للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ فَلَقِيَ رَجُلًا لَمْ يَشْهَدْ الْعَصْرَ فَقَالَ لَهُ مَا حَبَسَك عَنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ فَذَكَرَ الرَّجُلُ لَهُ عُذْرًا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ طَفَّفْت قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ وَيُقَالُ لِكُلِّ شَيْءٍ وَفَاءٌ وَتَطْفِيفٌ) .

ــ

[المنتقى]

قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» قَالَ يُرِيدُ فِيمَا تَرَى وَقْتَهَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي جَاءَ الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ هُوَ الَّذِي تَغْرُبُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَلَمْ يُدْرِكْ مِنْهَا شَيْئًا وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَصِيلِيُّ وَقَالَ الْفَوَاتُ هُوَ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَ أَنْ يَذْهَبَ النَّهَارُ كُلُّهُ وَهَذَا أَشْبَهُ بِلَفْظِ الْفَوَاتِ.

وَقَدْ رُوِيَ التَّأْوِيلَانِ عَنْ نَافِعٍ فَرَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ بِإِثْرِ هَذَا الْحَدِيثِ قُلْت لِنَافِعٍ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَرَوَى الْوَلِيدُ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ وَفَوَاتُهَا أَنْ تَدْخُلَ الشَّمْسَ صُفْرَةٌ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ» وَمَعْنَى الْفَوَاتِ أَنْ لَا يُمْكِنَ الْأَدَاءُ فِي الْوَقْتِ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي النَّاسِي.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ «وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ» يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ وَتْرَ أَهْلِهِ وَمَالِهِ فَوَاتُ ثَوَابٍ يُدَّخَرُ لَهُ فَيَكُونُ مَا فَاتَهُ مِنْ ثَوَابِ صَلَاةِ الْعَصْرِ فِي وَقْتِهَا مِثْلَ مَا فَاتَ الْمَوْتُورَ مِنْ الثَّوَابِ الْجَزِيلِ الَّذِي وَعَدَهُ اللَّهُ عَلَى وَتْرِ أَهْلِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّ مَا فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ يَلْحَقُهُ مِنْ الْأَسَفِ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ مُعَايَنَةِ الثَّوَابِ مِثْلُ مَا يَلْحَقُ مَنْ وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ.

وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الِاسْتِرْجَاعِ مَا يَجِبُ عَلَى مَنْ وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ لِأَنَّ مَنْ فَرَّطَ فِي صَلَاتِهِ فَقَدْ أَتَى كَبِيرَةً يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَسَفُ وَالنَّدَمُ عَلَيْهَا وَالتَّوْبَةُ مِنْهَا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الدَّاوُدِيُّ إنَّمَا يُتَوَجَّهُ عَلَى مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ عَامِدًا وَأَمَّا مَنْ تَرَكَهَا سَاهِيًا أَوْ نَاسِيًا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ قَدْ فَاتَهُ مِنْ الثَّوَابِ مِثْلُ مَا فَاتَ مَنْ وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ دُونَ ثَوَابٍ أَوْ يَلْحَقُهُ مِنْ الْأَسَفِ عِنْدَ مُعَايَنَةِ مَا فَاتَهُ مِنْ الثَّوَابِ مَا يَلْحَقُ مَنْ وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ وَعَلَى أَنَّ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ مَنْ وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِرْجَاعُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّبْرُ وَالتَّسْلِيمُ وَإِنْ اسْتَرْجَعَ مَعَ ذَلِكَ فَحَسَنٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: ١٥٦] .

وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ مَعْنَى مَنْ وُتِرَ أَهْلَهُ اُنْتُزِعُوا مِنْهُ وَذُهِبَ بِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(ش) : ذَكَرَ الدَّاوُدِيُّ أَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي لَمْ يَشْهَدْ الْعَصْرَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهُ ابْنُ حَدِيدَةَ صَاحِبُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلُ عُمَرَ لَهُ طَفَّفْت أَيْ نَقَصْت نَفْسَك حَظَّهَا يُرِيدُ أَنَّهُ نَقَصَ حَظَّهَا مِنْ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ الْمَقْصُودَةِ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ جَمَاعَةً إذَا كَانَ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ قَدْ صَلَّى فِيهِ وَإِنْ كَانَ هَذَا الْمُخَاطَبُ يُدْرِكُ فَضِيلَةَ الْمَسْجِدِ بِصَلَاةِ الْفَذِّ وَيُدْرِكُ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ.

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إنَّ الْمُصَلِّيَ لَيُصَلِّي الصَّلَاةَ وَمَا فَاتَهُ وَقْتُهَا وَلَمَا فَاتَهُ مِنْ وَقْتِهَا أَعْظَمُ أَوْ أَفْضَلُ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ) .

(ش) : قَالَ مَالِكٌ فِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ لَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ وَيُصَلِّي النَّاسُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَوَسَطِهِ وَكُرِهَ التَّضْيِيقُ فِي ذَلِكَ وَوَجْهُ كَرَاهِيَةِ مَالِكٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ ظَاهِرَهُ يُعَارِضُ الْحَدِيثَ الَّذِي لَا خِلَافَ فِي صِحَّتِهِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ» فَجَعَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ وَجَعَلَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ مَنْ صَلَّى الصَّلَاةَ فِي بَعْضِ وَقْتِهَا وَلَمْ يَفُتْهُ الْوَقْتُ أَنَّهُ قَدْ فَاتَهُ مِنْهُ بِفَوَاتِ أَوَّلِهِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ فَجَعَلَ فِي فَوَاتِ بَعْضِ الْوَقْتِ أَعْظَمَ مِمَّا جَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي فَوَاتِ جَمِيعِهِ وَفِي ذَلِكَ أَشَدُّ التَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ.

وَقَدْ ذَهَبَ أَشْهَبُ إلَى قَوْلِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ فَقَالَ مَنْ صَلَّى الْعَصْرَ فِي تَغَيُّرِ الشَّمْسِ فَقَدْ فَاتَهُ مِنْ وَقْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَلَا أَقُولُ فَاتَهُ الْوَقْتُ كُلُّهُ حَتَّى تَغْرُبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>