للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ قَالَ أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَتَمِيمًا الدَّارِيَّ أَنْ يَقُومَا لِلنَّاسِ بِإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً قَالَ وَكَانَ الْقَارِئُ يَقْرَأُ بِالْمِئِينَ حَتَّى كُنَّا نَعْتَمِدُ عَلَى الْعِصِيِّ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ وَمَا كُنَّا نَنْصَرِفُ إلَّا فِي بُزُوغِ الْفَجْرِ) .

ــ

[المنتقى]

وَهَذَا أَبْيَنُ فِي صِحَّةِ الْقَوْلِ بِالرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ وَإِنَّمَا وَصَفَهَا بِنِعْمَتْ الْبِدْعَةُ لِمَا فِيهَا مِنْ وُجُوهِ الْمَصَالِحِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَاَلَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا يُرِيدُ الصَّلَاةَ آخِرَ اللَّيْلِ، أَفْضَلُ مِنْ الَّتِي يَقُومُونَ يُرِيدُ مَعَ الْإِمَامِ أَوَّلَ اللَّيْلِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَنَامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَيُحْيِي آخِرَهُ» وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّوَافِلَ فِي بَيْتِ الرَّجُلِ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي الْمَسْجِدِ لِمَا رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» وَسَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا مُسْنَدًا.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَيُكْرَهُ لِلْقَارِئِ التَّطْرِيبُ فِي قِرَاءَتِهِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُحَزِّنَ قِرَاءَتَهُ مِنْ غَيْرِ تَطْرِيبٍ وَلَا تَرْجِيعٍ وَلَا تَحْزِينٍ فَاحِشٍ يُشْبِهُ النَّوْحَ أَوْ يُمِيتُ بِهِ حُرُوفَهُ وَلَكِنْ عَلَى مَعْنَى التَّرْتِيلِ وَالْخُشُوعِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا} [المزمل: ٤] .

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَا بَأْسَ بِالِاسْتِعَاذَةِ لِلْقَارِئِ فِي رَمَضَانَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ فِي الْعُتْبِيَّةِ: تَرْكُ ذَلِكَ أَحَبُّ إلَيَّ.

وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: ٩٨] أَنَّ الْآيَةَ عِنْدَهُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ هَذَا لَفْظٌ لَيْسَ مِنْ الْمُعْجِزِ فَلَمْ يُسَنَّ الْإِتْيَانُ بِهِ مَعَ الْقِرَاءَةِ كَسَائِرِ الْكَلَامِ.

(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا يَجُوزُ ذَلِكَ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ بِالْجَهْرِ بِذَلِكَ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ كَرَاهَةَ الْجَهْرِ بِذَلِكَ.

وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ ذِكْرٌ مَشْرُوعٌ حَالَ الْقِيَامِ فَكَانَ حُكْمُهُ فِي السِّرِّ وَالْجَهْرِ حُكْمَ الْقِرَاءَةِ.

وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمُعْجِزِ فَكَانَ شَأْنُهُ الْإِسْرَارَ لِيُفَرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُعْجِزِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ ذَلِكَ فِي افْتِتَاحِ الْقَارِئِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَفْتَتِحَ بِهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ.

(ش) : قَوْلُهُ أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَتَمِيمًا الدَّارِيَّ أَنْ يَقُومَا لِلنَّاسِ يَعْنِي أَنْ يَؤُمَّاهُمْ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ يُصَلِّي بِهِمْ أُبَيٌّ مَا قَدَرَ ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُصَلِّي تَمِيمٌ وَالصَّوَابُ أَنْ يَقْرَأَ الثَّانِي مِنْ حَيْثُ انْتَهَى الْأَوَّلُ لِأَنَّ الثَّانِيَ إنَّمَا هُوَ بَدَلٌ مِنْ الْأَوَّلِ وَنَائِبٌ عَنْهُ وَلِأَنَّ الْقَارِئَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ إنَّمَا يَقْصِدُ مَا يُوَافِقُ صَوْتَهُ وَيَحْسُنُ فِيهِ طَبْعُهُ وَذَلِكَ يُنَافِي الْخُشُوعَ، وَسُنَّةُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى التَّرْتِيبِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ إحْدَى عَشْرَ رَكْعَةً يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُوتِرُ بِرَكْعَةٍ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَعَلَّ عُمَرَ إنَّمَا امْتَثَلَ فِي ذَلِكَ صَلَاةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ اللَّيْلِ عَلَى مَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ «أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً» .

وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِيمَا كَانَ يُصَلِّي بِهِ فِي رَمَضَانَ فِي زَمَانِ عُمَرَ فَرَوَى السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً وَرَوَى يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ رَكْعَةً وَرَوَى نَافِعُ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَدْرَكَ النَّاسَ يُصَلُّونَ بِتِسْعٍ وَثَلَاثِينَ رَكْعَةً يُوتِرُونَ مِنْهَا بِثَلَاثٍ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ مَالِكٌ وَاخْتَارَ الشَّافِعِيُّ عِشْرِينَ رَكْعَةً غَيْرَ الْوِتْرِ عَلَى حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ أَمَرَهُمْ بِإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً وَأَمَرَهُمْ مَعَ ذَلِكَ بِطُولِ الْقِرَاءَةِ يَقْرَأُ الْقَارِئُ بِالْمِئِينَ فِي الرَّكْعَةِ لِأَنَّ التَّطْوِيلَ فِي الْقِرَاءَةِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ فَلَمَّا ضَعُفَ النَّاسُ عَنْ ذَلِكَ أَمَرَهُمْ بِثَلَاثِ وَعِشْرِينَ رَكْعَةً عَلَى وَجْهِ التَّخْفِيفِ عَنْهُمْ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ وَاسْتِدْرَاكِ بَعْضِ الْفَضِيلَةِ بِزِيَادَةِ الرَّكَعَاتِ وَكَانَ يَقْرَأُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ فِي ثَمَانِ رَكَعَاتٍ أَوْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ عَلَى حَدِيثِ الْأَعْرَجِ وَقَدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>