للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِي الْمُثَنَّى الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «كُنْت عِنْدَ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ أَسَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ نَهَى عَنْ النَّفْخِ فِي الشَّرَابِ فَقَالَ لَهُ أَبُو سَعِيدٍ نَعَمْ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي لَا أُرْوَى مِنْ نَفَسٍ وَاحِدٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَبِنْ الْقَدَحَ عَنْ فِيكَ، ثُمَّ تَنَفَّسْ فَقَالَ لَهُ أَرَى الْقَذَاةَ فِيهِ قَالَ: فَأَهْرِقْهَا» ) .

ــ

[المنتقى]

الشُّرْبِ.

وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ فَقَالَ فِيهِ الَّذِي يَأْكُلُ، أَوْ يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَكْلَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ غَيْرُ ابْنِ مُسْهِرٍ وَوَجْهُ تَحْرِيمِهِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى مَا فِيهِ مِنْ السَّرَفِ وَالتَّشَبُّهِ بِالْأَعَاجِمِ وَأَمَّا مُجَرَّدُ الشُّرْبِ فَلَا يَحْرُمُ كَالْبَلُّورِ الَّذِي لَهُ الثَّمَنُ الْكَثِيرُ وَرَوَى ابْنُ أَبِي لَيْلَى خَرَجْنَا مَعَ حُذَيْفَةَ وَذَكَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهِمَا فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ» وَهَذَا يَقْتَضِي تَحْرِيمَ اتِّخَاذِهَا وَكَذَلِكَ اسْتِعْمَالُ آنِيَتِهِمَا، أَوْ آنِيَةِ أَحَدِهِمَا فِي أَكْلٍ، أَوْ شُرْبٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا اسْتِعْمَالُ آنِيَةٍ فِيهَا تَضْبِيبٌ بِذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ فَإِنَّهُ أَيْضًا مَمْنُوعٌ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَشْرَبَ فِيهِ إذَا كَانَتْ فِيهِ حَلْقَةُ فِضَّةٍ، أَوْ تَضْبِيبُ شُعْبَتِهِ بِهَا وَكَذَلِكَ الْمِرْآةُ تَكُونُ فِيهَا الْحَلْقَةُ مِنْ الْفِضَّةِ لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَنْظُرَ فِيهَا الْوَجْهَ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، أَوْ آنِيَةٍ فِيهَا شَيْءٌ مِنْهُمَا وَلَيْسَ بِثَابِتٍ وَرَوَى عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ «رَأَيْت قَدَحَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَكَانَ قَدْ انْصَدَعَ فَسَلْسَلَهُ بِفِضَّةٍ قَالَ أَنَسٌ لَقَدْ سَقَيْت فِيهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْثَرَ مِنْ كَذَا وَكَذَا» وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ كَانَ فِيهِ حَلْقَةٌ مِنْ حَدِيدٍ فَأَرَادَ أَنَسٌ أَنْ يَجْعَلَ مَكَانَهَا حَلْقَةً مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ فَقَالَ لَهُ أَبُو طَلْحَةَ لَا تُغَيِّرْ شَيْئًا صَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَرَكَهُ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَنَسٌ سَلْسَلَهُ بِفِضَّةٍ بَعْدَ زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَعْدَ وَفَاةِ أَبِي طَلْحَةَ الَّذِي مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(ش) : نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ النَّفْخِ فِي الشَّرَابِ حَمْلًا لِأُمَّتِهِ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ؛ لِأَنَّ النَّافِخَ فِي آنِيَةِ الْمَاءِ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ مِنْ رِيقِهِ فِيهَا شَيْءٌ مَعَ النَّفْخِ فَيَتَقَذَّرُهُ النَّاظِرُ وَيُفْسِدُهُ عَلَيْهِ وَقَوْلُ الرَّجُلِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي لَا أُرْوَى مِنْ نَفَسٍ وَاحِدٍ يَقْتَضِي أَنَّ التَّنَفُّسَ فِي الْإِنَاءِ مِنْ مَعْنَى النَّفْخِ.

وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ: لَا يَنْفُخْ أَحَدٌ فِي طَعَامِهِ وَلَا شَرَابِهِ وَلَا يَتَنَفَّسْ أَحَدٌ فِي إنَاءٍ يَشْرَبُ فِيهِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُ الرَّجُلِ لَا أُرْوَى مِنْ نَفَسٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَكْفِيهِ مَا يَشْرَبُ مِنْ الْمَاءِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يُعِيدَ التَّنَفُّسَ فَسَمَّى مَا بَيْنَ التَّنَفُّسَيْنِ نَفَسًا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَبِنْ الْقَدَحَ عَنْ فِيكَ، ثُمَّ تَنَفَّسْ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ الشُّرْبَ مِنْ نَفَسٍ وَاحِدٍ بَلْ أَقَرَّهُ عَلَيْهِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ إبَاحَتَهُ لَهُ وَأَمَّا مَا أَمَرَهُ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَنْ يَبِينَ الْقَدَحَ عَنْ فِيهِ ثُمَّ يَتَنَفَّسَ قَلِيلًا فَرُبَّمَا يَرْجِعُ إلَى الْقَدَحِ مَعَ تَنَفُّسِهِ شَيْءٌ مِنْ رِيقِهِ، أَوْ مِنْ بَقِيَّةِ مَا فِي فِيهِ مِنْ الْمَاءِ، أَوْ غَيْرِهِ فَيَتَقَذَّرُهُ مَنْ يَشْرَبُ بَعْدَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ جَوَّزَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الشُّرْبَ فِي نَفَسٍ وَاحِدٍ وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ كَرَاهِيَةُ ذَلِكَ وَقَالَا هُوَ شُرْبُ الشَّيْطَانِ وَمَا اخْتَارَهُ مَالِكٌ أَظْهَرُ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَإِنِّي أَرَى الْقَذَاةَ فِيهِ يُرِيدُ فِي الْإِنَاءِ عَلَى وَجْهِ السُّؤَالِ عَنْ الْمَعَانِي الَّتِي تَدْعُوهُ إلَى النَّفْخِ فِي الشَّرَابِ؛ لِأَنَّهُ مَنْ رَأَى فِي شَرَابِهِ قَذَاةً يَدْفَعُهُ عَنْ مَوْضِعِ شَرَابِهِ بِالنَّفْخِ فِيهِ فَأَعْلَمَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا يَصِلُ بِهِ إلَى إزَالَتِهِ وَدَفْعِ ضَرَرِهِ مَعَ تَرْكِ النَّفْخِ فِيهِ وَهُوَ إرَاقَةُ بَعْضِ مَا فِيهِ مِنْ الْمَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>