للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ فَقَالَ لَهُ صَفْوَانُ: إنِّي لَمْ أُرِدْ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُوَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَلَّا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ» مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ لَقِيَ رَجُلًا قَدْ أَخَذَ سَارِقًا، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِهِ إلَى السُّلْطَانِ فَشَفَعَ لَهُ الزُّبَيْرُ لِيُرْسِلَهُ فَقَالَ لَا حَتَّى أَبْلُغَ بِهِ إلَى السُّلْطَانِ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ إذَا بَلَغْت بِهِ إلَى السُّلْطَانِ فَلَعَنَ اللَّهُ الشَّافِعَ وَالْمُشَفَّعَ)

ــ

[المنتقى]

أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ فَقَالَ لَهُ صَفْوَانُ: إنِّي لَمْ أُرِدْ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُوَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَلَّا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ» (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ قِيلَ لَهُ إنَّهُ إنْ لَمْ يُهَاجِرْ هَلَكَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَالَ لَهُ ذَلِكَ مَنْ عَلِمَ وُجُوبَ الْهِجْرَةِ قَبْلَ الْفَتْحِ فَاعْتَقَدَ بَقَاءَ حُكْمِهَا لِمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَالْهِجْرَةُ مِنْ مَكَّةَ إنَّمَا كَانَتْ قَبْلَ الْفَتْحِ لِأَنَّهَا كَانَتْ دَارَ كُفْرٍ فَكَانَ الْمُهَاجِرُ يُهَاجِرُ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَكَانَ يُهَاجِرُ لِيَقُومَ بِنُصْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْمَقَامِ مَعَهُ فَلَمَّا اُفْتُتِحَتْ مَكَّةُ وَأَسْلَمَ أَهْلُهَا وَكَثُرَ الْإِسْلَامُ صَارَتْ مَكَّةُ دَارَ إسْلَامٍ فَلَمْ تَلْزَمْ الْمُهَاجَرَةُ مِنْهَا، وَاسْتَغْنَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اُسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا» .

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ «فَقَدِمَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ يُرِيدُ الْمَدِينَةَ» مُؤَدِّيًا لِمَا اعْتَقَدَ وُجُوبَهُ عَلَيْهِ مِنْ فَرْضِ الْهِجْرَةِ «فَنَامَ فِي الْمَسْجِدِ فَتَوَسَّدَ رِدَاءَهُ فَأَخَذَهُ سَارِقٌ» ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي مَعَ مَا رُوِيَ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَطْعِهِ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ حِرْزِهِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَجَبَ فِيهِ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ كَانَ مَعَهُ وَحَارِسًا لَهُ فَكَانَ ذَلِكَ بِمَعْنَى الْحِرْزِ لَهُ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِيمَنْ سَرَقَ مِنْ بُسُطِ الْمَسْجِدِ الَّتِي تُطْرَحُ فِيهِ فِي رَمَضَانَ فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ صَاحِبُهُ قُطِعَ وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي مَحَارِسِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ يُعَلِّقُ النَّاسُ فِيهَا السُّيُوفَ وَالْمَتَاعَ فَتُسْرَقُ إنْ كَانَ صَاحِبُهُ مَعَهُ قُطِعَ سَارِقُهُ قَالَ مَالِكٌ: لِأَنَّ صَفْوَانَ لَمْ يَقُمْ عَنْ رِدَائِهِ وَلَا تَرَكَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ السَّارِقُ دَخَلَ لَيْلًا مِنْ غَيْرِ الْبَابِ فَسَرَقَهُ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي مَحَارِسِ الْإِسْكَنْدَرِيَّة يُعَلِّقُ النَّاسُ فِيهَا السُّيُوفَ وَالْمَتَاعَ فَيَنْقُبُ سَارِقٌ وَلَا يَدْخُلُ مِنْ مَدْخَلِ النَّاسِ فَيَسْرِقُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يُقْطَعُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ حَارِسٌ، وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْجِدِ بَيْتٌ نَزَلَ فِيهِ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَسْجِدِ يَكُونُ فِيهِ بَيْتٌ لِحُصُرِهِ أَوْ بَيْتُ زَكَاةِ الْفِطْرِ، أَوْ فِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ فَمَنْ دَخَلَ فِيهِ بِإِذْنٍ لَمْ يُقْطَعْ إنْ سَرَقَ مِنْهُ، وَمَنْ دَخَلَهُ بِغَيْرِ إذْنٍ فَسَرَقَ مِنْهُ مُسْتَتِرًا قُطِعَ إذَا خَرَجَ بِهِ مِنْ الْبَيْتِ إلَى الْمَسْجِدِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمَنْ سَرَقَ حُصُرَ الْمَسْجِدِ قَالَ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُقْطَعُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَسْجِدِ بَابٌ، وَمَنْ سَرَقَ الْأَبْوَابَ قُطِعَ قَالَ أَصْبَغُ وَيُقْطَعُ سَارِقُ حُصُرِ الْمَسْجِدِ وَقَنَادِيلِهِ وَبَلَاطِهِ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ: كَمَا لَوْ سَرَقَ بَابَهُ مُسْتَتِرًا أَوْ خَشَبَةً مِنْ سَقْفِهِ أَوْ جَوَائِزَهُ، وَقَالَ أَشْهَبُ لَا قَطْعَ فِي شَيْءٍ مِنْ حُصُرِ الْمَسْجِدِ وَقَنَادِيلِهِ وَبَلَاطِهِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَقِرُّهُ فَكَانَ حِرْزًا لَهُ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ ثَابِتٌ فِيهِ وَمَوْضِعُ الِانْتِقَاعِ بِهِ مَعَ إبَاحَةِ الْوُصُولِ إلَيْهِ فَكَانَ ذَلِكَ مَأْخُوذٌ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ.

(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ يُقْطَعُ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُقْطَعُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَرُوِيَ عَنْهُ إنْ سَرَقَ الْحُصُرَ نَهَارًا لَمْ يُقْطَعْ، وَإِنْ سَرَقَهَا لَيْلًا قُطِعَ.

وَقَالَ سَحْنُونٌ: إنْ سَرَقَ الْحُصُرَ وَقَدْ خِيطَ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ قُطِعَ وَإِلَّا لَمْ يُقْطَعْ.

وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يُقْطَعُ مَنْ سَرَقَ حُصُرَ الْمَسْجِدِ أَوْ قَنَادِيلَهُ أَوْ بَلَاطَهُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، وَإِنْ أَخَذَ فِي الْمَسْجِدِ وَحِرْزُهَا مَوْضِعُهَا، وَكَذَلِكَ الطَّنْفَسَةُ يَبْسُطُهَا الرَّجُلُ فِي الْمَسْجِدِ لِجُلُوسِهِ إذَا كَانَتْ تُتْرَكُ فِيهِ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَقَالَهُ مَالِكٌ وَأَمَّا طَنَافِسُ تُحْمَلُ وَتُرَدُّ فَرُبَّمَا نَسِيَهَا صَاحِبُهَا فَتَرَكَهَا فَلَا يُقْطَعُ فِي هَذِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَسْجِدِ غَلْقٌ؛ لِأَنَّ الْغَلْقَ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَصْلِهَا.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمَنْ سَرَقَ مِنْ الْحَمَّامِ إذَا دَخَلَ مِنْ بَابِهِ لَمْ يُقْطَعْ إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْبَابِ حَارِسٌ يَحْرُسُهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ عَنْ مَالِكٍ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ إذَا سَرَقَ مَنْ دَخَلَ الْحَمَّامَ مِنْ ثِيَابِ النَّاسِ فَإِنْ كَانَ مَعَهَا حَارِسٌ، أَوْ كَانَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>