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مَا طَالَ عَلَيَّ وَلَا نَسِيت تُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا رَأَتْ مِنْ حُكْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ تُرِدْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَرَادَتْ قَوْلَ غَيْرِهِ لَمْ تَصِفْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ مَا نَسِيَ؛ لِأَنَّ نَظَرَهَا الْيَوْمَ ذَلِكَ، وَقَوْلُهَا الْقَطْعُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ يُرِيدُ فِي الذَّهَبِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ تَقْوِيمًا وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(ش) : قَوْلُ عَمْرَةَ أَنَّهَا خَرَجَتْ عَائِشَةُ وَمَعَهَا مَوْلَاتَانِ لَهَا تُرِيدُ مُعْتَقَانِ، وَلَا يُسَمَّى مَنْ فِيهِ بَقِيَّةُ رِقٍّ مَوْلًى حَتَّى يُعْتَقَ، وَقَوْلُهَا فَبَعَثَتْ مَعَ الْمَوْلَاتَيْنِ بِبُرْدٍ مُرَجَّلٍ فَفَتَقَ الْغُلَامُ الْخِرْقَةَ الَّتِي كَانَتْ عَلَى الْبُرْدِ فَاسْتَخْرَجَ الْبُرْدَ وَجَعَلَ مَكَانَهُ لِبْدًا أَوْ فَرْوَةً، وَخَاطَ عَلَيْهِ فَأَمَرَتْ عَائِشَةُ بِقَطْعِهِ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَدْخُلُ عَلَى عَائِشَةَ وَلَا يَنْزِلُ مَعَهَا وَلَا تَأْذَنُ لَهُ فِي الدُّخُولِ إلَى مَوْضِعِهَا، وَإِنَّ الْمَوْلَاتَيْنِ كَانَتَا مَعَهَا فِي مَنْزِلٍ وَاحِدٍ فَأَخَذَ الْغُلَامُ الْبُرْدَ مِنْ مَنْزِلِ عَائِشَةَ وَلَمْ تَأْذَنْ لَهُ فِي الدُّخُولِ إلَيْهِ، وَمَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ حِرْزٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْغُلَامُ كَانَ يُؤْذَنُ لَهُ فِي الدُّخُولِ عَلَى عَائِشَةَ أَوْ عَلَى الْمَوْلَاتَيْنِ إنْ كَانَتَا قَدْ نَزَلَتَا فِي مَوْضِعِ عَائِشَةَ لَكِنَّهُ كَانَ الْمَنْزِلُ مَنْزِلًا لَا تَسْكُنُ فِيهِ عَائِشَةُ وَغَيْرُهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>